بازگشت

آية التهلكة


مما قررناه تجلي لنا انه لم يعزب عن الائمة (ع) العلم بالشهادة علي يد من تكون و في أي وقت تقع و في اي شي ء اقدارا من الله تعالي لهم بما اودعه فيهم من مواد العلم التي بها استكشفوا الحوادث مضافا الي ما يقرأونه في الصحيفة النازلة من السماء علي جدهم المنقذ الاكبر (ص).

و ليس في اقدامهم علي الشهادة اعانة علي ازهاق نفوسهم القدسية و القائها في التهلكة الممنوع منها بنص الذكر المجيد، فان الابقاء علي النفس و الحذر عن ايرادها مورد الهلكة انما يجب اذا كان مقدورا لصاحبها او لم يقابل بمصلحة اهم


من حفظها، و اما اذا وجدت هنالك مصلحة تكافي ء تعريض النفس للهلاك كما في الجهاد و الدفاع عن النفس مع العلم بتسرب القتل الي شر ذمة من المجاهدين و قد امر الله الانبياء و المرسلين و المؤمنين فمشوا اليه قدما موطنين انفسهم علي القتل و كم فيهم سعداء و كم من نبي قتل في سبيل دعوته و لم يبارح قوله دعوته حتي ازهقت نفسه الطاهرة! و قد تعبد الله طائفة من بني اسرائيل بقتل انفسهم فقال جل شأنه: «فتوبوا الي بارئكم و اقتلوا انفسكم» [1] .

علي ان الاقتصار علي ما يقتضيه السياق يخرج الآية عما نحن فيه من ورودها للتحذير عما فيه الهلكة فانها اعقبت آية الاعتداء في الاشهر الحرم علي المسلمين قال الله تعالي (الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم و اتقوا الله و اعلموا ان الله مع المتقين و لا تلقوا بايديكم الي التهلكة و احسنوا ان الله يحب المحسنين».

فيكون النهي عن الالقاء في التهلكة خاص بما اذا اعتدي المشركون علي المسلمين في الاشهر الحرم و لم تكن للمسلمين قوة علي مقاتلتهم و الالتزام بعموم النهي لكل ما فيه هلكة لا يجعل حرمة ايراد النفس مورد الهلكة من المستقلات العقلية التي لا تقبل التخصيص بل هي من الاحكام المختصة بما اذا لم توجد مصلحة اقوي من مفسدة الاقدام علي التلف و مع وجود المصلحة اللازمة لا يتأتي الحكم بالحرمة اصلا كما في الدفاع عن بيضة الاسلام.

و قد اثني سبحانه و تعالي علي المؤمنين في اقدامهم علي القتل و المجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الالهية فقال تعالي: (ان الله اشتري من المؤمنين انفسهم و اموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون) و قال تعالي (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) و قال


تعالي: (و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله).

و بمثل هذا صارح الرسول (ص) في تعاليمه الثمينة امته فقال (ص) افضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، و رجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله [2] .

و لم يتباعد عن هذه التعاليم محمد بن الحسن الشيباني فينفي الباس عن رجل يحمل علي الالف مع النجاة او النكاية ثم قال و لا بأس بمن يفقد النجاة او النكاية اذا كان اقدامه علي الالف مما يرهب العدو و يقلق الجيش معللا بان هذا الاقدام افضل من النكاية لان فيه منفعة للمسلمين [3] .

و يقول ابن العربي المالكي جوز بعض العلماء ان يحمل الرجل علي الجيش العظيم طالبا للشهادة و لا يكون هذا من الالقاء بالتهلكة لان الله تعالي يقول (من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) خصوصا اذا اوجب الاقدام تاكد عزم المسلمين حين يرون واحدا منهم قابل الالوف [4] .

لقد اختص الله سبحانه امناء شرعه و الخلفاء علي الامة من ابناء نبيه الكريم باحكام ناشئة عن مصالح خاصة بهم لا تدرك اكثرها احلام البشر و تنحسر عن كنهها العقول و في جملتها الزامهم بالتضحية في سبيل مرضاته عزوجل و بذل كل ما يحوونه من مال و جاه و حرمات فتراهم في اعماق السجون طورا و في خلل المنفي تارة و في ربقة التسفير آونة و في مقاساة الخوف و الشدائد ردحا و الاصاخة الي قوارص الكلم او يقات حتي شارفوا مناياهم و المسوغ لهم في كل ذلك ما علموه من جدهم الاعظم (ص) المخبر عن وحي السماء من المزايا و المصالح التي تحفط بها الجامعة الاسلامية بحيث لولا التوطين علي هذا الاقدام لذهب الدين ادراج المنكرات و الاضاليل و لا سبيل الي معارضتهم فيما اطلعهم الله عليه من السر المكنون و عرفهم تلك الاهمية الملحوظة لديه عز شانه علي اختلاف فيهم فمنهم من امره بالصبر دون الحرب و الجهاد و منهم من امره بالقتل و منهم


من امره بتناول السموم و كان السر في هذا الاختلاف في التكليف ما يراه المولي سبحانه من المصالح حسب الوقت و الزمان.

فلم يكن اقدامهم علي القتل و تناول السموم جهلا منهم بما صنعه سلطان الجور و قدمه اليهم بل هم علي يقين من ذلك فلم يفتهم العلم بالقاتل و ما يقتلون به و اليوم و الساعة طاعة منهم لامر بارئهم تعالي و انقيادا للحكم الالهي الخاص بهم و ليسوا في هذا الحال الا كحالهم في امتثال جميع اوامر المولي سبحانه الموجهة اليهم من واجبات و مستحبات و العقل حاكم بلزوم انقياد العبيد لأمر المولي و الانزجار عن نهيه من دون الزام بمعرفة المصلحة او المفسدة الباعثة علي الحكم و اما اذا كان المولي حكيما في افعاله «لا يسأل عما يفعل و هم يسألون» فبالاحري يكون الخضوع له من دون فحض عن اسباب احكامه.

و الي هذا الذي ارتايناه نظر المحققون من العلماء الاعلام و ان خبط الباحثون في قضية اقدام اهل البيت (ع) علي ما فيه من ازهاق نفوسهم المقدسة فاخذوا ذات اليمين و الشمال فلم يأتوا بما فيه نجعة المرتاد و لا نهلة الصادي لكونها تخيلات لا تتفق مع القواعد و الطريقة المثلي.

لقد دلت الاحاديث الواردة عن اهل بيت العصمة (ع) علي انهم اذا عرفوا من اعدائهم العزم علي الفتك بهم او اشتد عليهم الم القيود و وضح لديهم تاخر القضاء عملوا كل وسيلة من دعاء غير مردود او شكوي الي جدهم النبي (ص) ليدفع عنهم هذه الاضرار و الحوادث فيقول ابوجعفر الباقر (ع) نحن اهل بيت اذا اكربنا امر و تخوفنا من السلطان قلنا يا كائنا قبل كل شي ء و يا ملكوت كل شي ء صل علي محمد و اهل بيته و افعل بي كذا و كذا [5] .

و لما احتدم المنصور علي ابي عبدالله الصادق (ع) و عزم علي الفتك به دعا ربه تعالي ان يفرج عنه فانجلت بسببه غمائم الفتك به حتي اذا وقع نظره علي الصادق (ع) قام اليه فرحا مستبشرا و عانقه و كان يحدث بعد ذلك عن سبب نقض عزمه ان رسول الله (ص) تمثل له باسطا كفيه حاسرا عن ذراعيه و قد


عبس و قطب حتي حال بينه و بين الامام مشيرا اليه ان لو اساء الي ابي عبدالله (ع) اهلكه فلم ير المنصور بدا من العفو و الاكبار لجلال الامامة و سيره الي مدينة جده مبجلا [6] .

و لما طال الحبس بموسي بن جعفر (ع) و ضاق صدوره مما كان يلاقيه توسل الي الله تعالي في الخلاص منه و قال في دعائه: يا مخلص الشجر من بين رمل و ماء و يا مخلص اللبن من بين فرث و دم و يا مخلص الولد من بين مشيمة و رحم و يا مخلص النار من بين الحديد و الحجر و يا مخلص الروح من بين الاحشاء و الامعاء خلصني من يد هارون [7] فنجا ببركة هذا الدعاء من ظلمات الحبس و الم القيود.

و لما قدم اليه الرشيد الرطب المسموم انتقي غير المسموم فاكله و القي المسموم الي كلبة الرشيد فماتت [8] و لم يقصد بقتلها الا اعلام الطاغية بان ما يدور في خلده من اغتياله و الفتك به في هذا الحين لم يقرب وقته و لذا لما دنا الاجل و دعاه الله تعالي اليه اكل الرطب المسموم الذي قدمه اليه الرشيد مع العلم به و رفع يديه بالدعاء قائلا: يا رب انك تعلم اني لو أكلت قبل اليوم لكنت قد اعنت علي نفسي فاكل منه و جري القضاء [9] .

و علي هذا الاساس يأمر الامام ابوالحسن علي الهادي عليه السلام اباهاشم الجعفري ان يبعث رجلا الي «الحائر» الاطهريدعو له بالشفاء مما نزل به من المرض و علله بأن الله تعالي احب ان يدعي في هذا المكان [10] .

فان غرضه التعريف بانه لم يجب في شريعة التكوين الا جري الامور علي مجاريها العادية و اسبابها الطبيعية او انه اراد التنبيه علي فوائد الابتهال الي الله حينما تتوارد الكوارث علي العبد و تحيط به المحن كما يرشد اليه احتفاظ الربيع مولي المنصور الدوانيقي بالكنز المذخور الذي دعا به الامام الصادق (ع) يوم


دخل علي المنصور و قد سخط عليه و اراد التنكيل به فشاهد الربيع احتفاء المنصور بالامام و تكريمه [11] .

و علي هذا كان الامام المجتبي الحسن بن اميرالمؤمنين (ع) يستشفي بتربة جده تارة و يعمل بقول الطبيب اخري و يأخذ بقول اهل التجربة ثالثة [12] مع علمه بأن ذلك المرض لا يقضي عليه و للاجل حد معلوم ولكنه اراد ارشاد الناس الي ان مكافحة العلل تكون بالاسباب العادية فلا غناء عنها حتي يساير هذه الاسباب العادية لكنه لما حان الاجل المحتوم لم يعمل كل شي ء تسليما للقضاء و ذلك عندما قدمت اليه جعدة بنت الاشعث اللبن المسموم و كان الوقت حارا و الحسن صائما [13] فرفع رأسه الي السماء قائلا: انا لله و انا اليه راجعون الحمد لله علي لقاء محمد سيد المرسلين و ابي سيد الوصيين و امي سيدة نساء العالمين و عمي جعفر الطيار في الجنة و حمزة سيدالشهداء [14] ثم شرب اللبن و قال لها لقد غرك و سخر منك فالله يخزيك و يخزيه [15] و هي تضطرب كالسعفة.

و قد اعلم الرضا (ع) اصحابه بأن منيته تكون علي يد المأمون و لابد من الصبر حتي يبلغ الكتاب اجله [16] و قال ابوجعفر الجواد لاسماعيل بن مهران لما رآه قلقا من اشخاص المامون له: انه لم يكن صاحبي و ساعود من هذه السفرة و لما اشخصه المرة الثانية قال عليه السلام لاسماعيل بن مهران في هذه الدفعة يجري القضاء المحتوم و امره بالرجوع الي ابنه الهادي فانه امام الامة بعده [17] .

و لما دفعت اليه ام الفضل المنديل المسموم لم يمتنع من استعماله تسليما للقضاء و طاعة لامر المولي سبحانه، نعم قال لها ابتلاك الله بعقر له ينجبر و بلاء لا ينستر فاصيبت بعلة في اغمض الجوارح من بدنها.

و اخبار اميرالمؤمنين (ع) بأن ابن ملجم فاتله لم يختلف فيه اثنان و لما أتي


ابن ملجم يبايع اميرالمؤمنين و ولي قال عليه السلام من اراد ان ينظر الي قاتلي فلينظر الي هذا فقيل له الا تقتله قال (ع) و اعجبا تريدون ان اقتل قاتلي [18] يشير بذلك الي ان قتله لما كان امرا مبرما و قضاء محتوما و ان قاتله ابن ملجم قضاء لا خلف فيه فكيف يقدر ان ينقض الارادة الالهية و يحل ما ابرم من التقدير و الي هذا يشير الصادق عليه السلام بقوله لعقبة الاسدي لو ان الائمة (عليهم السلام) الحوا علي الله في هلاك الطواغيت لاجابهم سبحانه و تعالي و كان عليه اهون من سلك فيه خرز انقطع فذهب ولكن لا نريد غير ما اراده الله تعالي [19] .

الخلاصة

لقد ارتفع بتلك البراهين القويمة الستر المرخي علي الحقيقة فظهرت باجلي مظاهرها و برزت للباحث النيقد محفوفة بصدق و يقين فهو اذا جد عليم بان ائمة الهدي كانوا علي علم بمجاري القدر النازل و القضاء الذي لا يرد بما انتابهم من الكوارث لانهم قيد اشارة المولي الجليل عز شانه بكل ما يستقبلهم من سراء و ضراء و لم يبارحهم هذا العلم المفاض عليهم من «مبدا الوجود» جلت آلاؤه اولا و اعلام النبي (ص) به ثانيا و وقوفهم علي (الصحيفة النازلة) علي جدهم ثالثا و حيث ان الله تعالي اعد لهم منازل و شرفا خالدا لا ينالونه الا بالشهادة و ازهاق تلك النفوس المقدسة لذلك ضحوا حياتهم الثمينة بخوعا لامر الله تعالي و جريا مع المصالح الواقعية التي لا تدركها احلام البشر و لا يعرف دقيقها غير علام الغيوب و لا يلزمنا معرفة وجه الصلاح و الفساد في جميع التكاليف الشرعية و انما الذي يوجبه العقل طاعة المولي الجيل عز شأنه في اوامره و نواهيه.

و اني لا عجب ممن اصاخ لهتاف الاحاديث الصحيحة مسلما مذعنا بان الائمة من آل محمد يعلمون ما كان و يكون و عندهم علم المنايا و البلايا كيف خفي عليه ضوء الكثير من الاحاديث المصرحة بأن ما صدر منهم من كلام او سكوت و قيام او قعود انما هو امر موجه اليهم خاصة من الله سبحانه علي لسان رسوله الامين علي الوحي الالهي و لم يعزب عنهم صغير و لا كبير و لم يجهلوا


شيئا من ذلك حتي ساعة الموت، و مما يشهد لذلك قول الامام ابي جعفر الباقر عليه السلام:

اني لاعجب من قوم يتولونا و يجعلونا ائمة و يصفون ان طاعتنا مفترضة كطاعة رسول الله (ص) ثم يكسرون حجتهم و يخصون انفسهم لضعف قلوبهم فينقصونا حقنا و يعيبون ذلك علي من اعطاه الله برهان حق معرفتنا و التسليم لامرنا اترون الله تعالي افترض طاعة اوليائه علي عباده ثم يخفي عليهم اخبار السماء و يقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم.

فقال له حمران يا ابن رسول الله أرأيت ما كان من قيام اميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و خروجهم و قيامهم و ما اصيبوا به من قبل الطواغيت و الظفر بهم حتي قتلوا و غلبوا؟

فقال له ابوجعفر (ع): يا حمران ان الله تبارك و تعالي قدر ذلك عليهم و قضاه و امضاه و حتمه علي سبيل الاختيار ثم اجراه عليهم فبتقدم علم اليهم من رسول الله قام علي و الحسن و الحسين و يعلم منه صمت من صمت منا و لو أرادوا ان يدفع الله تعالي عنهم و الحوا عليه في ازالة ملك الطواغيت لكان ذلك اسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد و ما اصابهم ليس لذنب اقترفوه و لا لمعصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل و كرامة من الله اراد ان يبلغهم اياها فلا تذهبن بك المذاهب يا حمران [20] .

و من اشعاعات هذا الحديث الشريف تظهر اسرار غامضة و حكم الهية اختص الله بها اولياءه خزان وحيه و بها ميزهم عن سائر البشر و هي:

أ - علمهم بكل شي ء و عدم انقطاع اخبار السماء عنهم و عمومه شامل للموضوعات بأسرها.

ب - ان ما جري عليهم من الاخطار و قهر ارباب الجور ناشي ء عن مصالح لا يعلمها الا المهيمن جل شأنه.

ج - ان ما صدر منهم من الحرب و الجهاد و القتل في سبيل الدعوة الالهية


و السكوت عما يفعله ائمة الضلال و مشاهدتهم تمادي الامة في الطغيان و اقدامهم علي ما فيه استئصال حياتهم القدسية طاعة لاوامر المولي الخاصة بهم و انقيادا لتكليفه بلا الجاء من الله لهم في شي ء من ذلك و انما هم مختارون فيه كاختيار غيرهم في جميع التكاليف.

ذ - التسليم للقضاء المحتوم و الاجل المبرم و عدم التوسل الي الباري تعالي في ازاحة العلة لينالوا بالشهادة التي هي اشرف الموت الدرجات الرفيعة و المنازل العالية التي لا تحصل الا بهذا النوع من ازهاق النفس.

و في نفس هذه العلة اجاب ابوالحسن الرضا (ع) من سأله عن جواز تعريض اميرالمؤمنين نفسه للقتل مع علمه بالساعة و القاتل فقال عليه السلام: لقد كان كل ذلك ولكنه خير تلك الليلة لتمضي المقادير [21] .

فدلنا هذا و امثاله علي ان اقدام اهل البيت علي ما فيه التهلكة انما هو باب الطاعة و امتثال التكليف الموجه اليهم خاصة فلا يتطرق الي ساحة علمهم نقص و لا ان اقدامهم علي ما فيه الهلكة مما ياباه العقل و اليه ذهب المحققون من اعلام الامامية.

فيقول الشيخ المفيد في جواب المسائل العكبرية: لسنا نمنع ان يعلم الامام اعيان ما يحدث علي التفصيل و التمييز و يكون باعلام الله تعالي كما لا نمنع ان يتعبد الله اميرالمؤمنين بالصبر علي الشهادة و الاستسلام للقتل فيبلغه بذلك علو الدرجة ما لا يبلغه الا به فيطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها و لا يكون اميرالمؤمنين ملقيا بيده الي التهلكة و لا معينا علي نفسه معونة تستقبح في العقول و لا يلزم فيه ما يظنه المعترضون كما لا نمنع ان يكون الحسين (ع) عالما بموضع الماء و انه قريب منه بقدر ذراع فلو حفر لنبع له الماء، فامتناعه من الحفر لا يكون فيه اعانة علي نفسه بعد ان يكون متعبدا بترك السعي في طلب الماء حيث يكون ممنوعا منه و لا يستبعد العقل ذلك و لا يقبحه و كذلك في علم الحسن (ع) بعاقبة موادعة معاوية. فقد جاء الخبر بعلمه به و كان شاهد الحال يقضي به غير انه دفع به عن تعجيل قتله و تسليم اصحابه الي معاوية و كان في ذلك لطفا في بقائه الي


حال مضيه و لطفا لبقاء كثير من شيعته و اهله و ولده و دفع فساد في الدين اعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته و كان عليه السلام عالما بما صنع ولكن الله تعالي تعبده بذلك.

و يقول العلامة الحلي في جواب من سأله عن تعريض اميرالمؤمنين نفسه للقتل بانه يحتمل ان يكون قد اخبر بوقوع القتل في تلك الليلة و في اي مكان يقتل و ان تكليفه مغاير لتكليفنا فجاز ان يكون بذل مهجته في ذات الله واجبا كما يجب الثبات علي المجاهد و ان كان ثباته يفضي الي القتل [22] .

و علم الشيخ الجليل الشيخ يوسف البحراني: ان رضاهم بما ينزل بهم من القتل بالسيف او السم و كذا ما يقع بهم من الهوان علي ايدي اعدائهم الظالمين مع كونهم عالمين قادرين علي دفعه انما هو لما علموه من كونه مرضيا له سبحانه و تعالي و مختارا بالنسبة اليهم و موجبا للقرب من حضرة قدسه فلا يكون من قبيل الالقاء باليد الي التهلكة الذي حرمته الآية اذ هو ما اقترن بالنهي من الشارع نهي تحريم و هذا مما علم رضاه به و اختياره له فهو علي النقيض من ذلك الا انه ربما ينزل بهم شي ء من تلك المحذورات قبل الوقت المعدود و الاجل المحدود فلا يصل اليهم منه شي ء من الضرر و لا يتعقبه المحذور و الخطر فربما امتنعوا منه ظاهرا و ربما احتجبوا منه باطنا و ربما دعوا الله في رفعه عنهم حيث علموا انه غير مراد الله سبحانه في حقهم و لا مقدر عليهم حتما، و بالجملة انهم عليهم السلام يدورون مدار ما علموه من الاقضية و الاقدار و ما اختاره لهم القادر القهار المختار [23] و علي هذا مشي العلامة المجلسي و المحقق الكركي و الحسن بن سليمان الحلي من تلامذة الشهيد الاول و غيرهم.


پاورقي

[1] ذکر المفسرون ان عبدة العجل من بني‏اسرائيل لما ندموا علي ما فرطوا في جنب الله تعالي اعلمهم موسي (ع) بما اوحي اليه من توقف قبول توبتهم علي الاغتسال و لبس الاکفان و القيام صفين ثم يهجم عليهم هارون و معه من لم يعبد العجل و يضعون السيوف فيهم و لما نظر الرجل الي ولده و اخيه و ابيه و حميمه لم تطاوعه نفسه علي القتل و کلموا موسي (ع) في ذلک و ناجي ربه سبحانه في ذلک فعرفه المولي تعال بانه سيرسل ظلمة لا يبصر الرجل جليسه و امر عبدة العجل بالجلوس في فناء بيوتهم محتبين لا يتقون بيد و لا رجل و لا يرفعون طرفا و لا يحلون حبوة وعلامة الرضا عنهم کشف الظلمة و سقوط السيوف فعندما يغفر الله لمن قتل و يقبل توبة من بقي ففعل هارون بهم حتي قتل سبعون الفا.

[2] احکام القرآن للجصاص ج 1 ص 309 في آية التهلکة.

[3] المصدر السابق ج 1 ص 309.

[4] الاحکام لابن‏العربي ج 1 ص 49 آية التهلکة طبع اول سنة 331 ه.

[5] مهج الدعوات للسيد رضي‏الدين بن طاووس ص 365 طبع بمبي.

[6] مهج الدعوات ص 299.

[7] امال الصدوق ص 227 مجلس 60.

[8] عيون اخبار الرضا ص 57.

[9] مرآة العقول ج 1 ص 188 و روضة الواعظين ص 185.

[10] کامل الزيارات لابن‏قولوية ص 223.

[11] مهج الدعوات.

[12] کامل البهائي من ص 453 الي ص 456 بالفارسية مؤلفه حليل في الطائفة من علماء القرن السابع الحسن بن علي بن محمد الطبري المازندراني (رياض العلماء).

[13] الخرايج ص 22 في معجزاته طبع الهند.

[14] البحار ج 10 ص 133 عن عيون المعجزات.

[15] الارشاد للمفيد و الخرايج.

[16] کتابنا في الامام الرضا ص 45.

[17] الارشاد و اعلام الوري ص 205.

[18] بصائر الدرجات للصفار ص 34 و رسالة ابن‏بدرون ص 156 شرح قصيدة ابن‏عبدون.

[19] اصول الکافي باب ان الائمة يعلمون متي يموتون و الخرايج ص 143 هند.

[20] الکافي علي هامش مرآة العقول ج 1 ص 190 باب انهم يعلمون و ما کان و بصائر الدرجات للصفار ص 33 و الخرايج للراوندي ص 143 هند.

[21] اصول الکافي علي هامش مرآة العقول ج 1 ص 188.

[22] حکاه عنه المجلسي في مرآة العقول ج 1 ص 189، و في البحار ج 9 ص 663.

[23] الدرة النجفية ص 85.