بازگشت

تقاطر الدم من شجرة


أن مصيبة قتل الحسين عليه السلام شملت الكون كله، و لذلك نري حدوث الآيات الكونية في الأرض و السماء بعد مقتله - صلوات الله عليه - و بكاء العالم عليه، [1] .


و تفصيلها خارج عن المقام، الا اننا نكتفي بذكر هذا الخبر:

روي العلامة المجلسي عن بعض كتب المناقب المعتبرة عن سيد الحفاظ أبي منصور الديلمي باسناده عن هند بنت الجون قالت: نزل رسول الله صلي الله عليه و آله بخيمة خالتها أم معبد و معه أصحاب له، فكان من أمره في الشاة ما قد عرفه الناس، فقال [2] في الخيمة هو و أصحابه حتي أبرد، و كان يوم قائظ شديد حره، فلما قام من رقدته دعا بماء، فغسل يديه فأنقاهما، ثم مضمض فاه و مجه علي عوسجة كانت الي جنب خيمة خالتها ثلاث مرات، و استنشق ثلاثا، و غسل وجهه و ذراعيه، ثم مسح برأسه و رجليه و قال: «لهذه العوسجة [3] شأن» ثم فعل من كان معه من أصحابه مثل ذلك، ثم قام فصلي ركعتين، فعجبت أنا و فتيات الحي من ذلك و ما كان عهدنا و لا رأينا مصليا قبله، فلما كان من الغد أصبحنا و قد علت العوسجة حتي صارت كأعظم دوحة عادية و أبهي، و خضد الله شوكها، و ساخت عروقها، و كثرت أفنانها، و اخضر ساقها و ورقها، ثم أثمرت بعد ذلك و أينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق، و رائحة العنبر، و طعم الشهد، و الله


ما أكل منها جائع الا شبع، و لا ظمآن الا روي، و لا سقيم الا برأ، و لا ذوحاجة و فاقة الا استغني، و لا أكل من ورقها بعير و لا ناقة و لا شاة الا سمنت و در لبنها، و رأينا النماء و البركة في أموالنا منذ يوم نزل، و أخصبت بلادنا، و أمرعت، فكنا نسمي تلك الشجرة: «المباركة»، و كان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستظلون بها، و يتزودون من ورقها في الأسفار، و يحملون معهم في الأرض القفار، فيقوم لهم مقام الطعام و الشراب، فلم تزل كذلك و علي ذلك أصبحنا ذات يوم و قد تساقط ثمارها، و اصفر ورقها، فأحزننا ذلك و فرقنا له، فما كان الا قليل حتي جاء نعي رسول الله، فاذا هو قد قبض ذلك اليوم، فكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك في العظم و الطعم و الرائحة، فأقامت علي ذلك ثلاثين سنة، فلما كانت ذات يوم أصبحنا و اذا بها قد تشوكت من أولها الي آخرها، فذهبت نضارة عيدانها و تساقط جميع ثمرها، فما كان الا يسيرا حتي وافي مقتل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فما أثمرت بعد ذلك لا قليلا و لا كثيرا، و انقطع ثمرها، و لم نزل و من حولنا نأخذ من ورقها و نداوي مرضانا بها، و نستشفي به من أسقامنا.

فأقامت علي ذلك برهة طويلة، ثم أصبحنا ذات يوم فاذا بها قد انبعثت من ساقها دما عبيطا جاريا و ورقها ذابلة تقطر دما كماء اللحم، فقلنا ان قد حدث عظيمة، فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية، فلما أظلم الليل علينا سمعنا بكاء و عويلا من تحتها و جلبة شديدة و رجة، و سمعنا صوت باكية تقول:



أيابن النبي و يابن الوصي

و يا من بقية ساداتنا الأكرمينا



ثم كثرت الرنات و الأصوات، فلم نفهم كثيرا مما كانوا يقولون، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السلام، و يبست الشجرة، و جفت، فكسرتها الرياح و الأمطار بعد ذلك، فذهب و اندرس أثرها.


قال عبدالله بن محمد الأنصاري: فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول، فحدثته بهذا الحديث فلم ينكره و قال: حدثني أبي عن جدي عن أمه سعيدة بنت مالك الخزاعية أنها أدركت تلك الشجرة فأكلت من ثمرها علي عهد علي بن ابي طالب عليهماالسلام، و أنها سمعت تلك الليلة نوج الجن فحفظت من جنية منهن:



يابن الشهيد و يا شهيدا عمه

خير العمومة جعفر الطيار



عجبا لمصقول أصابك حده

في الوجه منك و قد علاه غبار [4] .



و لقد روي ذلك أيضا الخوارزمي [5] و السيد محمد بن أبي طالب [6] بتفاوت يسير.


پاورقي

[1] منها ما ذکره الشيخ الصدوق رحمه الله باسناده عن جبلة المکية قالت: سمعت ميثما التمار قدس الله روحه يقول: والله لتقتلن هذه الامة ابن‏نبيها في المحرم لعشر يمضين منه، و ليتخذن أعداء الله ذلک اليوم يوم برکة، و أن ذلک لکائن، قد سبق في علم الله تعالي ذکره، أعلم ذلک بعهد عهده الي مولاي أميرالمؤمنين صلوات الله عليه، و لقد أخبرني أنه يبکي عليه کل شي‏ء حتي الوحوش في الفلوات، و الحيتان في البحار، و الطير في جو السماء، و تبکي عليه الشمس و القمر و النجوم و السماء و الارض، و مؤمنو الانس و الجن و جميع ملائکة السماوات و رضوان و مالک و حملة العرش، و تمطر السماء دما و رمادا، ثم قال: وجبت لعنة الله علي قتلة الحسين عليه‏السلام کما وجبت علي المشرکين الذين يجعلون مع الله الها آخر، و کما وجبت علي اليهود و النصاري و المجوس...

ثم قال ميثم: يا جبلة، اعلمي أن الحسين بن علي عليهماالسلام سيد الشهداء يوم القيامة و لأصحابه علي سائر الشهداء درجة، يا جبلة، اذا نظرت الي الشمس حمراء کأنها دم عبيط فاعلمي أن سيدک الحسين قد قتل، قالت جبلة: فخرجت ذات يوم، فرأيت الشمس علي الحيطان کأنها الملاحف المعصفرة، فصحت حينئذ و بکيت، و قلت: قد والله قتل سيدنا الحسين بن علي عليهماالسلام. (أمالي الصدوق: 189، مجلس 27، ح 1، علل الشرائع 227:1، ح 3، عنهما بحارالأنوار، 202:45، ح 4).

[2] من القيلولة.

[3] العوسج: من شجر الشوک له جناة حمراء و يکون غالبا في السباخ، الواحدة عوسجة.

[4] بحارالأنوار، 233:45 ح 1.

[5] مقتل الخوارزمي 111:2 ح 44، ط دار أنوار الهدي.

[6] تسلية المجالس 470:2.