بازگشت

التحقيق حول الأربعين


لقد وقع الخلاف في زمن مجي ء أهل البيت عليهم السلام الي كربلاء؛ هل كان ذلك في الأربعين الأولي؟ أم الثانية؟ أم غيرهما.

أما أصل مجيئهم الي كربلاء فلا ينبغي الريب فيه، اذ انه - مضافا الي امكانه - مذكور في كثير من الكتب المعتبرة، و عدم تصريح بعض الكبار من العلماء لا يكون تصريحا بالعدم، اذ أنه أعم.

و أما زمن المجي ء فقد وقع الخلاف فيه، فذهب فريق الي كونه في الأربعين الأول، و نفي فريق امكان وقوعه فيه و قالوا ان المدة لا تكفي فلابد أن يكون بعد ذلك و لكن ليس في الأربعين الثاني، بل فيما بينهما.

أما كونه في الأربعين الثاني (أي في سنة 62 ه) فبعيد جدا، و ان ذكره بعض [1] و لكن لا يمكن الالتفات اليه.

أما الفريق الأول (أعني القائلين بأن الرجوع كان في الأربعين الأول) فمنهم:


1 - أبوريحان البيروني، قال: «العشرون (من صفر) رد رأس الحسين الي جثته حتي دفن مع جثته، و فيه زيارة الأربعين، و هم حرمه بعد انصرافهم من الشام». [2] .

2 - الشيخ البهائي، قال: «التاسع عشر (من صفر) فيه زيارة الأربعين لأبي عبدالله عليه السلام، و هي مروية عن الصادق عليه السلام، وقتها عند ارتفاع النهار، و في هذا - و هو يوم الأربعين من شهادته عليه السلام - كان قدوم جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه لزيارته عليه السلام، و اتفق في ذلك اليوم و رود حرمه عليه السلام من الشام الي كربلاء قاصدين المدينة، علي ساكنها السلام و التحية». [3] .

3 - العلامة المجلسي رحمه الله، فقد نقل الشهرة بين الأصحاب، و قال حول علة استحباب زيارة الحسين صلوات الله عليه في يوم الأربعين: «و المشهور بين الأصحاب أن العلة في ذلك رجوع حرم الحسين - صلوات الله عليه - في مثل ذلك اليوم الي كربلاء عند رجوعهم من الشام، و الحاق علي بن الحسين - صلوات الله عليه - الرؤوس بالأجساد». [4] .

4 - الشهيد القاضي الطباطبائي، فأنه أتعب نفسه الزكية لاثبات هذه المسألة، و قد أتي بكتاب ضخم حول هذا الموضوع، و سنتعرض الي ملخص ما استدل به حينما نذكر أدلة المحدث النوري.

و هناك من العلماء - رحمهم الله - من لم يتعرض لذلك مطلقا كالشيخ المفيد [5] .


و الحلي [6] و الكفعمي [7] ، فانهم اكتفوا بذكر رجوع أهل البيت من الشام الي المدينة، و لم يذكروا شيئا من وصولهم الي كربلاء.

و بعضهم قد توقف في المسألة، و لم يختر أي الجانبين، مثل جدنا آية الله الفقيه الشيخ الطبسي النجفي، حينما قال: «انما البحث في أنهم أتوا الي كربلاء في الأربعين الأولي أو في السنة المقبلة، مقتضي ظاهر بعض أنه كان في السنة الاولي، و ظاهر عبارة ابن طاووس في اللهوف كذلك.. و في الناسخ أنه ليس لنا خبر صريح في ذلك، بل قال: مجي ء آل الله سنة الشهادة محال، و لكن مجي ء جابر و جماعة من بني هاشم في الأربعين الأول بلا اشكال، و أما الشيخ عماد الدين حسن بن علي الطبري الذي كان معاصرا للخواجة نصير الدين الطوسي في كامل البهائي: أن آل الرسول دخلوا دمشق في السادس عشر من ربيع الأول، و الحاق الرأس الشريف به كما في الناسخ كان في العشرين من شهر صفر في الأربعين الثاني، و الذي يقول بالثاني ان مكثهم في الكوفة ما كان بنحو الاختصار، ثم بعد ذلك مرورهم في الأمصار و البلدان و القري و توقفهم في قرب «ميافارقين» عشرة أيام، و ثلاثة أيام في النصيبين، و ثلاثة أيام في خارج الشام، مع وقوفهم في الكوفة في الحبس و غيره ما يقرب من عشرين يوم، فكيف وصلوا في عشرين صفر من السنة الأولي التي وقعت فيها الشهادة، و العلم عند الله، و ما كان البناء في رواحهم و مجيئهم من الشام الي كربلاء بطريق الاعجاز، فعليه أنا من المتوقفين في ذلك، و لكن المشهور عند عوام الناس في السنة الاولي، مع أن ظاهر عدة التواريخ أن توقفهم في الشام لا يقل من شهر». [8] .


و قد نفي ذلك بعض العلماء و استبعده جدا، و منهم:

1 - السيد ابن طاووس: قال في «اقبال الأعمال»: «وجدت في «المصباح»: أن حرم الحسين عليه السلام وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسين عليه السلام يوم العشرين من صفر، و في غير «المصباح»: أنهم وصلوا كربلاء أيضا في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر، وكلاهما مستبعد، لأن عبيدالله بن زياد - لعنه الله - كتب الي يزيد يعرفه ما جري و يستأذنه في حملهم، و لم يحملهم حتي عاد الجواب اليه، و هذا يحتاج الي نحو عشرين يوما أو أكثر منها، لأنه لما حملهم الي الشام روي أنهم أقاموا فيها شهرا في موضع لا يكنهم من حر و لا برد، و صورة الحال يقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوما من يوم قتل عليه السلام الي أن وصلوا العراق أو المدينة، و أما جوازهم في عودهم علي كربلاء فيمكن ذلك، و لكنه ما يكون وصولهم اليها يوم العشرين من صفر، لأنهم اجتمعوا علي ما روي جابر بن عبدالله الأنصاري، فان كان جابر وصل زائرا من الحجاز، فيحتاج وصول الخبر اليه و مجيئه أكثر من أربعين يوما، و علي أن يكون جابر وصل من الحجاز من الكوفة أو غيرها [كذا] انتهي». [9] .

و فيه: أنه لم نعثر في «المصباح»: (أن حرم الحسين عليه السلام وصلوا المدينة يوم العشرين من صفر)، و انما فيه: «أنه كان رجوع حرم سيدنا أبي عبدالله الحسين عليه السلام من الشام الي مدينة الرسول في اليوم العشرين من صفر». [10] .

و قلنا آنفا أنه لو كان المقصود هو مبدأ الرجوع - لا الوصول و الدخول فيها - فحينئذ يكون المراد أنه كان يوم الانطلاق من الشام، فلا مجال لأحد الاستبعادين.


2- العلامة المجلسي، فانه قال: «فائدة: اعلم أنه ليس في الأخبار ما العلة في استحباب زيارته - صلوات الله عليه - في هذا اليوم - الأربعين -؟، و المشهور بين الأصحاب أن العلة في ذلك رجوع حرم الحسين - صلوات الله عليه - في مثل ذلك اليوم الي كربلاء عند رجوعهم من الشام، و الحاق علي بن الحسين - صلوات الله عليه - الرؤوس بالأجساد، و قيل: في مثل ذلك اليوم رجعوا الي المدينة، وكلاهما مستبعدان جدا، لأن الزمان لا يسع ذلك، كما يظهر من الأخبار و الآثار، و كون ذلك في السنة الأخري أيضا مستبعد». [11] .

و استبعدهما في زاد المعاد [12] ، و ما علقناه حول كلام السيد جار هنا أيضا.

3 - المحدث النوري فانه استبعده بالمرة، و ذكر أدلة لا بأس بها في الجملة، سنذكرها في المبحث الآتي «القضاء بين المحدث النوري و القاضي الطباطبائي».

4 - المحدث القمي، فانه قدس سره من المستبعدين و المنكرين لذلك أيضا. [13] .

5 - الشيخ محمد ابراهيم الآيتي، فانه نفاه وعده من الأساطير التاريخية!. [14] .

6 - الشهيد المطهري فانه رضي الله عنه، نفي خبر لقاء أهل البيت مع جابر بجد، و قال: المتفرد بذلك هو السيد ابن الطاووس في اللهوف، و لم يذكره أحد غيره، حتي أن السيد لم يذكره في سائر كتبه أيضا، و الدليل العقلي يرفضه أيضا. [15] .

و فيه: ان كان مقصوده - رضوان الله عليه - من انكار اللقاء عدم حصوله في


خصوص يوم الأربعين - كما هو المترائي من ظاهر عبارته، خاصة مع ضمه الدليل العقلي لذلك - فان السيد ابن طاووس لم يقله حتي في اللهوف، و ان كان المقصود انكار أصل اللقاء فان السيد ليس المتفرد في هذه القضية، فان هناك كبارا من العلماء نجدهم قد صرحوا بذلك؛ منهم: الشيخ ابن نما الذي كان معاصرا للسيد [16] و الشيخ البهائي [17] و السيد ابن أبي طالب [18] و العلامة المجلسي [19] و القندوزي [20] و غيرهم.

و يأتي القول المختار في الموضوع.


پاورقي

[1] مثل ناسخ التواريخ.

[2] الآثار الباقية: 321.

[3] توضيح المقاصد: 6.

[4] بحارالأنوار، 334:101.

[5] مسار الشيعة 46.

[6] العدد القوية: 219.

[7] مصباح الکعفمي: 489 و 510.

[8] مقتل الامام الحسين عليه‏السلام: 285 - مخطوط -.

[9] اقبال الأعمال: 589.

[10] مصباح المتهجد: 730.

[11] بحارالأنوار، 334:101.

[12] زاد المعاد، عنه مقتل الامام الحسين عليه‏السلام للطبسي.

[13] منتهي الآمال 817:1.

[14] بررسي تاريخ عاشورا: 148.

[15] حماسه حسيني 30:1.

[16] مثير الأحزان 107.

[17] توضيح المقاصد 6.

[18] تسلية المجالس 458:2.

[19] جلاء العيون 450.

[20] ينابيع المودة 92:3.