بازگشت

يزيد بعد معاوية


لما هلك معاوية بدمشق للنصف من رجب سنة ستين هجرية كان ابنه يزيد في «حوران» فاخذ الضحاك بن قيس اكفانه و رقي المنبر فقال بعد الحمد لله و الثناء عليه: كان معاوية سور العرب و عونهم و جدهم قطع الله به الفتنة و ملكه علي العباد و فتح به البلاد الا انه قد مات و هذه اكفانه فنحن مدرجوه فيها و مدخلوه قبره و مخلون بينه و بين عمله ثم هو البرزخ الي يوم القيامة فمن كان منكم يريد ان يشهد فليحضر.

ثم صلي عليه الضحاك و دفنه بمقابر باب الصغير و ارسل البريد الي يزيد يعزيه بابيه و الاسراع في القدوم لياخذ بيعة مجددة من الناس [1] و كتب في اسفل الكتاب [2] :




مضي ابن ابي سفيان فردا لشانه

و خلفت فانظر بعده كيف تصنع



اقمنا علي المنهاج و اركب محجة

سدادا فانت المرتجي حين نفزع



فلما قرأ يزيد الكتاب انشا يقول [3] :



جاء البريد بقرطاس يخب به

فأوجس القلب من قرطاسه فزعا



قلنا لك الويل ماذا في صحيفتكم

قال الخليفة امسي مثقلا و جعا



مادت بنا الارض او كادت تميد بنا

كأن ما عز من اركانها انقلعا



من لم تزل نفسه توفي علي و جل

توشك مقادير تلك النفس ان تقعا



لما وردت و باب القصر منطبق

لصوت رملة هد القلب فانصدعا



و سار الي دمشق فوصلها بعد ثلاثة ايام من دفن معاوية [4] و خرج الضحاك في جماعة لاستقباله فلما و افاهم يزيد جاء به الضحاك اولا الي قبر ابيه فصلي عند القبر ثم دخل البلد ورقي المنبر و قال:

«ايها الناس كان معاوية عبدا من عبيدالله انعم الله عليه ثم قبضه اليه و هو خير من بعده و دون من قبله و لا ازكيه علي الله عزوجل فانه اعلم به ان عفا عنه فبرحمته و ان عاقبه فبذنبه و قد وليت الامر من بعده و لست آسي علي طلب و لا اعتذر من تفريط و اذا أراد الله شيئا كان، و لقد كان معاوية يغزو بكم في البحر و اني لست حاملا احدا من المسلمين في البحر و كان يشتيكم بارض الروم و لست مشتيا احدا بارض الروم، و كان يخرج عطاءكم اثلاثا و انا أجمعه كله لكم» [5] .

فلم يقدم احد علي تعزيته حتي دخل عليه عبدالله بن همام السلولي فقال يا اميرالمؤمنين آجرك الله علي الرزية و بارك لك في العطية و اعانك علي الرعية فقد رزئت عظيما و اعطيت جسيما فاشكر الله علي ما اعطيت و اصبر علي ما رزئت فقد فقدت خليفة الله و اعطيت خلافة الله ففارقت جليلا و وهبت جزيلا، اذ قضي


معاوية نحبه و وليت الرياسة و اعطيت السياسة فأورده الله موارد السرور و وفقك لصالح الامور ثم انشا:



اصبر يزيد فقد فارقت ذا كرم

و اشكر حباء الذي بالملك اصفاك



لا رزء اصبح في الاقوام قد علموا

كما رزئت و لا عقبي كعقباك



اصبحت راعي اهل الدين كلهم

فانت ترعاهم و الله يرعاك



و في معاوية الباقي لنا خلف

اذا نعيت و لا نسمع بمنعاك



فانفتح بذلك للخطباء [6] و قال له رجل من ثقيف السلام عليك يا اميرالمؤمنين و رحمة الله و بركاته انك قد فجعت بخير الآباء و اعطيت جميع الاشياء فاصبر علي الرزية و احمد الله علي حسن العطية فلا احد اعطي كما اعطيت و لا رزء كما رزئت. و اقبل الناس عليه يهنئونه و يعزونه فقال يزيد: نحن انصار الحق و انصار الدين و ابشروا يا اهل الشام فان الخير لم يزل فيكم و ستكون بيني و بين اهل العراق ملحمة و ذلك اني رأيت في منامي منذ ثلاث ليال كان بيني و بين اهل العراق نهرا يطرد بالدم جريا شديدا و جعلت اجهد نفسي لاجوزه فلم اقدر حتي جازه بين يدي عبيدالله بن زياد و انا انظر اليه!.

فصاح اهل الشام امض بنا حيث شئت، معك سيوفنا التي عرفها اهل العراق في صفين فجزاهم خيرا و فرق فيهم اموالا جزيلة.

و كتب الي العمال في البلدان يخبرهم بهلاك ابيه و اقرهم علي عملهم و ضم العراقيين الي عبيدالله بن زياد بعد ان اشار عليه بذلك سرجون مولي معاوية و كتب الي الوليد بن عتبة و كان علي المدينة:

اما بعد: «فان معاوية كان عبدا من عباد الله اكرمه و استخلصه و مكن له ثم قبضه الي روحه و ريحانه و رحمته و عقابه عاش بقدر و مات بأجل و قد كان عهد الي و اوصاني بالحذر من آل ابي تراب لجرأتهم علي سفك الدماء و قد علمت يا وليد ان الله تبارك و تعالي منتقم للمظلوم عثمان بآل ابي سفيان لانهم انصار الحق و طلاب العدل فاذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة علي اهل المدينة».


ثم ارفق الكتاب بصحيفة صغيرة فيها: خذ الحسين و عبدالله بن عمر و عبدالرحمن بن ابي بكر و عبدالله بن الزبير بالبيعة اخذا شديدا و من ابي فاضرب عنقه و ابعث الي برأسه [7] !

و قام العامل بهذه المهمة فبعث علي الحسين و ابن الزبير نصف الليل رجاء ان يغتنم الفرصة بمبايعتهما قبل الناس فوجدهما رسوله عبدالرحمن بن عمرو بن عثمان بن عفان [8] في مسجد النبي (ص) فارتاب ابن الزبير من هذه الدعوة التي لم تكن في الوقت الذي يجلس فيه للناس [9] لكن حجة الوقت (حسين الاصلاح) اوقفه علي امر غيبي و هو هلاك معاوية و انه يطلب منهم البيعة ليزيد و ايده (ع) بما رآه في المنام من اشتعال النيران في دار معاوية و ان منبره منكوس [10] .



و رام ابن ميسون علي الدين امرة

فعاثت بدين الله جهرا جرائمه



فقام مغيثا شرعة الدين شبل من

بصمصامه بدءا اقيمت دعائمه



وحف به (اذ محص الناس) معشر

نمته الي اوج المعالي مكارمه



فمن اشوس ينميه للطعن (حيدر)

و ينميه جد في قري الطير (هاشمه)



و رهط تفاني في حمي الدين لم تهن

لقلته بين الجموع عزائمه



الي ان قضوا دون الشريعة صرعا

كما صرعت دون العرين ضراغمه



اراد ابن هند خاب مسعاه ان يري

(حسينا) بايدي الضيم تلوي شكائمه



ولكن ابي المجد المؤثل و الابا

له الذل ثوبا و الحسام ينادمه



ابوه علي و ابنة الطهر امه

و طه له جد و جبريل خادمه



الي ابن سمي و ابن ميسون ينثني

يمد يدا و السيف في اليد قائمه






فصال عليهم صولة الليث مغضبا

و عسا له خصم النفوس و صارمه



فحكم في اعناقهم نافذ القضا

صقيلا فلا يستأنف الحكم حاكمه



الي ان اعاد الدين غضا و لم يكن

بغير دماء السبط تسقي معالمه [11]



و وضح لابن الزبير ما عزم عليه الحسين من ملاقاة الوالي في ذلك الوقت فاشار عليه بالترك حذار الغيلة، فعرفه الحسين (ع) القدرة علي الامتناع [12] و صار اليه الحسين في ثلاثين [13] من مواليه و اهل بيته و شيعته شاكين بالسلاح ليكونوا علي الباب فيمنعونه اذا علا صوته [14] و بيده قضيب رسول الله (ص)، و لما استقر المجلس بابي عبدالله (ع) نعي الوليد اليه معاوية ثم عرض عليه البيعة ليزيد فقال (ع): مثلي لا يبايع سرا فاذا دعوت الناس الي البيعة دعوتنا معهم فكان امرا واحدا [15] .

فاقتنع الوليد منه لكن مروان ابتدر قائلا: ان فارقك الساعة و لم يبايع لم تقدر منه علي مثلها حتي تكثر القتلي بينكم ولكن احبس الرجل حتي يبايع او تضرب عنقه.

فقال الحسين: يا ابن الزرقاء [16] انت تقتلني ام هو؟ كذبت و اثمت [17] .


ثم اقبل علي الوليد و قال: ايها الامير انا اهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة بنا فتح الله و بنا يختم و يزيد رجل شارب الخمور و قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح و تصبحون و ننظر و تنظرون اينا احق بالخلافة [18] .

فاغلظ الوليد في كلامه و ارتفعت الاصوات فهجم تسعة عشر رجلا قد انتضوا خناجرهم و اخرجوا الحسين الي منزله قهرا [19] .فقال مروان للوليد عصيتني فو الله لا يمكنك علي مثلها قال الوليد: و بخ غيرك يا مروان! اخترت لي ما فيه هلاك ديني، اقتل حسينا ان قال لا ابايع، و الله لا اظن امرءا يحاسب بدم الحسين الا خفيف الميزان يوم القيامة [20] و لا ينظر الله اليه و لا يزكيه و له عذاب اليم [21] !

و عتبت اسماء بنت عبدالرحمن بن الحارث بن هشام امرأة الوليد عليه لما جري منه مع الحسين فاعتذر بأنه بدأه بالسب قالت اتسبه و تسب اباه ان سبك! فقال: لا افعل ابدا [22] .

و في هذه الليلة زار الحسين قبر جده (ص) فسطع له نور من القبر [23] فقال: السلام عليك يا رسول الله انا الحسين بن فاطمة فرخك و ابن فرختك و سبطك الذي خلفتني في امتك فاشهد عليهم يا نبي الله انهم خذلوني و لم


يحفظوني و هذه شكواي اليك حتي القاك و لم يزل راكعا و ساجدا حتي الصباح [24] .

و أرسل الوليد من يتعرف له خبر الحسين و حيث لم يصبه الرسول في منزله اعتقد أنه خارج من المدينة فحمد الله علي عدم ابتلائه به.

و عند الصباح لقي مروان اباعبدالله (ع) فعرفه النصيحة التي يدخرها


لامثاله و هي البيعة ليزيد فان فيها خير الدين و الدنيا فاسترجع الحسين و قال علي الاسلام السلام اذا بليت الامة براع مثل يزيد و لقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول الخلافة محرمة علي آل ابي سفيان [25] فاذا رأيتم معاوية علي منبري فابقروا بطنه و قد رآه اهل المدينة علي المنبر فلم يبقروا فابتلاهم الله بيزيد الفاسق، و طال الحديث بينهما حتي انصرف مروان مغضبا [26] .

و في الليلة الثانية جاء الحسين الي قبر جده و صلي ركعات ثم قال: اللهم ان هذا قبر نبيك محمد (ص) و انا ابن بنت نبيك و قد حضرني من الامر ما قد علمت، اللهم اني احب المعروف و انكر المنكر و أسالك يا ذا الجلال و الاكرام بحق القبر و من فيه الا اخترت لي ما هو لك رضي و لرسولك رضي و بكي.

و لما كان قريبا من الصبح وضع رأسه علي القبر فغفا فرأي رسول الله صلي الله عليه و آله في كتيبة من الملائكة عن يمينه و شماله و بين يديه فضم الحسين الي صدره و قبل ما بين عينيه و قال حبيبي يا حسين كأني اراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بأرض كربلا بين عصابة من امتي و انت مع ذلك عطشان لا تسقي و ظمآن لا تروي و هم بعد ذلك يرجون شفاعتي لا انا لهم الله شفاعتي يوم القيامة! حبيبي يا حسين، ان اباك و امك و اخاك قدموا علي و هم مشتاقون اليك. فبكي الحسين و سأل جده ان يأخذه معه و يدخله في قبره.

ولكن الرسول الاقدس ابي الا ان يمضي ولده علي حال اربي في نيل الجزاء و آثر عند الجليل سبحانه يوم الخصام فقال (ص): لابد ان ترزق الشهادة ليكون لك ما كتب الله فيها من الثواب العظيم فانك و اباك و عمك و عم ابيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتي تدخلوا الجنة.

فانتبه الحسين و قص رؤياه علي اهل بيته فاشتد حزنهم و كثر بكاؤهم [27]


و علموا قرب الموعد الذي كان رسول الله يخبر به و لحرصهم علي نور النبوة ان لا يحجب عنهم و لا يفقدوا تلك الهبات العلوية اجتمعوا عليه و طلبوا منه الموافقة ليزيد او الابتعاد عن هذه البلاد.


پاورقي

[1] البداية و النهاية لابن‏کثير ج 8 ص 143.

[2] مقتل الخوارزمي ج 1 ص 178.

[3] الاغاني ج 16 ص 34 طبعة دي ساسي

[4] مقتل الخوارزمي ج 1 ص 178 و في الاستيعاب علي هامش الاصابة بترجمة معاوية عن الشافعي ان معاوية لما ثقل کتب الي يزيد و کان غائبا يخبره بحاله فانشا يزيد يقول و ذکر اربع ابيات الاول و الثالث و اثنان لم يذکرا هنا.

[5] البدايه لابن‏کثير ج 8 ص 143.

[6] البيان و التبيين للجاحظ ج 2 ص 109 طبع ثاني باب وصية معاوية و کامل المبرد ج 3 ص 300 و العمدة لابن‏رشيق ج 2 ص 148 باب الرثاء و بينهم اختلاف يسير و العقد و الفريد لابن‏عبدربه ج 2 ص 309 باب طلب معاوية البيعة ليزيد.

[7] مقتل الخوارزمي ج 1 ص 178 الي ص 180 طبع النجف و قد اشرنا في المقدمة الي السر في انشاء هذا الکتاب الصغير فاقرأه.

[8] ابن‏عساکر ج 4 ص 327.

[9] الطبري ج 6 ص 189.

[10] مثير الاحزان لابن‏نما ص 10 و مقتل الخوارزمي ج 1 ص 182 فصل 8، لا يخفي ان رؤيا الامام (ع) مشاهدة لحقيقة الحال ابصار بنور الامامة الذي لا تمنعه الحواجز عن ادراک ما في الکون و لا بدع في ذلک ممن کونه الله تعالي حجة علي العالمين فهو (ع) في مقام الکناية عن نکوس منبره بانقلاب الامر من يده و انقطاع شهواته بهلاکه، و اشتعال النيران کناية عن احتدام الفتن بمثل فاجعة الطف و واقعة الحرة و هدم البيت الحرام الي امثالها.

[11] من قصيدة للعلامة الشيخ محمد تفي آل صاحب الجواهر.

[12] ابن‏الاثير ج 4 ص 6.

[13] اللهوف للسيد رضي‏الدين ابن طاووس.

[14] مقتل الخوارزمي ج 1 ص 183 فصل 8.

[15] الطبري ج 6 ص 189.

[16] في تذکرة لسبط ابن‏الجوزي ص 229 طبع ايران و الاداب السلطانية للفخري ص 88 کانت جدة مروان من البغايا و في کامل ابن‏الاثير ج 4 ص 75 کان الناس يعيرون ولد عبدالملک بن مروان بالزرقاء بنت موهب لانها من المومسات و من ذوات الرايات و في تاريخ ابن‏عساکر ج 7 ص 407 جري کلام بين مروان و عبدالله بن الزبير فقال له عبدالله و انک لههنا يا ابن‏الزرقاء و في انساب الاشراف للبلاذري ج 5 ص 129 قال عمرو بن العاص لمروان في کلام جري بينهما يا ابن‏الزرقاء فقال مروان ان کانت زرقاء فقد انجبت وادت الشبه اذا لم تؤده غيرها.

و في تاريخ الطبري ج 8 ص 16 کان مروان بن محمد بن الاشعث يقول لم يزل بنومروان يعيرون بالزرقاء و ان بني‏العاص من اهل (صفورية).

غير خفي ان ادب الشريعة و ان حرج علي المؤمن التنابز بالالقاب و الطعن في الانساب، و من تستفاد منه الحکم و الاداب الاليهة احري بالاخذ بها الا ان امام الامة و الحجة علي الخليفة العارف باملابسات لا يتعدي هذه المقررات و ابتعادنا عن مقتضيات احوال ذلک الزمن يلزمنا بالتسليم للامام المعصوم (ع) في کل ما يصدر منه خصوصا مع مطابقته للقرآن العزيز الذي هو مصدر الاحکام، و التعيير الصادر من الحسين لمروان صدر مثله من الجليل عز شأنه مع الوليد بن المغيرة المخزومي اذ يقول في سورة القلم 13 «عتل بعد ذلک زنيم» و الزنيم في اللغة الدعي في النسب اللصيق به و ورد في حديث النبي (ص) کما في کنز العمال ج 1 ص 156 العتل الزنيم الفاحش اللئيم و يروي الآلوسي في روح المعاني ج 29 ص 28 ان اباه‏المغيرة ادعاه بعد ثمان عشرة سنة من مولده، فاذا کان (ينبوع الادب و الاسرار) يغمز في حق رجل معين و يسمه بالقبيح في کتابه الذي يتلي في المحاريب ليلا و نهارا فلا يستغرب من ابن النبوة اذا رمي مروان بالشائنة و هو ذلک المتربص بهم الغوائل.

[17] تاريخ الطبري و ابن‏الأثير و الارشاد و اعلام الوري.

[18] مثير الاحزان لابن‏نما الحلي من اعلام القرن السادس.

[19] مناقب ابن ‏شهراشوب ج 2 ص 208.

[20] تاريخ الطبري ج 6 ص 19.

[21] اللهوف ص 13.

[22] ابن‏عساکر ج 4 ص 328.

[23] امالي الصدوق ص 93 مجلس 30.

[24] مقتل العوالم ص 54 و البحار ج 10 ص 172 عن محمد بن ابي‏طالب ان مسألة وجود الانبياء و الاوصياء في قبورهم او انهم مرفوعون الي السماء محل الخلاف الآثار. ففي کامل الزيارات و التوحيد و المجالس و العيون و الخصال للصدوق و الخرايج للراوندي و البصائر ص 130 اخبار دلت علي وجود نبينا (ص) و علي و الحسين و نوح و شعيب و خالد العبسي و يوشع بن نون و عظام آدم و عظام يوسف و عظم النبي المذکور في خبر الاستسقاء في لارض و انها اول ما تنشق عن نبينا (ص) و لهذه الاخبار اختار السيد محمود بن فتح الله الحسيني الکاظمي في رسالة کتبها في المسألة انهم موجودون في قبورهم، ولکن في کامل الزيارات ص 390 باب 108 و تهذيب الطوسي آخر المزار باب الزيارات ما من نبي او وصي يبقي في الارض اکثر من ثلاثة ايام حتي ترفع روحه و عظمه الي السماء، و في تهذيب الشيخ الطوسي لا يبقي اکثر من اربعين يوما فيرفع الي السماء. و الاختلاف بينهما اما لبيان الغاية في القلة و الکثرة او للاختلاف في مراتبهم، و في شرح الاربعين للمجلسي ص 76 جمع آخر بين الخبرين و هو ان بعضهم يرفع بعد الثلاثة و بعضهم بعد الاربعين. و احتمل ان تکون الاخبار واردة لقطع طمع الخوارج عن النبش. و ممن وافق علي رفع الاجساد الاصلية الشيخ المفيد في المقالات ص 84 و الکراجکي في کنز الفوائد ص 258 و المجلسي في مرآة العقول ج 1 ص 373 و الشيخ يوسف البحراني في الدرة النجفية ص 266 و المحدث النوري في دار السلام ج 2 ص 331 و ذهب الفيض في «الوافي» الي انهم يرتفعون بالاجساد المثالية و تبقي العنصرية في الارض، و في مرآة العقول ج 1 ص 227 ان جماعة ذهبوا الي رجوعهم الي ضرائحهم بعد الرفع.

و لما سأل ابن‏الحاجب شيخنا المفيد عن معني حضور الوافدين الي هذه الضرائح؟ حينئذ اجابه الشيخ المفيد بأنه انما جاء العباد الي محال قبورهم و ان لم يکونوا فيها اکبارا لهم و تقديسا للمواضع التي حلوا فيها ثم ارتفعوا عنها و هذا مثل تعبد الله العباد بالسعي الي بيته الحرام مع انه سبحانه لا يحويه مکان و انما ذلک تعظيم له و تجليل لمقامه جل شأنه.

و في الفتاوي الحديثية لابن‏حجر ص 213 عن ابن‏العربي ان الانبياء ترد اليهم ارواحهم في القبور و يؤذن لهم في الخروج و التصرف في الملکوت العلوي او السفلي فلا مانع من ان يري النبي (ص) الکثيرون لانه کالشمس. و في وفاء الوفاء للسمهودي ج 2 ص 407 الفصل الثاني في بنية المزارات روي عنه انه (ص) قال: ما من نبي دفن الا و قد رفع بعد ثلاث غيري فاني سألت الله تعالي ان اکون بينکم الي يوم القيامة و روي عبدالرزاق ان سعيد بن المسيب رأي قوما يسلمون علي النبي (ص) فقال: ما مکث نبي في الارض اکثر من اربعين... و في روح المعاني للالوسي ج 2 ص 37 سورة الاحزاب آية (ما کان محمد ابا احد من رجالکم) احاديث عن انس قال (ص) ما من نبي يموت فيقيم في قبره الا اربعين صباحا. عن سعيد بن المسيب و ابي المقدم ثابت بن هرمز ما مکث نبي في الارض اکثر من اربعين يوما... و من الاخبار ما ذکره امام الحرمين في النهاية و الرافعي في الشرح ان النبي قال: انا اکرم علي ربي ان يترکني في قبري بعد ثلاث... زاد امام الحرمين و روي اکثر من يومين و نقل عن القاضي ابن العربي و الروض: ان الانبياء ترد اليهم ارواحهم بعد ما قبضوا و يؤذن لهم في الخروج من قبورهم و التصرف في الملکوت العلوي و السفلي، ثم ذکر رأيه.

[25] اللهوف ص 13 و مثير الاحزان ص 10.

[26] مقتل الخوارزمي ج 1 ص 185 فصل 9.

[27] مقتل العوالم ص 54 عن محمد بن ابي‏طالب و هذا التذمر بيان لمقتضي الحال و تعليم بأن في مشاهدة تلکم الاحوال من تداول المنکرات و ازهاق المعروف ما يستهان معه الموت و ذلک بقضاء من الشهامة و التعرق في الدين و لم يکن هذا من سيدالشهداء نکوصا عن الافضل و لا جزعا - و حاشاه - مما قدر له و رضي به و اخذ عليه العهد و المواثيق الموکدة و هو جد عليم بانه لابد من وقوع ما جرت به المقادير! لکن ابي‏الضيم حسب ان دعاء جده (ص) بغير القضاء فعرفه صاحب الدعوة الالهية ان الله تعالي اجري قضاءه باعطائه منازل لا تحصل الا مع الشهادة و في کل حرف من قضية السبط الشهيد دروس راقية، و هل في الامة من يعتبر بها او يدرسها؟