بازگشت

القول المختار في المسألة


و يتضح بذلك - والله العالم بحقائق الأمور - ما يلي:

ان جابر بن عبدالله الأنصاري ذلك الصحابي الجليل العالم العارف البصير، الذي تحمل مشقة السفر - و هو كبير العمر مكفوف البصر - و شد رحله من المدينة نحو كربلاء، لم يكتف بزيارة واحدة لقبر سيد الشهداء عليه السلام، و أنه زار قبر الامام عليه السلام مرتين علي الأقل، أما زيارته الاولي فهي التي رويناها عن الطبري [1] .


و السيد ابن طاووس [2] ، الخوارزمي [3] ، تلك الزيارة التي رواها عطية، فان هذه الزيارة تختلف عن زيارته المقرونة باللقاء، و ذلك لأمور:

1- في هذه الزيارة لم نجد ذكرا عن خبر اللقاء، بل لعل هناك تصريحا بعدم اللقاء، اذ جاء في رواية الطبري و الخوارزمي أن جابرا طلب من عطية أن يتوجه نحو أبيات كوفان بقوله: (خذني نحو أبيات كوفان)، ثم صارا في الطريق، فمن المستبعد جدا أن يحصل اللقاء و لم يذكره عطية، مع أنه في غاية الأهمية.

2- ان المستفاد من خبر الطبري و السيد ابن طاووس و الخوارزمي أنه لم يكن هناك في حين زيارتهما أحد غيرهما، و لكن جاء في ضمن الخبر المقرون باللقاء أن هناك جماعة من بني هاشم، حينما قال ابن نما: «و لما مر عيال الحسين عليه السلام بكربلاء وجدوا جابر بن عبدالله الأنصاري - رحمة الله عليه - و جماعة من بني هاشم قدموا لزيارته» [4] . و قال السيد: «فوصلوا الي موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبدالله الأنصاري رحمه الله و جماعة من بني هاشم و رجالا من آل الرسول صلي الله عليه و آله و قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام، فوافوا في وقت واحد».

فالمستفاد منهما ورود عدة من بني هاشم و رجال من آل الرسول الي كربلاء - و ان لم نعرفهم تفصيلا - و لم نجد هناك اسم عطية، و لو كان حاضرا لروي اللقاء مع هؤلاء الجماعة، فتحصل أنهما زيارتان.

3- ان تصريح كثير من العلماء بكون جابر أول زائر للحسين عليه السلام، يثبت تقدم زيارته علي زيارة جماعة من بني هاشم، و الا فما كان هناك وجه في تلبسه بهذا العنوان دون غيره، فتحصل أن الزيارة التي رواها الطبري و السيد


و الخوارزمي - التي فيها ذكر عطية، و ليس فيها ذكر ورود جماعة من بني هاشم و خبر اللقاء - تختلف عما ذكره ابن نما، و السيد (في اللهوف) - و الذي ليس فيه ذكر عطية، و هي زيارة اخري توفق جابر لها بعد زيارته الاولي، و ليس ببعيد علي انسان ذي معرفة و بصيرة مثل جابر أن يكرر الزيارة و لا يكتفي بزيارة واحدة.

فبناء عليه يكون يوم الأربعين يوم زيارة جابر لقبر الحسين عليه السلام، كما ذكرناه عن المصادر المتعددة. و أما مجي ء أهل البيت و حصول لقائهم معه و مع جماعة من بني هاشم فقد حصل في زيارة أخري بعد ذلك، و ان لم نعلم تحديدها بالضبط. كما أن ابن نما و السيد في اللهوف لم يحدداه. و بذلك تنحل العقدة و ترفع العويصة في مسألة رجوع أهل البيت الي كربلاء؛ كيف جاءوا؟ و هل جاءوا؟ و هل يمكن الوصول أم لا؟ و يزول تشتت الأقوال الموجودة المرددة بين القبول و الرد و التوقف في ذلك.

و أما ما ذكره الشهيد القاضي بفهم العلماء كذلك فانه غير محقق، و هو ناش عن ثبوت ملازمة زيارة جابر في الأربعين و حصول اللقاء مع أهل البيت في كربلاء و هو مبني علي وصولهم في الأربعين، هذه الملازمة غير ثابتة.

و أما ما ذكره السيد الشهيد فانه لم يكن الا لأجل اثبات امكان رجوعهم و رفع الامتناع و الاستبعاد، و هذا غاية ما يمكن أن يستفاد منه - و الحق أنه وفق لذلك - الا أنه لا يمكن الاستناد اليه في المقام، اذ مع فرض التسليم بذلك، فان هذا يتحقق في فرض ارسال البريد - و ما شابهه - الذي من شأنه السرعة في السير، أو تكون هناك ظروف خاصة (كمسألة الوصول لأداء مناسك الحج أو تنفيذ الأوامر... الخ)، لا في مثل هذه المسيرة التي كان شأنها خلاف ذلك، اذ انها بطبيعة حالها حاملة للأطفال و النساء، و قد مرت بالمنازل المتعددة قبل وصولها الشام، و بعد الخروج منها تغيرت المعاملة، و ذلك بصدور أوامر بلزوم المحافظة عليهم و رعاية أمرهم


في السير و اللبث، و لم يكن هناك نذر للوصول في الأربعين الي كربلاء!!، فاذن لا يكون هناك أي داع لايصالهم - أو وصولهم - في الأربعين الي كربلاء.

نعم، لو كانت لدينا نصوص معتبرة حول رجوعهم في الأربعين لالتزمنا بها، و لكن أني لنا ذلك، و أما ما ذكره البيروني [5] و البهائي [6] من التصريح بذلك فلا يمكن الالتزام به، لعدم تمحضهما في روايات التاريخ، و لكونهما ذوي فنون، فلعل حصل ذلك من خطور الملازمة المنتفية، أضف الي ذلك ما يعارضه مما ذكره القاضي نعمان (ت: 363 ه) - المقدم عليهما زمنا و خبرة (في الرواية) - و قد صرح في كتابه «شرح الأخبار» بلبث أهل بيت رسول الله شهرا و نصفا في الشام [7] ، و بذلك يظهر الجواب عما ذكره السيد الشهيد من عدم وجود دليل معتبر حول بقاء أهل البيت شهرا في الشام - كما رواه في الاقبال -.

فظهر من ذلك أنه مع ملاحظة بقائهم في الشام، مع ضم مسألة استئذان ابن مرجانة من يزيد، و لحاظ حالة المسيرة في الذهاب و الاياب، يكون رجوع هذه المسيرة في الأربعين الي كربلاء أمرا مستبعدا جدا، و ان كان هو ممكنا في حد نفسه فيما عداها.

فيستنتج بذلك عدم الالتزام بالحاق الرأس الشريف بالجسد الطاهر في خصوص يوم الأربعين. نعم، ألحق الرأس في وقت مجي ء أهل البيت، اللهم الا أن نلتزم بما ذكره السيد ابن طاووس من الوجه.

فالمختار في المسألة أن رجوع آل بيت الرسول صلي الله عليه و آله الي كربلاء ما كان في الأربعين الأولي و لا الثانية، بل في الفترة الواقعة بينهما.



پاورقي

[1] بشارة المصطفي: 74.

[2] مصابح الزائر: 286.

[3] مقتل الخوارزمي 167:1.

[4] مثير الأحزان: 107.

[5] الآثار الباقية: 321.

[6] توضيح المقاصد: 6.

[7] شرح الأخبار 269:3.