بازگشت

المحدث النوري يستدل بسبع نقاط


ثم ان المحدث النوري قال:

«وصول أهل البيت في الأربعين (الاولي) الي كربلاء - بناء علي ما ذكره السيد في اللهوف - مناف لأمور كثيرة و أخبار عديدة و تصريح عدة من العلماء، منها:

1 - ان السيد في الاقبال - بعد اشارته الي ما ذكره في اللهوف سابقا - قد استبعد ذلك.

ثم نقل المحدث النوري ما ذكرناه عن الاقبال فيما مضي، و قال بعده:

هذا ملخص ما أفاده في الاقبال، و العجب منه أنه يذكر في اللهوف قضية استئذان ابن مرجانة من يزيد حول مسألة الأساري، و حملهم الي الشام بعد ذلك، و مع ذلك نقل تلك القصة (أي اجتماعهم مع جابر في يوم الأربعين) و هما لا يجتمعان.

2 - ان أحدا من أجلاء فن الحديث و المعتمدين من أهل السير و التاريخ لم يذكروا ذلك في كتبهم، مع أنه في غاية الأهمية و جدير بالذكر، بل المستفاد من سياق كلامهم انكارهم له.

ثم ذكر خبر المفيد في الارشاد حول أمر يزيد بتجهيز أهل بيت الحسين الي المدينة، الي أن قال:


فسار معهم في جملة النعمان و لم يزل ينازلهم في الطريق و يرفق بهم كنا وصاه يزيد و يرعاهم حتي دخلوا المدينة، و من البعيد أن يري المفيد خبرا يعتمد عليه حول ذهابهم الي كربلاء و لقائهم جابرا و اقامتهم العزاء علي الحسين عليه السلام و لم يشر اليه، و كذا الطبري في تاريخه الذي يعد من التواريخ المعتبرة، و ابن الأثير في الكامل لم يذكرا شيئا من الرجوع الي كربلاء. [1] .

3 - قال الشيخ المفيد في (مسار الشيعة) في ضمن وقائع شهر صفر: و في اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا و مولانا أبي عبدالله عليه السلام من الشام الي مدينة الرسول صلي الله عليه و آله، و هو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبدالله الأنصاري صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله من المدينة الي كربلاء لزيارة قبر سيدنا أبي عبدالله عليه السلام فكان اول من زاره [من المسلمين] ويستحب زيارته [2] و ذكر نحوه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد (730)، و العلامة الحلي في منهاج الصلاح، و الكفعمي في موضعين من مصباحه (489 و 510). و ظاهر العبارة أنه يوم خروجهم من الشام لا ورودهم المدينة كما توهمه بعض، لأن السير من الشام الي المدينة الذي يزيد علي مائتي فرسخ، لا يتعارف أن يكون أقل من شهر، خاصة مع


ملاحظه أمر يزيد لنعمان (برعاية حالهم في الطريق) و اختلاف العبارة يدل علي المراد، اذ لو كان المقصود واحدا لما غير التعبير و لا كتفي بكلمة الرجوع، بينما نجد استعمال كلمتين في المقام و هما الرجوع و الورود، و علي أي حال فهذه الكلمات صريحة في عدم مجيئهم الي كربلاء! و الا لكان ذكره في أحداث شهر صفر أجدر، و ذلك لجهات متعددة.

4 - ان تفصيل ورود جابر الي كربلاء مذكور في كتابين معتبرين و هما «بشارة المصطفي» للشيخ عماد الدين أبي القاسم الطبري - الذي هو من نفائس الكتب الموجودة - و «مصباح الزائر» للسيد ابن طاووس، و ليس فيهما ذكر عن ورود أهل البيت الي كربلاء و حصول اللقاء مع جابر، بل المستفاد أن الزيارة لم تكن الا ساعات عديدة، فمن المستبعد عادة أن يحصل اللقاء و لم يذكره عطية، هذا مضافا الي أنه لا أظن أن يقبل ذوالعقل السليم بأن يأتي الامام السجاد عليه السلام - و يكون ذلك أول زيارته لقبر أبيه في الظاهر - و لم ينقل عنه كلام و لا زيارة، و تنقل الزيارة التي تعمل بها الشيعة عن جابر.

5 - «ان أبامخنف لوط بن يحيي من كبار المحدثين و المعتمد عند أرباب السير و التواريخ، و مقتله في غاية الاعتبار، الا أنه لم يوصل أصل مقتله بأيدينا، و الموجود حاليا المنسوب اليه مشتمل علي بعض المطالب المنكرة المخالفة لأصول


المذهب التي أدخلها الأعداء و الجهال لأغراض فاسدة، فهو ساقط عن الاعتماد و الاعتبار و لا يمكن الوثوق علي منفرداته، و لذلك لم ننسب خبر ورود أهل البيت الي كربلاء في الأربعين اليه، مع أن الموجود فيه هو نحو ما مر عن اللهوف،.. هذا، و لكن مع ذلك نجد أن الموجود في هذا المقتل - مع كثرة النسخ المختلفة - اتفاق (في جميع نسخه) علي أنه كان سير أهل البيت من الكوفة نحو الشام من طريق تكريت و الموصل و نصيبين و حلب المعبر عنه بالطريق السلطاني الذي كان معمورا و مارا بكثير من القري و المدن المعمورة، و هناك ما يقرب بأربعين منزلا من الكوفة الي الشام، و حصلت قضايا عديدة و بعض الكرامات في الطريق بحيث لا يمكن ادعاء دس جميعها و جعلها بواسطة الوضاعين، خصوصا مع عدم وجود الداعي علي وضع بعضها.

أضف الي ذلك أن هناك شواهد كثيرة علي كون تسييرهم من الطريق السلطاني، منها ما ذكر في سائر الكتب المعتبرة مثل مناقب ابن شهر آشوب حول قصة دير راهب قنسرين، و بروز الكرامات الباهرة من الرأس الشريف، و قنسرين، يقع بمنزل من حلب، و خرب سنة 351 حين اغارة الروم.

و منها: قصة يحيي اليهودي الحراني و سماعه تلاوة الرأس آيات من القرآن، ثم اسلامه و شهادته كما نقله الفاضل


المتبحر الجليل السيد جلال الدين في روضة الأحباب، و قال ان هناك قبر يحيي المعروف بيحيي الشهيد، و الدعاء عند رأسه مستجاب، و الحران يطلق علي موضعين الأول: بلد في شرقي الفرات من بلاد الجزيرة (و هي ما بين الفرات و دجلة)، الثاني: قرية من توابع حلب، و كلاهما محتمل.

و كذا تصريح العالم الجليل البصير عماد الدين الطبرسي (الطبري) في كتابه كامل السقيفة المعروف ب (كامل بهائي) في أن مرور الأسري من آل البيت عليهم السلام من آمد و موصل و نصيبين و بعلبك و ميافارقين و شيرز، و «آمد» علي ساحل دجلة مثل موصل، و «بعلبك» علي ثلاث منازل من الشام، و «ميافارقين» في قرب ديار بكر من بلاد الجزيرة و «شيزر» بقرب حماة بين حلب و الشام، و ذكر بعض القصص و الحكايات في هذه المنازل، و موضع الرأس الشريف في «معرة» من قري «حلب» كما ذكره بعض العلماء الأعلام و ذكروا ما حصل فيها و معاملة أهلها مع جيش ابن زياد.

كما أن الفاضل الألمعي ملا حسين الكاشفي في «روضة الشهداء» ذكر قضايا عديدة حين عبورهم من تلك المنازل و غيرها.

و ليس الغرض من ذكر هذه الشواهد التمسك و الاستشهاد بكل واحد منها، و ان كان بعضها في غاية الاعتبار، و لكن الغرض أن المنصف يحصل علي اطمئنان تام بأن المسير


كان في هذا السير - أي السلطاني - مضافا علي أنه لم نجد معارضا و مخالفا له من الأخبار و كلمات الأصحاب الي زماننا هذا.

و حينما يتأمل العاقل و يلاحظ السير من كربلاء الي الكوفة و منها الي الشام ثم الي كربلاء، مع ملاحظة لبثهم أقل الأيام في كلا البلدين (الكوفة و الشام) يعد رجوعهم في الأربعين من الممتنعات.

و مع الاغماض عما ذكر، لو فرض أن السير كان من البرية و في غربي الفرات، فمع التأمل يصدق الامتناع و الاستبعاد أيضا، لأن الفاصلة بين الكوفة الي الشام - بخط مستقيم - يكون 175 فرسخا، و نعلم أنهم وصلوا الكوفة في 12 من المحرم، و كان المجلس المشؤوم في 13 منه، و ذهاب القاصد منها الي الشام و رجوعه منها اليها - في مسألة استئذان ابن مرجانة من يزيد و حمله الأسري اليه من بعد وصول جوابه كما ذكره السيد في اللهوف و ابن الأثير في الكامل - لا يقل من عشرين يوما، كما في الاقبال.

و أما ما احتمله بعض الأفاضل في حواشيه علي مزار البحار من وقوع الاستئذان و جواب يزيد بواسطة الحمام فاسد، لعدم تداوله في عصر بني أمية و بداية حكم بني العباس، بل علي ما صرح به شهاب الدين أحمد بن يحيي بن فضل الله العمري في كتاب التعريف أن أصل تلك النوع من الحمام -


الذي يعبر عنه بحمام الهدي و حمام الرسائلي من الموصل، و كان موضع اعتناء هام عند ملوك الفاطميين، و أول من نقله من الموصل هو نور الدين محمود بن زنگي في سنة 565. و بالجملة مع ملاحظة ما ذكر عن الاقبال حول حبسهم في الشام شهرا، و اقامتهم العزاء سبعة أيام بعد خروجهم عن الحبس - كما في كامل البهائي -، لبثهم عشرة أيام في منزل يزيد علي ما ذكره محمد بن جرير الطبري في تاريخه، و سيرهم مع نهاية الاجلال و الاكرام و التأني و الوقار ليلا من الشام - كما ذكره الشيخ المفيد و غيره -، (فوصولهم في الأربعين غير ممكن)، فلو فرض أن يسيروا كل ليلة ثمانية فراسخ علي ذلك الخط المستقيم، لاستمر السير نحو 22 يوما، مع أن السير فيه غير ميسر، لقلة المياه فيه، خاصة لتلك المسيرة الحافة بالنساء و الأطفال.

6- لو كان وصول الامام السجاد عليه السلام و جماعة من بني هاشم و تشرفهم لزيارة قبر أبي عبدالله الحسين عليه السلام في يوم واحد، بل في وقت واحد، لما كان مناسبا أن يعد جابر أول زائر قبره، و يجعل ذلك من مناقبه، كما قاله الشيخ المفيد في مسار الشيعة و الكفعمي في مصباحه. [3] .

7- لا يخفي علي الناظر في كتب المقاتل أنه بعد ما أبرز يزيد الندامة الظاهرية و عرض علي آل البيت الخيار في البقاء أو


الرجوع و طلبهم الرجوع، تركوا الشام قاصدين المدينة، و لم يكن هناك ذكر عن العراق و كربلاء، و لم يكن البناء علي الذهاب لذك الصوب، و المسموع من المترددين أن طريق الشام الي العراق يختلف من طريق الشام نحو المدينة و يتمايز في الشام نفسه، فلم يكن هناك قدر مشترك في السير و هو معلوم لمن يلاحظ اختلاف طول هذه البلاد، فبناء عليه من يرد العراق فلابد أن يسير علي خط العراق من الشام نفسه، و لو كان تركهم الشام قاصدين العراق - كما هو ظاهر اللهوف - من دون اطلاع و اذن يزيد فهذا غير ميسر، و لابد أن يعرضوا ذلك عليه في المجلس، و لا يظن أنه لو عرضوا طلبهم الذهاب الي العراق - الذي لم يكن القصد الا زيارة التربة المقدسة - لرضي بذلك و أذن، و ذلك لخبث سريرته، و دناءة طبعه، و هو الذي أعطي مائتي دينار و قال: هذا عوض ما أصابكم، فكيف يرضي بأن يزداد في مصارف السفر؟!

فكيف كان، ان هذا الاستبعاد يسقط الوثوق بالمرة عن ذلك الراوي المجهول الذي روي عنه في اللهوف، و مع ضمه لتلك الشواهد المتقدمة يخرب أساس احتمال ورودهم بكربلاء في الأربعين، من أساسه. [4] .



پاورقي

[1] لؤلؤ و مرجان: 146 - 145.

[2] مسار الشيعة: 46.

[3] لؤلؤ و مرجان: 153 - 150.

[4] لؤلؤ و مرجان: 154.