بازگشت

بقاء الشريعة بالحسين


لقد كانت نهضة الحسين الجزء الاخير من العلة التامة لاستحكام عروش


الدين حيث انها فرقت بين دعوة الحق و الباطل و ميزت احد الفريقين عن الآخر حتي قيل: ان الاسلام بدؤه محمدي و بقاؤه حسيني و لذلك لم يجد ائمة الهدي وسيلة لنشر امرهم في الاصلاح و نفوذ كلمتهم في احياء شرع جدهم الاقدس الا لفت الانظار الي هذه النهضة الكريمة لما اشتملت عليه من فجائع تفطر الصخر الاصم و يشيب لها فود الطفل و يذوب الفؤاد فطفقوا عليهم السلام يحثون الامة علي تأييدها و القيام بذكر ما لاقاه شهيد الاصلاح من القسوة و الاضطهاد و اعلام الامة بما حدث في تلكم المشاهد الدموية من مظلومية الحسين و اهله و ذويه لانهم صلوات الله عليهم علموا ان في اظهار مظلوميته مجلبة للعواطف و استرقاقا للافئدة فبطبع الحال يتحري السامع لتلكم الفجائع الوقوف علي مكانة هذا المضطهد و اسباب ما ارتكب منه من اعمال قاسية.

و طبعا يعلم ان سبط النبوة امام عدل لم يرضخ للدنايا و لم يصخ الي دعوة المبطلين و ان امامته موروثة له من جده و ابيه (الوصي) و ان من ناواه لا يملك من منصة الخلافة موضع قدمه و كذا كل من حذا حذوه و ذهب علي شاكلته.

و اذا عرف السامع هذا علم الحق كله في جانب الحسين و من خلفه من ائمة الدين فلم تدع له عقليته الا السير معهم و اعتناق طريقتهم المثلي و بذلك تتوطد اسس السلام و الوئام.

لقد اقعدت السلطة الغاشمة من بني امية و بني العباس اهل البيت عليهم السلام في دورهم و اوصدت عليهم ابواب الاجتماع بشيعتهم فلاقوا منهم ضروب الاذي و التنكيل فآثروا العزلة علي الخروج بالسيف في وجه دعاة الباطل مع ما يشاهدونه من تمادي اولئك في الطغيان و ظلم شيعة اميرالمؤمنين و ابنائه و تتبعهم تحت كل حجر و مدر وابادتهم العلويين من جديد الارض و كان بمرأي منهم بناء المنصور و الرشيد الاسطوانات علي ذرية فاطمة عليهاالسلام ظلما و عدوانا [1] .

ولكن لم يفتهم الجهاد الاكبر بتحريض شيعتهم علي عقد المحافل [2] لذكر


حادثة الطف الخالدة و تواصل الاستياء لما هنالك من فجائع و مصائب و اسبال الدموع لكارثتها المؤلمة و اكثروا من بيان فضل ذلك الي حد بعيد لانهم علموا ان هذا هو العامل القوي في ابقاء الرابطة الدينية التي لاجلها لاقي اميرالمؤمنين (ع) ما لاقاه و اصاب ولده الحسن ما اصابه و مصاب الحسين يدكدك الجبال الرواسي.

فكان اهل البيت عليهم السلام يتحرون اساليب مختلفة من البيان توجب توجيه النفوس نحو التذكارات الحسينية لما لها من العلاقة التامة لحفظ المذهب عن الاندراس فعبروا عنها بالعموم تارة و بالخصوص اخري فيقول الباقر (ع): رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذاكر في امرنا فان ثالثهما ملك يستغفر لهما، و ما اجتمع اثنان علي ذكرنا الا باهي الله بهما الملائكة فاذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فان اجتماعكم و مذاكرتكم احياؤنا و خير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا و دعا الي ذكرنا.

و يقول الصادق عليه السلام للفضيل بن يسار: اتجلسون و تتحدثون؟ قال نعم فقال عليه السلام: اما اني احب تلك المجالس فاحيوا امرنا فان من جلس مجلسا يحيي فيه امرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

فالأئمة عليهم السلام ارادوا بهذا النحو من البيان حمل الامة علي الاعتقاد بامامتهم و ما اوجبه المولي سبحانه من عصمتهم و ما اهلهم له من الفضائل و الفواضل و ان الدعوة اليهم ملازمة لاعتقاد خلافتهم دون من اغتصب ذلك المنصب الالهي.

ان التذكارات الحسينية علي اختلاف صورها من عقد العزاء و المآتم [3] .


و اللطم [4] في الدور و الشوارع اوجبت تقدم الطائفة، و كان عمل الشبيه اوضح المصاديق و الحجج علي القساوة التي جاء بها الامويون و لفيفهم من تلاوة الشعر و ذكر المصاب لتسرب ذلك بوضوح الي ادمغة الاطفال و العامة الذين لا يفهمون ما يشتمل عليه القريض و الكتب من دقايق الحادثة و هو احكم و أأكد في تأثر النفوس و احتدام القلوب في حفظ الروابط المذهبية بين الائمة و مواليهم و له نصيب وافر في رسوخ العقيدة.

و لقد قلد الشيعة في تمثيل فاجعة الطف غيرهم من الهنود و بعض فرق الاسلام و هم في الهند اكثر رواجا من جميع الممالك الاسلامية [5] .

فكان لفت الانظار نحو هذه التذكارات و الاعتناق بها امس في احياء امر المعصومين المحبوب لديهم التحدث و التذاكر فيه. و لعل جملة من هذه الفوائد لا تفهم الامة منها النكتة المهمة بل غاية ما يتصورون من فائدة عملهم هو الثواب عليه في الآخرة فقط ولكن الواقف علي اسرار اهل البيت و المستشرف لمغاري اقوالهم و افعالهم يتجلي له ما المعوا اليه من هذه النوادي و المجتمعات و حثوا شيعتهم عليه بمزيد لطفهم و واسع علمهم.


پاورقي

[1] عيون اخبار الرضا للصدوق ص 62.

[2] عقد المحافل للتذکير بتلک الفاجعة المؤلفة لا يقتصر فيه علي ذکرها في البيوت فقط فانه خلاف اطلاق الاخبار ففي امالي الصدوق عن الرضا (ع) من ذکر بمصابنا فبکي و ابکي لم تبک عينه يوم تعمي العيون. و في قرب الاسناد ص 26 عن ابي‏عبدالله (ع) من ذکرنا أو ذکرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله ذنوبه. و في کامل الزيارات ص 100 عن ابي‏هارون المکفوف عن ابي‏عبدالله و فيه ذکر الحسين (ع) عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح الذباب کان ثوابه علي الله و لم يرض له بدون الجنة. و هذه الاخبار الي نظائرها الکثير تحث بعمومها علي کل وسيلة يتذکر بها مصاب الحسين او مصاب اهل البيت (ع) سواء في ذلک عقد الماتم او بذل المال لاجله او نظم الشعر او کتابة تلک الفوادح او تدوينها او انشاد ما جري عليهم او تصوير تلک الفاجعة امام الناس بکل مظهر من مظاهره فان الجامع لهذه الانحاء قوله (ع) «من ذکر بمصابنا».

[3] في کامل الزيارات لابن‏قولويه ص 174 عن مالک الجهني ان الباقر عليه ‏السلام قال: في يوم عاشوراء و ليندب الحسين و يبکيه و يأمر من في داره بالبکاء عليه و يقيم في داره مصيبته باظهار الجزع عليه و يتلاقون بالبکاء عليه بعضهم بعضا في البيوت و ليعز بعضهم بعضا بمصاب الحسين فانا ضامن علي الله لهم اذا فعلوا ذلک ان يعطيهم ثواب الفي الف حجة و عمرة و غزوة مع رسول الله و الائمة الراشدين عليهم‏ السلام.

[4] روي الشيخ الطوسي في التهذيب ج 2 ص 283 آخر الکفارات عن الصادق عليه ‏السلام انه قال: و لقد شققن الفاطميات الجيوب او لطمن الخدود الفاطميات علي الحسين بن علي و علي مثله تلطم الخدود و تشق الجيوب! و ذکره الشهيد في (الذکري) في البحث الرابع من المطلب الثالث من احکام الاموات.

[5] ذکر الدکتور «جوزف» الفرنسي في کتابه الاسلام و المسلمون الذي نشرت جريدة «الحبل المتين» منه فصلا بالفارسية في عدد 28 من سنتها 17 ان التمثيل و الشبيه تداول بين الشيعة من زمن الصفوية الذين نالوا السلطة بقوة المذهب بفضل مساعدة علمائهم الروحانيين.