بازگشت

تمهيد


أ- نافح ائمة الهدي عن شريعة سيد المرسلين، فاقاموا معالم الدين و اوضحوا السنن و نشروا ألوية الحق، و هم يلقون التعاليم كلما و اتتهم الفرصة و سنحت لهم السانحة و قد كابدوا في سبيل ذلك شتي البلايا و المحن و صابروا كلما اعتكر الجو في وجوههم و نفس عليهم اعداؤهم و حقد عليهم الشانئون و المبغضون، قسم قطع امعاؤهم و فتتت اكبادهم و سيوف وزعت اوصالهم و سجون دامسة القوا في غياهبها، ولكن انوار الحق كانت كاشفة لظلماء الضلال، و صدق الحقيقة مزهق للباطل الزائف، و قد انمحت قرون و أتت اجيال و علماء شريعة بيت العصمة يحوطونها، و تكفلوا بمدارستها و استجلاء غوامضها و استكناه لبابها، و قد حظيت علوم آل البيت بكثير من العناية و حفلت بكثير من الاهتمام، فزخرت امهات المدن الاسلامية بجهابذة افذاذ و بعلماء اساطين قعدوا القواعد و فرعوا الفروع، و جالت اقلامهم في كل ميدان و صالت مزابرهم في كل رحب من رحاب العلم و ركضت افراسهم في كل مضمار من مضامير المعارف و العلوم...

ب - و اجدني لست بصدد الحديث عن هذه العلوم التي ألفوا فيها و الفنون التي صنفوا في مسائلها او وقفوا انفسهم و حيواتهم في صيانة نفائسها و ان في مكتبات العالم الغربي في كبريات مدنه تزخر باعداد هائلة من تلك المؤلفات الجليلة و ازدحمت صالات معاهدها بالوف المؤلفات مما حررته اقلام اولئك الاساطين، ناهيك بما تضمه بين جوانحها المدن الاسلامية في الشرق من هذه المؤلفات الجليلة و المصنفات العتيدة... و جاءت دور النشر و المعاهد العلمية


في الجامعات و المجامع العلمية فشمرت عن ساعد الجد فاخذت في تحقيق المؤلفات و استخرجتها من كنوزها، فاخذت بالشرح و التحقيق و الابانة و المقارنة و الفحص، و غاصت اقلام المحققين في الاغوار فاستخرجت الدرر النفائس... و قد اهتبلت الفرصة كل مؤسسة ناشرة محبة في العلم أو راغبة في الثراء حيث النفوس فيها طموح للعلم و عشق للارتشاف من معين المعارف و نميرها الصافي.... و النجف الاشرف، سيدة المدن الاسلامية في البحث و النظر و التدريس و التأليف منذ أن اسسها شيخ الطائفة (الطوسي) في القرن الخامس الهجري تعج منتدياتها بعلماء اماثل سطعوا كواكب في دياجير الظلم، و شموسا باهرة في الازمنة التي اعقبت عصور ائمتنا، و لم ينكصوا عن مواصلة المسيرة و لم يلقوا الاقلام التي جردوها لازاحة الشبهات و لا تخلوا عن (المنابر)، فالمساجد الشريفة تعج بوجوه نيرة من المشايخ و تحفل بعقول لماحة الخواطر و اذهان وقادة الاشعاع و قرائح عذبة الموارد و لذا نجد النجف لم تبرحها الزعامة و الرئاسة فهي موئل اهل العلم و الشادين به و مباءة اهل الفضل...

أتظن ان رئاسة التدريس و مكانتها في (الفتيا) تفارقها و تبارحها و اشعاعات سيد العارفين و امام المتقين اميرالمؤمنين تغمر الكون الاسلامي و القبسات من حكمه و احكامه تعمر القلوب و تغمرها و تملا الافئدة و تفعمها كل ذلك من انفاس سيد الحكماء عليه السلام.

ج - و في بحر هذه الامواج من الفيوضات العلمية الزاخرة نشا و عاش سيدنا (المترجم له) فحز في نفسه ان يجد اخبار اهل البيت (عليهم السلام) مطموسة المعالم في كثير من الجوانب، و آلمه ان لا تعني (الاقلام) باستجلاء حيواتهم و استبطان مكنونات مآثرهم و فواضلهم؟! الا تكفي المكتبة الاسلامية هذه الالوف المؤلفة و المجاميع المصنفة في الفقه و الاصوال، و يبقي (نضال) سادات الوري مطموسا يغلب عليه التضليل و التمويه و التحريف من الاقلام المعادية التي انصرفت في العهود التي ما هادنتهم عليهم السلام و لا ركنت الي موادعتهم فشنت عليهم حروبا شنيعة فظيعة من البهتان و الافك في تزوير الحقائق!! و كيف لا تكون كذلك، و السلطة غاشمة و ولاة الامور في (ازمانهم) ينفسون عليهم و يكيدون لهم، فجاءت الاراجيف و الاباطيل و انتشر المتملقون للحكام القائمين آنذاك بالامور.


و سيدنا (المترجم له) بخبرته الواسعة بهؤلاء الرواة الكاذبين، و باسماء الشخصيات المفتعلة وجد من حق (الائمة عليهم السلام) عليه ان يصرف جهده، و يبذل نشاطه في ان يحقق و يدرس تعاليمهم التي انهيت الينا و ان يجيل النظر في كثير من الاخبار المرتبكة المروية عنهم، و بيان سبب ذلك الارتباك في الاخبار و مؤدي مضامينها، كل ذلك (بالمقارنة) و (الاستنباط) و النفاذ الي دقائق الاحكام...

ولكنه وجد التاليف احق بان يقصر في بيان احوالهم و تراجمهم، اليس ظلما لهم منا و نحن نملك، القلم، و لدينا المعرفة، و تتوفر بين ايدينا كل اسباب البحث و الدراسة ان نتقاعس عن ذلك و لا نكشف ماران علي اخبارهم من شبهات؟ اذا كان الامويون و الزبيريون و العباسيون شنوا عليهم حروبا شعواء في اخفات اشعاعاتهم و طمس معالمهم و استخدموا من يواليهم و يناصرهم، افلا يتوجب علينا ان نوجه الهمم و النشاط لمواصلة الاشواط التي ساروا عليها و بالاحري ان نؤلف في (حقهم) فنناصرهم و نعضدهم في نضالهم و كفاحهم و بيان حقائقهم الناصعة التي رانت عليها ترهات الاباطيل! الم يكتف علماؤنا من الخوض في (مسائل) فقهية و اصولية و كلامية و فلسفية امضينا عليها قرونا و قرونا فلم يبق مجال لقائل او بيان لمجادل و مناظر....؟ ان حقهم علينا ان نكتب فيهم و ندرس نهضاتهم و نستجلي غوامض اقوالهم و ندفع ما الصق بهم و بطرائقهم من الريب! و كان يجد - رحمه الله - من العبث ان يبذل المؤلف جهده و يفني نفسه في فروع من امور العلم الحديث او القديم و لا يخصص شيئا من هذا الجهد و ذلك الاضناء في دراسة شخصياتهم و شخصيات ذراريهم و المشايعين لهم، الذين ركبوا اعواد المشانق و القي بهم في الحبوس و شردوا في الآفاق فلاقوا الحتوف ثابتين علي المبدا السامي و دينهم الحنيف. هذا ما حرره في مقدمة شرحه لقصيدة الشيخ حسن ابن الشيخ كاظم سبتي رحمه الله المسماة (الكلم الطيب) [1] و هو اول ما بدا في كتابته، قال: «لذلك كان الواجب بعد الاصول الاعتقادية النظر في فضائلهم و مناقبهم و احوالهم قياما بواجب حقهم من جهة و لنقتدي و نتبع اقوالهم من جهة اخري... الخ».



پاورقي

[1] مخطوط / ديباجة الشرح.