بازگشت

الأقوال في موضع دفن رأس الحسين


لفد ذكرنا قول المشهور بين علمائنا علي أنه دفن الرأس الشريف بكربلاء، و اليك تفصيل الكلام.

لقد ذكرت مواضع متعددة حول مكان دفن الرأس الشريف، و هي:

1) كربلاء المقدسة: صرح بذلك الكثير من علمائنا - حتي أصبح هو المشهور بينهم بل ادعي البعض الاجماع علي ذلك - بل ذكره بعض علماء العامة أيضا، و تدل عليه بعض الروايات.

روي الشيخ الصدوق باسناده عن فاطمة بنت علي (صلوات الله عليهما) أنها


قالت: «و لم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض الا وجد تحته دم عبيط، و أبصر الناس الشمس علي الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة، الي أن خرج علي بن الحسين عليهماالسلام بالنسوة، ورد رأس الحسين الي كربلاء». [1] .

و وجه سؤال الي السيد المرتضي - أعلي الله مقامه - و هو: «هل ما روي من حمل رأس مولانا الشهيد أبي عبدالله عليه السلام الي الشام صحيح؟ و ما الوجه فيه؟

فقال: الجواب: هذا أمر قد رواه جميع الرواة و المصنفين في يوم الطف، و أطبقوا عليه، و قد رووا أيضا أن الرأس أعيد بعد حمله الي هناك، و دفن مع الجسد بالطف». [2] .

و قال الطبرسي: «و ذكر الأجل المرتضي رضي الله عنه، في بعض مسائله أن رأس الحسين بن علي رد الي بدنه بكربلاء من الشام و ضم اليه، والله أعلم». [3] .

و ذكر ابن فتال النيسابوري مضمون ما رواه الشيخ الصدوق، الذي يدل علي أنه ارتضاه. [4] .

قال ابن نما الحلي بعد ذكره الأقوال في موضع الدفن من المدينة و دمشق - عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق - و مصر، قال: «والذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد الي الجسد بعد أن طيف به في البلاد و دفن معه». [5] .

و قال السيد ابن طاووس في الملهوف: «و أما رأس الحسين عليه السلام فروي أنه


أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات الله عليه، و كان عمل الطائفة علي هذا المعني المشار اليه». [6] .

و لقد ذكرنا عن البيروني [7] و الشيخ البهائي [8] تصريحهم بالحاق الرأس الشريف بالجسد بكربلاء.

و قد ذكر السيد في الاقبال وجها لكيفية الالحاق. [9] .


و قال السيد محمد بن أبي طالب: «و أما رأس الحسين عليه السلام فروي أنه أعيد الي كربلاء و دفن مع جسده الشريف، و كان العمل من الطائفة علي هذا». [10] .

و ذكر الخوارزمي ما فعل سليمان بن عبدالملك بالرأس الشريف، و هو «أن الرأس الشريف صلب بدمشق ثلاثة أيام، و مكث في خزائن بني أمية حتي ولي سليمان بن عبدالملك، فطلبه، فجي ء به و هو عظم أبيض قد قحل، فجعله في سفط و طيبه و جعل عليه ثوبا و دفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلي عليه، فلما ولي عمر بن عبدالعزيز بعث الي المكان يطلبه منه فأخبره بخبره، فسأل عن الموضع الذي دفن فيه، فنبشه و أخذه والله أعلم بما صنع، و الظاهر من دينه أنه بعثه الي كربلاء فدفن مع جسده». [11] .

و فيه: ان صح الخبر فهو في حق أحد شهداء وقعة الطف لا سيد الشهداء، اذ المشهور عندنا الحاقه بالجسد بواسطة الامام زين العابدين عليه السلام و لذلك أجابه العلامة المجلسي رحمه الله بقوله: «أقول: هذه أقوال المخالفين في ذلك، و المشهور بين علمائنا الامامية أنه دفن رأسه مع جسده، رده علي بن الحسين عليهماالسلام». [12] .

و قال الشبراوي: «و قيل أعيد الي الجثة بكربلاء أربعين يوما من مقتله». [13] .

و قال الشبلنجي: «و ذهبت الامامية أنه أعيد الي الجثة، و دفن بكربلاء بعد أربعين يوما من المقتل». [14] .


بل قد يقال: ان حصول الشهرة علي الدفن بكربلاء ليس هو عند الامامية فقط، بل هو عند المسلمين، كما قال سبط ابن الجوزي: و اختلفوا في الرأس علي أقوال أشهرها أنه رده الي المدينة مع السبايا، ثم رد الي الجسد بكربلاء، فدفن معه، قاله هشام و غيره. [15] .

و لا يخفي أنه و ان كانت روايات الشيعة تختلف عن غيرها في كيفية الالحاق، اذ الشهرة علي الحاق الامام علي بن الحسين عليهماالسلام رأس أبيه الي جسده الطاهر، بينما غيرهم يذكرونه اما من بعد رجوع السبايا الي المدينة، أو غيره، و لكن المهم هو أصل الالحاق بالجسد و الدفن في أرض كربلاء.

2) النجف الأشرف: قال العلامة المجلسي رحمه الله: و قد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفون عند قبر أميرالمؤمنين عليه السلام. [16] .

أقول: الظاهر أن كلامه رحمه الله ناظر الي روايات في باب زيارة أميرالمؤمنين عليه السلام:

منها: ما رواه الشيخ الكليني باسناده عن يزيد بن عمر بن طلحة، قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام و هو بالحيرة: أما تريد ما وعدتك؟ قلت: بلي - يعني الذهاب الي قبر أميرالمؤمنين صلوات الله عليه - قال: فركب و ركب اسماعيل (ابنه معه) [17] ، و ركبت معهما حتي اذا جاز الثوية [18] و كان بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض، نزل و نزل اسماعيل و نزلت معهما، فصلي و صلي اسماعيل وصليت، فقال لاسماعيل: قم فسلم علي جدك الحسين عليه السلام، فقلت: جعلت فداك، أليس


الحسين عليه السلام بكربلاء؟ فقال: نعم، و لكن لما حمل رأسه الي الشام سرقه مولي لنا فدفنه بجنب أميرالمؤمنين عليه السلام. [19] .

و روي باسناده عن أبان بن تغلب، قال: كنت مع أبي عبدالله عليه السلام، فمر بظهر الكوفة، فنزل فصلي ركعتين، ثم تقدم قليلا فصلي ركعتين، ثم سار قليلا فنزل فصلي ركعتين، ثم قال: هذا موضع قبر أميرالمؤمنين عليه السلام، قلت: جعلت فداك و الموضعين اللذين صليت فيهما؟ قال: موضع رأس الحسين عليه السلام و موضع منزل القائم. [20] .

و روي الشيخ ابن قولويه عن علي بن أسباط رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: انك اذا أتيت الغري رأيت قبرين قبرا كبيرا و قبرا صغيرا، فأما الكبير فقبر أميرالمؤمنين، و أما الصغير فرأس الحسين بن علي عليه السلام. [21] .

و روي عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بالحيرة أيام مقدمه علي أبي جعفر في ليلة صحيانة مقمرة، قال: فنظر الي السماء فقال: يا يونس، أما تري هذه الكواكب ما أحسنها، أما أنها أمان لأهل السماء و نحن أمان لأهل الأرض، ثم قال: يا يونس أيهما أحب اليك البغل أو الحمار؟ قال:


فظننت أن البغل أحب اليه لقوته، فقلت الحمار، فقال: أحب أن تؤثرني به، قلت: قد فعلت، فركب و ركبت، و لما خرجنا من الحيرة قال: تقدم يا يونس، قال: فأقبل يقول: تيامن تياسر، فلما انتهينا الي الذكوات الحمر قال: هو المكان؟ قلت: نعم، فتيامن ثم قصد الي موضع فيه ماء و عين، فتوضأ، ثم دنا من أكمة فصلي عندها، ثم مال عليها و بكي، ثم مال الي أكمة دونها، ففعل مثل ذلك، ثم قال: يا يونس افعل مثل ما فعلت، ففعلت ذلك، فلما تفرغت قال لي: يا يونس، تعرف هذا المكان؟ فقلت: لا، فقال: الموضع الذي صليت عنده أولا هو قبر أميرالمؤمنين عليه السلام، و الأكمة الأخري رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام ان الملعون عبيدالله بن زياد لعنه الله لما بعث رأس الحسين عليه السلام الي الشام رد الي الكوفة، فقال: اخرجوه عنها لا يفتن به أهلها، فصيره الله عند أميرالمؤمنين عليه السلام، فالرأس مع الجسد و الجسد مع الرأس. [22] .

قال العلامة المجلسي رحمه الله في بيان الخبر: «قوله (فالرأس مع الجسد) أي بعد ما دفن هناك ظاهرا الحق بالجسد بكربلاء أو صعد به مع الجسد الي السماء، كما في بعض الأخبار، أو أن بدن أميرالمؤمنين - صلوات الله عليه - كالجسد لذلك الرأس، هما من نور واحد». [23] .

و روي عن الشيخ الطوسي باسناده عن مفضل بن عمر قال: جاز الصادق عليه السلام بالقائم المائل في طريق الغري، فصلي عنده ركعتين، فقيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال: هذا موضع رأس جدي الحسين بن علي عليه السلام وضعوه هاهنا. [24] .


و لكن يمكن أن يقال: انه مكان وضع الرأس لا دفنه، الا أن يرفع هذا الاحتمال بفعل الامام و هو الصلاة، فتأمل اذ هو أعم.

وروي الشيخ عبدالكريم بن طاووس قال: و ذكر محمد بن المشهدي في مزاره ما صورته:

«روي محمد بن خالد الطياسي عن سيف بن عميرة قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال و جماعة من أصحابنا الي الغري بعد ما ورد أبوعبدالله عليه السلام فزرنا أميرالمؤمنين عليه السلام، فلما فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه الي ناحية أبي عبدالله عليه السلام و قال: نزور الحسين بن علي عليهماالسلام من المكان هذا من عند رأس أميرالمؤمنين عليه السلام، قال صفوان: وزرت مع سيدي أبي عبدالله الصادق عليه السلام و فعل مثل هذا». [25] .

ثم قال المحدث الحر العاملي: هذا يحتمل قصد الزيارة من بعد، و يحتمل ارادة زيارة رأس الحسين عليه السلام. [26] .

كيفما كان فهذا المكان من الأمكنة المقدسة التي ينبغي للمؤمن العارف أن يظهر أدبه و يزور سيده، و لأجله نري أن المحدث الحر العاملي يعقد بابا في كتابه، باسم «باب استحباب زيارة رأس الحسين عليه السلام عند قبر أميرالمؤمنين عليه السلام، و استحباب صلاة ركعتين لزيارة كل منهما». [27] .

و علي ذلك نحمل عمل العارف الكامل المجاهد الفقيه المجدد مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران، آية الله العظمي الامام الخميني أعلي الله مقامه


الشريف، فانه - علي ما قيل - لم يكن يمر من أمام رأس الامام أميرالمؤمنين أبدا خلال حضوره في النجف الأشرف طيلة 14 سنة؛ احتمالا لوجود الرأس الشريف فيه و احتراما له.

و أما ما أورده سبط ابن الجوزي بقوله: «و ذكر عبدالله بن عمرو و الوراق في كتاب المقتل أنه لما حضر الرأس بين يدي ابن زياد أمر حجاما فقال: قوره فقوره، و أخرج لغاديده و نخاعه و ما حوله من اللحم، و اللغاديد ما بين الحنك و صفحة العنق من اللحم، فقام عمرو بن الحريث المخزومي فقال لابن زياد: قد بلغت حاجتك من هذا الرأس، فهب لي ما ألقيت منه، فقال: ما تصنع به؟ فقال: أواريه، فقال: خذه، فجمعه في مطرف خز كان عليه و حمله الي داره، فغسله و طيبه و كفنه و دفنه عنده في داره، و هي بالكوفة تعرف بدار الخز دار عمرو بن حريث المخزومي». [28] .

ففيه: أنه علي فرض صحته فانه دفن بعض ما كان متصلا بالرأس الشريف في الكوفة لا الرأس، كما هو صريح الخبر، لأنه قبل ارسال الرأس الشريف الي الشام.

اللعنة الأبدية علي كل من ارتكب و أمر و رضي بتلك المأساة الكبري و الفاجعة العظمي.

3- المدينة (البقيع): يأتي في المبحث الآتي حول أوضاع المدينة بعد قتل الحسين عليه السلام ما ورد حول ارسال يزيد الرأس الشريف الي عامله فيها و هو عمرو بن سعيد، و لأجل ذلك صارت جنة البقيع - المدينة - احدي الأمكنة التي قيل بكونها تشرفت بضم الرأس الشريف فيها.

قابل ابن سعد: ثم أمر عمرو بن سعيد برأس الحسين فكفن و دفن بالبقيع عند


قبر امه. [29] .

و قال ابن نما: «و أما الرأس الشريف اختلف الناس فيه، قال قوم: ان عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة، ثم ذكر سائر الأقوال» و اختار قول الدفن بكربلاء و قال: «هو المعمول عليه». [30] .

و روي الخوارزمي عن أبي العلاء الحافظ باسناده عن مشايخه «أن يزيد بعث رأس الحسين الي عمرو بن سعيد بن العاص و هو اذ ذاك عامله علي المدينة، فقال عمرو: و ددت أنه لم يبعث به الي، ثم أمر عمرو برأس الحسين عليه السلام، فكفن و دفن بالبقيع عند قبر امه فاطمة عليهاالسلام». [31] .

و قال الباعوني: «و أما رأسه فالمشهور بين أهل التاريخ و السير أنه بعثه ابن زياد بن أبيه الفاسق الي يزيد بن معاوية، و بعث به يزيد الي عمرو بن سعيد الأشدق - لطيم الشيطان - و هو اذ ذاك بالمدينة، فنصبه و دفن عند امه بالبقيع». [32] .

و في شذرات الذهب: «و الصحيح أن الرأس المكرم دفن بالبقيع الي جنب امه فاطمة، و ذلك أن يزيد بعث به الي عامله بالمدينة عمرو بن سعيد الأشدق، فكفنه و دفنه». [33] .

و قال: الشبلنجي: «و قيل دفن بالبقيع عند قبر امه و أخيه الحسن، و هو قول ابن


بكار و العلامة الهمداني و غيرهما». [34] .

و كيفما كان فهذا الاحتمال ناش عن ارسال الرأس الشريف الي المدينة، كما ذكره ابن حجر في قوله: «و أرسل - يزيد - برأسه و بقية بنيه الي المدينة». [35] .

و الجواب هو ما ذكره العلامة المجلسي، أما ارسال الرأس الي المدينة فلا ضير بالمقام، لاحتمال كون الارسال في مدة وجود أهل البيت بالشام، و عليه يحمل قول يزيد للامام السجاد عليه السلام، فأما وجه أبيك فلن تراه أبدا [36] ، فلا يمنع تبدل رأيه بعد وصول الرأس من المدينة الي الشام و تسليمه الي الامام السجاد عليه السلام.

و أما قول ابن حجر بارسال يزيد الرأس و الاسرة الي المدينة فلا ينافي مرورهم بكربلاء و دفنهم الرأس فيها ثم قصدهم المدينة، و سيأتي خبر البلاذري حول ارجاع الرأس الشريف من المدينة الي الشام. [37] .

4- الشام: قال البلاذري: قال الكلبي: و بعث يزيد برأسه الي المدينة، فنصب علي خشبة، ثم رد الي دمشق، فدفن في حائط بها، و يقال في دار الامارة، و يقال في المقبرة. [38] .

قيل: الحائط: الحديقة أو البستان، و دار الامارة هي قصر الخضراء و كان بجوار الجامع الأموي الي الجنوب منه. [39] .

و قال: «و دفن رأس الحسين في حائط بدمشق، اما حائط القصر و اما غيره،


و قال قوم: دفن في القصر حفر له و أعمق». [40] .

و روي ابن عساكر باسناده عن ريا حدثته «أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتي ولي سليمان بن عبدالملك، فبعث اليه فجاء به وقد قحل و بقي عظم أبيض، فجعله في سفط و طيبه، و جعل عليه ثوبا، و دفن في مقابر المسلمين، فلما ولي عمر بن عبدالعزيز بعث الي الخازن - خازن بنت السلاح - وجه الي رأس الحسين بن علي، فكتب اليه أن سليمان أخذه و جعله في سفط و صلي عليه و دفنه، فصح ذلك عنده، فلما دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس، فنبشوه، و أخذوه، والله أعلم ما صنع». [41] .

قال ابن كثير: المسودة يعني بني العباس. [42] .

و حكي الخوارزمي: «أن سليمان بن عبدالملك بن مروان رأي النبي صلي الله عليه و آله و سلم في المنام كأنه يبره و يلطفه، فدعا الحسن البصري و قص عليه و سأله عن تأويله، فقال الحسن، لعلك اصطنعت الي أهله معروفا، فقال سليمان: اني وجدت رأس الحسين في خزانة يزيد بن معاوية، فكسوته خمسة من الديباج و صليت عليه في جماعة من أصحابي و قبرته، فقال الحسن: ان النبي رضي عنك بسبب ذلك، فأحسن الي الحسن البصري و أمر له بجوائز». [43] .

و قال ابن الجوزي: «و ذكر ابن أبي الدنيا أنهم وجدوا في خزانة يزيد رأس


الحسين فكفنوه و دفنوه بدمشق عند باب الفراديس». [44] .

و ذكره أيضا في «الرد علي المتعصب العنيد» عن ابن أبي الدنيا من حديث عثمان بن عبدالرحمان عن محمد بن عمر بن صالح - ثم نقل الخبر كما في المنتظم - ثم قال: «و عثمان و محمد ليسا بشي ء عند أهل الحديث، و الأول - أي الدفن بالبقيع - الصحيح». [45] .

و روي ابن نما عن منصور بن جمهور «أنه دخل خزانة يزيد بن معاوية، لما فتحت وجد بها جونة حمراء، فقال لغلامه سليم: احتفظ بهذه الجونة، فانها كنز من كنوز بني أمية، فلما فتحها اذا فيها رأس الحسين عليه السلام و هو مخضوب بالسواد، فقال لغلامه: آتني بثوب، فأتاه به، فلفه، ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق». [46] .

ثم ذكر سائر الأقوال، و اعتمد علي كون الدفن بكربلاء. [47] .

و ذكر سبط ابن الجوزي ما رواه جده ابن أبي الدنيا بعنوان القول الثالث في المسألة، و فيه: «فكفنوه و دفنوه بباب الفراديس في دار الامارة، و كذا ذكر الواقدي أيضا». [48] .

ثم قال: «و الرابع أنه بمسجد الرقة علي الفرات بالمدينة المشهورة، ذكره عبدالله بن عمر الوراق في كتاب المقتل، و قال: لما حضر الرأس بين يدي يزيد بن


معاوية قال: لأبعثنه الي آل أبي معيط عن رأس عثمان و كانوا بالرقة، فبعثه اليهم، فدفنوه في بعض دورهم، ثم أدخلت تلك الدار في المسجد الجامع قال: و هو الي جانب سدرة هناك، و عليه شبيه النيل لا يذهب شتاء و لا صيفا». [49] .

و روي الذهبي عن أبي أمية الكلاعي قال: «سمعت أباكرب قال: كنت فيمن توثب علي الوليد بن يزيد بدمشق، فأخذت سفطا و قلت فيه غنائي، فركبت فرسي و خرجت به من باب توما، قال: ففتحته فاذا فيه رأس مكتوب عليه هذا رأس الحسين بن علي، فحفرت له بسيفي فدفنته». [50] .

و روي ابن كثير ما رواه ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبدالرحمن عن محمد بن عمر بن صالح، و قال و هما ضعيفان، ثم قال: «قلت: و يعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم داخل باب الفراديس الثاني، ثم ذكر ما رواه ابن عساكر عن ريا». [51] .

و قال ابن الحوراني: «و داخل باب الفراديس مشهد الحسين و يسمي مسجد الرأس و هو معروف الآن، و هو مشهد حافل عليه جلالة و هيبة و له وقف علي مصالحه، و هذا المشهد يقصده الناس للزيارة و الدعاء و التبرك و التماس الحوائج، و هو في غاية القبول». [52] .

و جاء في دائرة المعارف: «و في باب الفراديس مشهد الحسين بن علي». [53] .


فتحصل من جميع ذلك:

أن الروايات حول دفن الرأس الشريف في الشام علي أقسام، منها ما روي بطريق ضعيف كما اعترفوا بذلك، و منها ما أعرض عنها ناقلوها.

و أن الأقوال في تحديد مكانه مختلفة و هي:

أ) دمشق - في حائط بها -

ب) في دار الامارة بدمشق.

ج) في المقبرة بدمشق.

د) في القصر الخضراء بدمشق.

ه) عند باب الفراديس بدمشق.

و) بمسجد الرقة.

ز) قرب باب توما.

5) مصر: قال ابن نما: و حدثني جماعة من أهل مصر أن مشهد الرأس عندهم يسمونه مشهد كريم، عليه من الذهب شي ء كثير يقصدونه في المراسم، و يزورونه، و يزعمون أنه مدفون هناك. [54] .

و قال سبط ابن الجوزي: «و اختلفوا في الرأس علي أقوال.. الخامس: أن الخلفاء الفاطميين نقلوه من باب الفراديس الي عسقلان، ثم نقلوه الي القاهرة، و هو فيها، و له مشهد عظيم يزار في الجملة». [55] .


و لقد ذكرنا اختيار ابن نما و سبط ابن الجوزي القول بدفن الرأس الشريف بكربلا.

قال ابن كثير: «و ادعت الطائفة المسمون بالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة الي ما بعد سنة ستين و ستمائة أن رأس الحسين وصل الي الديار المصرية و دفنوه بها، و بنوا عليه المشهد المشهور به بمصر الذي يقال له تاج الحسين بعد سنة خمسمائة، و قد نص غير واحد من أئمة أهل العلم علي أنه لا أصل لذلك». [56] . ثم ذكر علة ذلك علي ما زعمه، و الذي يظهر حقده من خلاله.

و قال الشبلنجي: «اختلفوا في رأس الحسين رضي الله عنه بعد مسيره الي الشام الي أين سار و في أي موضع استقر، فذهب طائفة الي أن يزيد أمر أن يطاف به في البلاد، فطيف به حتي انتهي به الي عسقلان، فدفنه أميرها بها، فلما غلب الأفرنج علي عسقلان افتداه منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمال جزيل، و مشي الي لقائه من عدة مراحل، و وضعه في كيس حرير أخضر علي كرسي من الآبنوس، و فرش تحته المسك و الطيب، و بني عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة قريبا من خان الخليلي.. و الذي عليه طائفة من الصوفية أنه بالمشهد القاهري.

قال المناوي في طبقاته: «ذكر لي بعض أهل الكشف و الشهود أنه حصل له اطلاع علي أنه دفن مع الجثة بكربلاء، ثم ظهر الرأس بعد ذلك بالمشهد القاهري! لأن حكم الحال بالبرزخ حكم الانسان الذي تدلي في تيار جار فيطفو بعد ذلك في مكان آخر، فلما كان الرأس منفصلا طاف في هذا المحل (المسمي) بالمشهد الحسيني المصري! و ذكر أنه خاطبه». [57] .


و قال: و في كتاب الخطط للمقريزي بعد كلام علي مشهد الحسين رضي الله عنه، ما نصه: «و كان حمل الرأس الشريف الي القاهرة من عسقلان، و وصوله اليها في يوم الأحد ثامن من جمادي الآخرة سنة ثمان و أربعين و خمسمائة.. و يذكر أن هذا الرأس الشريف لما اخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف، و له ريح كريح المسك». [58] .

و قال الشبراوي: «قال العلامة الشعراني: لما دفن الرأس الشريف ببلاد المشرق و مضي عليه مدة أرشي عليه الوزير طلائع بن رزيك، و أنفق ثلاثين ألف دينار، و نقله الي مصر، و بني عليه المشهد الشريف، و خرج هو و عسكره حفاة الي نحو الصالحية من طريق الشام يتلقون الرأس الشريف، ثم وضعه طلايع في برنس من حرير أخضر علي كرسي من ابنوس، و فرش تحته المسك و الطيب، و قد زرته مرارا،.. ثم ذكر رؤيا الشيخ شهاب الدين أحمد بن الشبلي الحنفي». [59] .

ان طلائع بن رزيك كان نائب مصر، كما صرح بذلك الشبراوي [60] ، و ذكر تفصيل ما حصل من نقل الرأس من عسقلان الي القاهرة سنة 548. [61] .

و في جميع ذلك أنه علي فرض صحته فلعله راجع الي أحد أصحاب الحسين عليه السلام الذين استشهدوا معه صلوات الله عليه، و أهل البيت أدري بما في البيت، و لم يذكر أحد منهم حول دفن الرأس الشريف بمصر.

فالمختار هو قول المشهور من الحاق الرأس الشريف بالجسد الطاهر


بكربلاء.

و لنختم الكلام بما ذكره سبط ابن الجوزي: ففي أي مكان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب و الضمائر، قاطن في الأسرار و الخواطر، أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعني:



لا تطلبوا المولي [62] حسين

بأرض شرق أو بغرب



و دعوا الجميع و عرجوا

نحوي فمشهده بقلبي [63] .




پاورقي

[1] أمالي الصدوق: 231، مجلس 31، ح 243، عنه بحارالأنوار، 140:45.

[2] رسائل الشريف المرتضي 130:3.

[3] اعلام الوري: 250.

[4] روضة الواعظين 192:1.

[5] مثير الأحزان: 106.

[6] الملهوف: 225، عنه بحارالأنوار، 144:45.

[7] الآثار الباقية: 321.

[8] توضيح المقاصد: 6.

[9] قال: فصل فيما نذکره من الجواب عما ظهر في أن رد رأس مولانا الحسين عليه‏السلام کان يوم العشرين من صفر: اعلم أن اعادة الرأس المقدس لمولانا الحسين - صلوات الله عليه - الي جسده الشريف يشهد به لسان القرآن العظيم المنيف حيث قال الله جل جلاله: (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) فهل بقي شک حيث أخبر الله أنه من حيث استشهد حي عند ربه مرزوق مصون فلا ينبغي أن يشک في هذا العارفون.

و أما کيفية احيائه بعد شهادته و کيفية جمع رأسه الشريف الي جسده بعد مفارقته فهذا سؤال يکون فيه سؤء أدب من العبد علي الله جل جلاله أن يعرفه کيفية تدبير مقدوراته، و هو جهل من العبد و اقدام علي مالم يکلف العلم به و لا السؤال عن صفاته، و أما تعيين الاعادة يوم الأربعين من قتله و الوقت الذي قتل فيه الحسين صلوات الله و سلامه عليه، و نقله الله جل جلاله الي شرف فضله کان الاسلام مقلوبا و الحق مغلوبا و ما تکون الاعادة بأمور دنيوية و الظاهر أنها بقدرة الاله، لکن وجدت نحو عشر روايات مختلفات في حديث الرأس الشريف کلها منقولات، و لم أذکر الي الآن أنني وقفت و لا رويت تسمية أحد ممن کان من الشام حتي أعادوه الي جسده الشريف بالحائر عليه أفضل السلام و لا کيفية لحمله من الشام الي الحائر علي صاحبه أکمل التحية و الاکرام و لا کيفية لدخول حرمه المعظم و لا من حفر ضريحه المقدس المکرم حتي عاد اليه و هل وضعه موضعه من الجسد أو في الضريح مضموما اليه فليقتصر الانسان علي ما يجب عليه من تصديق القرآن من أن الجسد المقدس تکلم عقيب الشهادة و أنه حي يرزق في دار السعادة ففي بيان الکتاب العزيز ما يغني عن زيادة دليل و برهان. (اقبال الأعمال: 588).

[10] تسلية المجالس 459:2.

[11] مقتل الخوارزمي 75:2.

[12] بحارالأنوار، 145:45.

[13] الاتحاف بحب الأشراف: 70.

[14] نور الأبصار: 133.

[15] تذکرة الخواص: 265.

[16] بحارالأنوار، 145:45.

[17] کذا في رواية کامل الزيارة.

[18] موضع قريب من الکوفة و قيل بالکوفة و قيل خريبة الي جانب الحيرة علي ساعة منها، کذا في معجم البلدان 101:2 رقم 2584.

[19] الکافي 571:4 باب موضع رأس الحسين عليه‏السلام، ح 1؛ کامل الزيارات: 34، باب 9 ح 4؛ وسائل الشيعة 400:14 ح 1926؛ بحارالأنوار 178:45.

و روي مضمونه الشيخ الطوسي باسناده عن عمر بن عبدالله بن طلحة النهدي عن أبيه (تهذيب الأحکام 35:6، ح 72، عنه وسائل الشيعة 399:14 ح 19455).

[20] الکافي 572:4، ح 2؛ کامل الزيارات: 34 باب 9 ح 5؛ وسائل الشيعة 400:14 ح 19457.

و روي مضمونه الشيخ الطوسي باسناده عن مبارک الخباز (تهذيب الأحکام 34:6، ح 71، عنه وسائل الشيعة 399:14 ح 19454).

[21] کامل الزيارات: 35 ح 6، عنه وسائل الشيعة 402:14 ح 19460.

[22] کامل الزيارات: 36، باب 9، ح 10، عنه وسائل الشيعة 402:14 ح 19461؛ بحارالأنوار، 178:45 ح 29.

[23] بحارالأنوار، 178:45.

[24] وسائل الشيعة 401:14 ح 19459.

[25] فرحة الغري: 96.

[26] وسائل الشيعة 401:14، ح 19458.

[27] وسائل الشيعة 398:14، کتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، باب 32.

[28] تذکرة الخلوص: 259.

[29] الطبقات: 85 (ترجمة الامام الحسين عليه‏السلام و مقتله من القسم غير المطبوع). و روي ذلک: المنتظم 344:5؛ الرد علي المتعصب العنيد: 49؛ تذکرة الخواص: 265؛ سير أعلام النبلاء 315:3؛ نهاية الارب 481:20؛ البداية و النهاية 205:8 - عن ابن‏سعد.

[30] مثير الأحزان: 106.

[31] مقتل الخوارزمي 75:2؛ بحارالأنوار 145:45. و روي مضمونه الذهبي (تاريخ الاسلام: 20).

[32] جواهر المطالب 299:2.

[33] شذرات الذهب 67:1.

[34] نور الأبصار: 133.

[35] الصواعق المحرقة: 294.

[36] المهلوف: 226.

[37] أنساب الأشراف 419:3.

[38] أنساب الأشراف 419:3.

[39] عبرات المصطفين 341:2.

[40] أنساب الأشراف 416:3.

[41] تاريخ مدينة دمشق 421:7.

[42] البداية و النهاية 205:8 و روي أوله في جواهر المطالب 211:2 و الاتحاف 69.

[43] مقتل الخوارزمي 75:2؛ بحارالأنوار، 145:45. ثم ذکر مضمون ما أورده ابن‏عساکر، ثم أضاف عليه: و الظاهر من دينه - عمر بن عبدالعزيز - أنه بعثه الي کربلاء فدفن مع جسده (المصدر).

و روي مضمون رؤياه نظم درر السمطين: 226، و الاتحاف: 70 أيضا.

[44] المنتظم 344:5.

[45] الرد علي المتعصب العنيد: 50. و رواه أيضا جواهر المطالب 299:2 عن ابن أبي‏الدنيا.

[46] جواهر المطالب 299:2.

[47] مثير الأحزان: 106.

[48] تذکرة الخواص: 265.

[49] تذکرة الخواص: 265.

[50] سير أعلام النبلاء 316:3. و تاريخ الاسلام: 20، و سير أعلام النبلاء 319:3 و روي أيضا ما ذکره ابن‏عساکر عن ريا.

[51] البداية و النهاية 205:8.

[52] الاشارات الي أماکن الزيارات: 25.

[53] دائرة المعارف 2:8.

[54] مثير الأحزان: 106.

[55] تذکرة الخواص: 265.

[56] البداية و النهاية 205:8.

[57] نور الأبصار: 133.

[58] المصدر نفسه: 135.

[59] الاتحاف: 75.

[60] المصدر نفسه: 97.

[61] المصدر نفسه: 82 - 78.

[62] هکذا في الاصل، و لعل الصحيح: قبر، و ليس المولي.

[63] تذکرة الخواص: 266.