بازگشت

الطير المتلطخ بالدم في المدينة


قال العلامة المجلسي رحمه الله: (روي بعض أصحابنا قال: و روي من طريق أهل البيت عليهم السلام أنه لما استشهد الحسين عليه السلام بقي في كربلاء صريعا و دمه علي الأرض مسفوحا؛ و اذا بطائر أبيض قد أتي و تمسح بدمه، و جاء و الدم يقطر منه، فرأي طيورا تحت الظلال علي الغصون و الأشجار، و كل منهم يذكر الحب و العلف و الماء، فقال لهم ذلك الطير المتلطخ بالدم: يا ويلكم! أتشتغلون بالملاهي، و ذكر الدنيا و المناهي، و الحسين في أرض كربلاء في هذا الحر ملقي علي الرمضاء، ظامي ء مذبوح، و دمه مسفوح، فعادت الطيور كل منهم قاصدا كربلاء، فرأوا سيدنا الحسين عليه السلام ملقي في الأرض، جثة بلا رأس و لا غسل و لا كفن، قد سفت عليه


السوافي، و بدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها، زواره وحوش القفار، و ندبته جن السهول و الأوعار، قد أضاء التراب من أنواره، و أزهر الجو من ازهاره، فلما رأته الطيور تصايحن و أعلن بالبكاء و الثبور، و تواقعن علي دمه يتمرغن فيه، و طار كل واحد منهم الي ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبدالله الحسين عليه السلام، فمن القضاء و القدر أن طيرا من هذه الطيور قصد مدينة الرسول، وجاء يرفوف و الدم يتقاطر من أجنحته، و دار حول قبر سيدنا رسول الله يعلن بالنداء: «ألا قتل الحسين بكربلا، ألا ذبح الحسين بكربلا»، فاجتمعت الطيور عليه و هو يبكون عليه و ينوحون.

فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح، و شاهدوا الدم يتقاطر من الطير، لم يعلموا ما الخبر حتي انقضت مدة من الزمان و جاء خبر مقتل الحسين، علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول، و قرة عين الرسول.

و قد نقل أنه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير الي المدينة، كان في المدينة رجل يهودي، و له بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة، و الجذام قد أحاط ببدنها، فجاء ذلك الطائر و الدم يتقاطر منه، و وقع علي شجرة يبكي طول ليلته، و كان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة الي خارج المدينة الي بستان، و تركها في البستان الذي جاء الطير و وقع فيه، فمن القضاء و القدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض، فدخل المدينة لقضاء حاجته، فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة الي البستان التي فيها ابنته المعلولة، و البنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها، لأن أباها كان يحدثها و يسليها حتي تنام، فسمعت عند السحر بكاء الطير و حنينه، فبقيت تتقلب علي وجه الأرض، الي أن صارت تحت


الشجرة التي عليها الطير، فصارت كلما حن ذلك الطير تجاوبه من قلب محزون، فبينما هي كذلك اذ وقع قطرة من الدم، فوقعت علي عينها ففتحت، ثم قطرة أخري علي عينها الأخري فبرئت، ثم قطرة علي يديها فعوفيت، ثم علي رجليها فبرئت، و عادت كلما قطرت قطرة من الدم تلطخ به جسدها، فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسين عليه السلام.

فلما أصبحت أقبل أبوها الي البستان، فرأي بنتا تدور و لم يعلم أنها ابنته، فسألها أنه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرك، فقالت ابنته: والله أنا ابنتك، فلما سمع كلامها وقع مغشيا عليه، فلما أفاق قام علي قدميه، فأتت به الي ذلك الطير، فرآه و اكرا علي الشجرة يئن من قلب حزين محترق مما رأي مما فعل بالحسين عليه السلام، فقال له اليهودي: أقسمت عليك - بالذي خلقك أيها الطير - أن تكلمني بقدرة الله تعالي، فنطق الطير مستعبرا، ثم قال: أني كنت و اكرا علي بعض الأشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة و اذا بطير ساقط علينا، و هو يقول: أيها الطيور، تأكلون و تتنعمون، و الحسين في أرض كربلاء في هذا الحر علي الرمضاء طريحا ظامئا و النحر دام، و رأسه مقطوع، علي الرمح مرفوع، و نساؤه سبايا، حفاة عرايا، فلما سمعنا بذلك تطايرنا الي كربلاء، فرأيناه في ذلك الوادي طريحا، الغسل من دمه، و الكفن الرمل السافي عليه، فوقعنا كلنا عليه ننوح و نتمرغ بدمه الشريف، و كان كل منا طار الي ناحية، فوقعت أنا في هذا المكان.

فلما سمع اليهودي ذلك تعجب و قال: لو لم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند الله ما كان دمه شفاء من كل داء، ثم أسلم اليهودي و أسلمت البنت و أسلم خمسمائة من قومه). [1] .



پاورقي

[1] بحارالأنوار، 191:45. و رواه البحراني أيضا (عوالم 493:17، ح 10).