بازگشت

رأس الحسين بالمدينة


ثمة روايات تدل علي ارسال الرأس الشريف الي المدينة، بغية اشاعة الرعب و الخوف و القضاء علي كل حركة مضادة، و ذكرنا بعض الأخبار في بحث «الأقوال في موضع دفن رأس الحسين عليه السلام»، فلا نعيدها، و الظاهر أنه كان في فترة وجود أهل البيت عليهم السلام في الشام، ثم أنه أرجع الرأس الشريف الي الشام، كما صرح


بذلك البلاذري عن الكلبي بقوله: و بعث يزيد برأسه الي المدينة فنصب علي خشبة ثم رد الي دمشق [1] ، ثم دفع الي الامام زين العابدين عليه السلام، حتي ألحقه عليه السلام بالجسد الشريف، و هذا ينسجم مع رواية القاضي نعمان بوجود أهل البيت عليهم السلام في الشام مدة شهر و نصف [2] ، أو مع نقل السيد ابن طاووس بوجودهم فيه ما يقارب شهرا. [3] .

قال ابن سعد: و بعث يزيد برأس الحسين الي عمرو بن سعيد بن العاص و هو عامل له يومئذ علي المدينة، فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به الي، فقال مروان: اسكت، ثم تناول الرأس، فوضعه بين يديه، و أخذ بأرنبته فقال:



يا حبذا بردك في اليدين

و لونك الأحمر في الخدين



كأنما بات بمجسدين

والله لكأني أنظر الي أيام عثمان، و سمع عمرو بن سعيد الصيحة من بني هاشم فقال:



عجت نساء بني زياد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب [4] .



و جاء في نقل البلاذري:

قال عمرو بن سعيد: وددت أن أميرالمؤمنين لم يبعث الينا برأسه، فقال مروان: بئس ما قلت، هاته:




يا حبذا بردك في اليدين

و لونك الأحمر في الخدين [5] .



و قال: حدثنا عمر بن شبه، حدثني أبوبكر عيسي بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه قال: رعف عمرو بن سعيد علي منبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقال بيار الأسلمي - و كان زاجرا - انه يوم دم.

قال: فجي ء برأس الحسين، فنصب، فصرخت نساء أبي طالب، فقال مروان:



عجت نساء بني زبيد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الأزيب



ثم صحن أيضا، فقال مروان:



ضربت ذو شر فيهم ضربة

أتبتت ان كان ملك فاستقر» [6] .



و قال ابن نما:

«و نقلت عن تاريخ البلاذري أنه لما وافي رأس الحسين عليه السلام المدينة سمعت الواعية من كل جانب، فقال مروان بن الحكم:



ضربت دوسر فيهم ضربة

أثبتت أوتاد حكم فاستقر



ثم أخذ ينكت وجهه بقضيب و يقول:



يا حبذا بردك في اليدين

و لونك الأحمر في الخدين



كأنه بات بمجسدين

شفيت منك النفس يا حسين» [7] .



لقد كشف القاضي نعمان عن بعض زوايا القضية بقوله: «ثم أتي برأس الحسين الي عمرو بن سعيد، فأعرض بوجهه عنه واستعظم أمره، فقال مروان


اللعين لحامل الرأس: هاته. فدفعه اليه، فأخذه بيده و قال:



يا حبذا بردك في اليدين

و لونك الأحمر في الخدين» [8] .



و في شرح الأخبار أيضا: «و لما أمر اللعين (يزيد) بأن يطاف برأس الحسين عليه السلام في البلدان أتي به الي المدينة، و عامله عليها عمرو بن سعيد [الأشدق]، فسمع صياح النساء، فقال: ما هذا؟ قيل: نساء بني هاشم يبكين لما رأين رأس الحسين، و كان عنده مروان بن الحكم، فقال مروان اللعين متمثلا:



عجت نساء بني زياد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الأذيب



عني العين عجيج نساء بني عبد شمس ممن قتل منهم يوم بدر، فأما ما أقاموه ظاهرا من أمر عثمان فمروان اللعين فيمن ألب عليه و شمت بمصابه و هو القائل:



لما أتاه نعيه ذينه

من كسر ضلعا كسر جنبه



و لكن ذحول بني أمية بدماء الجاهلية التي طلبوا بها رسول الله في عترته و أهل بيته، و لما قال ذلك مروان اللعين قال عمرو بن سعيد - عامل المدينة يومئذ - لوددت و الله أن أميرالمؤمنين لم يكن يبعث الينا برأس الحسين فقال له مروان: اسكت لا ام لك، و قل كما الأول:



ضربوا رأس شريز ضربة

اشتت أوتاد ملك فاستتر» [9] .



وروي ابن أبي الحديد المعتزلي عن الاسكافي قوله: «أما مروان.. فأخبث عقيدة و أعظم الحادا و كفرا، و هو الذي خطب يوم وصل اليه رأس الحسين عليه السلام الي المدينة و هو يومئذ أميرها [10] و قد حمل الرأس علي يديه فقال:




يا حبذا بردك في اليدين

و حمرة تجري علي الخدين



كأنما بت بمحشدين

ثم رمي بالرأس نحو قبر النبي، و قال: يا محمد، يوم بيوم بدر!



و هذا القول مشتق من الشعر الذي تمثل به يزيد بن معاوية، و هو شعر ابن الزبعري يوم وصل الرأس اليه، و الخبر مشهور.. [11] .

نعم، ان بني أمية و أذنابهم أثبتوا بفعلتهم النكراء استمرار جاهليتهم السوداء، و لقد أظهروا أحقادهم المكنونة، و أرادوا استيفاء ثأرهم من صحاب الرسالة بابادتهم لعترته، و انهم ما آمنوا بالله و رسوله طرفة عين أبدا.


پاورقي

[1] أنساب الأشراف 419:3.

[2] شرح الأخبار 269:3.

[3] و قد بسطنا الکلام فيه فراجع، فنکتفي بذکر ما يتعلق بالمدينة.

[4] الطبقات (ترجمة الامام الحسين عليه‏السلام و مقتله من القسم غير المطبوع): 84. و روي صدره مقتل الخوارزمي 75:2، و انظر تذکرة الخواص: 265، و فيه: عجت نساء بني‏تميم..

[5] أنساب الأشراف 417:3.

[6] أنساب الأشراف 418:3. جاء في نقل ابن‏سعد:



ضرب الدوسر فيهم ضربة

أثبتت أوتاد ملک فاستقر.

[7] مثير الأحزان: 95، عنه بحارالأنوار 124:45.

[8] شرح الأخبار 162 - 160 :3.

[9] شرح الأخبار 159:3.

[10] لقد مضي أن أمير المدينة کان حينئذ عمرو بن سعيد، الا أن مروان کان حاضرا في المجلس.

[11] شرح نهج‏البلاغة 71:4.