بازگشت

ذكر هاني، و عبيدالله بن زياد


قال: فركب القوم و ساروا الي هاني ء و اذا به جالس علي باب داره، فسلموا عليه


و قالوا: له ما الذي يمنعك من اتيان [1] هذا الامير؟ فقد ذكرك غير مره. [2] .

فقال: والله ما يمنعني من المصير اليه الا العله.

فقالوا له: صدقت، ولكنه بلغه عنك انك تعقعد علي باب دارك عشيه و استبطاك، و الابطاء [3] و الجفاء لا يحتمله السلطان من مثلك، لانك سيد في عشيرتك و نحن نقسم عليك الا ركبت معنا اليه.

قال: فدعا هاني ء ثيابه و لبسها، و دعا ببغله له فركبها، و سار مع القوم حتي اذا صار الي باب قصر الاماره كان نفسه احست بالشر فالتفت الي حسان بن اسماء بن خارجه فقال له: يابن اخي! ان نفسي تحدثني بالشر.

فقال له حسان: سبحان الله يا عم! لا اتخوف عليك فلا تحدثك نفسك بشي ء من هذا.

ثم دخل القوم علي عبيدالله بن زياد و شريح القاضي جالس عنده، فلما نظر اليهم من بعيد التفت الي شريح القاضي فقال:



اريد حياته و يريد قتلي

خليلي من عذيري من مراد [4] .



فقال له هاني ء بن عروه: و ما ذاك ايها الامير؟ فقال: بالله يا هاني ء جئت بمسلم بن عقيل، و جمعت له الجموع من السلاح و الرجال في الدار حولك، و ظننت ان ذلك يخفي


علي و اني لا اعلم؟ فقال: ما فعلت!

قال ابن زياد: بلي قد فعلت! قال: ما فعلت!

فقال ابن زياد: اين معقل؟ فجاء معقل حتي وقف بين يديه، فنظر هاني ء الي معقل مولي زياد فعلم انه كان عينا عليهم و انه هو الذي اخبر ابن زياد عن مسلم، فقال اصلح الله الامير! والله ما دعوت مسلم بن عقيل ولا آويته. ولكنه جاءني مستجيرا فاستحييت من رده و اخذني من ذلك ذمام، فاما اذا قد علمت فخل سبيلي حتي ارجع اليه و آمره ان يخرج من داري فيذهب حيث شاء.

فقال ابن زياد: لا والله ما تفارقني او تاتيني [5] بمسلم بن عقيل.

فقال: اذا والله لا آتيك به ابدا! آتيك بضيفي!

فقال: والله لا تفارقني حتي تاتي به!

فقال: والله لا كان ذلك ابدا.

قال فتقدم [6] مسلم بن عمرو الباهلي و قال: اصلح الله الامير! ائذن لي في كلامه! فقال: كلمه بما احببت و لا تخرجه من القصر.

قال: فاخذ مسلم بن عمرو بيد هاني ء فنحاه ناحيه ثم قال: ويلك يا هذا! انشدك بالله ان تقتل نفسك او تدخل البلاء علي عشيرتك في سبب مسلم بن عقيل، يا هذا!سلمه اليه فانه لن يقدم عليه بالقتل ابدا. و اخري فانه سلطان، و ليس عليك في ذلك عار [7] و لا منقصه.


قال هاني ء: بلي والله علي في ذلك من اعظم العار ان يكون مسلم في جواري و ضيفي و هو رسول ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و انا حي صحيح الساعدين كثير الاعوان، والله لو لم اكن الا وحدي- لكن و انا كثير الاعوان- لما سلمته اليه ابدا حتي اموت.

قال: فرده مسلم بن عمرو و قال: ايها الامير! انه قد ابي ان يسلم مسلم بن عقيل او يقتل.

قال: فغضب ابن زياد و قال: والله! لتاتيني به او لاضربن عنقك.

فقال: اذا والله تكثر البارقه [8] حول دارك.

فقال له ابن زياد: ابالبارقه تخوفني؟ ثم اخذ قضيبا كان بين يديه فضرب [9] به وجه هاني ء فكسر به وجهه و انفه و شق حاجبه.

قال: فضرب هاني ء بيده الي قائم سيف من سيوف اصحاب ابن زياد فجاذبه ذلك الرجل و منعه من السيف، و صاح عبيدالله بن زياد: خذوه! فاخذوه و القوه في بيت من بيوت القصر و اغلقوا عليه الباب.

قال: ثم وثب اسماء بن خارجه الي عبيدالله بن زياد فقال: ايها الامير! امرتنا ان ناتيك بالرجل فلما جئناك به و ادخلناه اليك هشمت وجهه و اسلت دمه [10] و زعمت انك تقتله.


قال: فغضب ابن زياد و قال: و انت ههنا ايضا؟ ثم امر باسماء بن خارجه فضرب حتي وقع لجنبه.

قال: فحبس [11] اسماء ناحيه من القصر و هو يقول: انا لله و انا اليه راجعون، الي نفسي انعاك يا هاني ء.

قال: و بلغ ذلك بني مذحج، [12] فركبوا جميعهم عن آخرهم حتي وافوا باب القصر فضجوا و ارتفعت اصواتهم، فقال عبيدالله بن زياد: ما هذا؟ فقيل له: ايها الامير هولاء عشيره هاني ء بن عروه يظنون انه قد قتل.

فقال ابن زياد للقاضي شريح: قم فادخل اليه و انظر حاله و اخرج اليهم و اعلمهم انه لم يقتل.

قال: فدخل شريح الي هاني ء فنظر اليه، ثم خرج الي القوم فقال: يا هولاء! لا تعجلوا بالفتنه فان صاحبكم لم يقتل، والذي ابلغكم فانه ابلغكم باطلا. قال: فرجع القوم و انصرفوا.

قال: و خرج عبيدالله بن زياد من القصر حتي دخل المسجد الاعظم فحمد الله و اثني عليه، ثم التفت فراي اصحابه عن يمين المنبر و عن شماله و في ايديهم الاعمده و السيوف المسلله، فقال: اما بعد يا اهل الكوفه فاعتصموا بطاعه الله و رسوله محمد صلي الله عليه و آله و طاعه ائمتكم و لا تختلفوا و لا تفرقوا [13] فتهلكوا و تندموا و تذلوا و تقهروا،


فلا يجعلن احد علي نفسه سبيلا، و قد اعذر من انذر.

قال: فما اتم عبيدالله بن زياد تلك الخطبه حتي سمع الصيحه، فقال: ما هذا؟ فقيل له: ايها الامير! الحذر الحذر! هذا مسلم بن عقيل قد اقبل في جميع من بايعه! [14] .

قال: فنزل عبيدالله بن زياد عن المنبر مسرعا و بادر فدخل القصر و اغلق الابواب.


پاورقي

[1] في الطبري: من لقاء الامير.

[2] زيد في الطبري: «و قد قال: لو اعلم انه شاک لعدته».

[3] بالاصل: و الاستبطاء، و ما اثبت عن الطبري.

[4] البيت لعمرو بن معدي کرب. (الطبري ج 4.).

[5] الطبري: حتي تاتيني.

[6] في الطبري: فلما کثر الکلام بينهما قام مسلم.. .

[7] الطبري: مخزاه.

[8] عن الطبري، و بالاصل: «الابارقه: السيوف علي التشبيه.

[9] في الطبري: فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يذل انفه و جبينه و خذه حتي کسر انفه و سيل الدماء علي ثيابه و نثر لحم خديه علي لحيته حتي کسر القضيب.

[10] في الطبري: وسيلت دمه علي لحيته.

[11] بالاصل: «فجلس».

[12] في الطبري و بلغ عمرو بن الحجاج- (و کانت اخت عمرو تحت هاني‏ء بن عروه، و هي ام يحيي بن هاني‏ء)- ان هانئا قد قتل،فاقبل في مذحج حتي احاط بالقصر.

[13] عن الطبري، و بالاصل، فتفرقوا.

[14] في مروج الذهب: ج 3، ص 71: و لما بلغ مسلما ما فعل ابن زياد بهاني‏ء امر مناديا فنادي: «يا منصور و کانت شعارهم، فتنادي اهل الکوفه بها، فاجتمع اليه في وقت واحد ثمانيه عشر الف رجل، فسار الي ابن زياد فتحصن منه، فحصروه في القصر».