بازگشت

جابر بن عبدالله الأنصاري و عطية العوفي في كربلاء


جابر بن عبدالله هو ذلك الصحابي الجليل الذي روي عنه عبدالرحمن بن سابط قال: «كنت مع جابر فدخل الحسين بن علي، فقال جابر: من سره أن ينظر الي رجل من أهل الجنة فلينظر الي هذا، فأشهد لسمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقوله». [1] .

فهو من أهل المعرفة، فان فاتته السعادة بفوز الشهادة في ركاب سبط خاتم الرسالة، فليس بغريب عنه أن يشد الرحال لزيارة قبره الشريف ابرازا لمحبته اياه و مخالفته للسلطة و تجديدا للعهد و الوفاء.

روي الشيخ أبوجعفر محمد بن أبي القاسم محمد بن علي الطبري باسناده عن الأعمش عن عطية العوفي قال:

«خرجت مع جابر بن عبدالله الأنصاري زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطي ء الفرات، فاغتسل، ثم ائتزر بأزار، و ارتدي بآخر، ثم فتح صرة فيها سعد، فنثرها علي بدنه، ثم لم يخط خطوة الا ذكر الله تعالي، حتي اذا دنا من القبر قال: ألمسنيه [2] فألمسته، فخر علي القبر مغشيا عليه، فرششت عليه شيئا من الماء، فلما أفاق قال: «يا حسين» ثلاثا، ثم


قال: حبيب لا يجيب حبيبه. ثم قال: و أني لك بالجواب، و قد شحطت أوداجك علي أثباجك، و فرق بين بدنك و رأسك، فأشهد أنك ابن خاتم النبيين، و ابن سيد المؤمنين، و ابن حليف التقوي، و سليل الهدي، و خامس أصحاب الكساء، و ابن سيد النقباء، و ابن فاطمة سيدة النساء، و مالك لا تكون هكذا و قد غذتك كف سيد المرسلين، و ربيت في حجر المتقين، و رضعت من ثدي الايمان، و فطمت بالاسلام، فطبت حيا، و طبت ميتا، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك، و لا شاكة في الخيرة لك، فعليك سلام الله و رضوانه، و أشهد أنك مضيت علي ما مضي عليه أخوك يحيي بن زكريا.

ثم جال بصره حول القبر و قال: السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلت بفناء الحسين، و أناخت برحله، و أشهد أنكم أقمتم الصلاة، و آتيتم الزكاة، و أمرتم بالمعروف، و نهيتم عن المنكر، و جاهدتم الملحدين، و عبدتم الله حتي أتاكم اليقين، و الذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

قال عطية: فقلت له: يا جابر، كيف؟ و لم نهبط واديا، و لم نعل جبلا، و لم نضرب بسيف، و القوم قد فرق بين رؤوسهم و أبدانهم، و اوتمت أولادهم، و أرملت أزواجهم!

فقال: يا عطية، سمعت حبيبي رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: من أحب قوما حشر معهم، و من أحب عمل قوم أشرك في عملهم، و الذي بعث محمدا بالحق نبيا، ان نيتي و نية أصحابي علي ما مضي عليه الحسين عليه السلام و أصحابه، خذني نحو أبيات كوفان.

فلما صرنا في بعض الطريق قال: يا عطية، هل أوصيك و ما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك، أحبب محب آل محمد صلي الله عليه و آله ما أحبهم، و ابغض مبغض آل


محمد ما أبغضهم و ان كان صواما قواما، و أرفق بمحب محمد و آل محمد، فانه ان تزل له قدم بكثرة ذنوبه ثبتت له اخري بمحبتهم، فان محبهم يعود الي الجنة، و مبغضهم يعود الي النار». [3] .

و فيه نقاط للتأمل، منها:

1 - معرفة عظمة جابر، و ذلك عبر علو معرفته بمنزلة آل بيت محمد صلي الله عليه و آله.

2 - اتخاذ موقف مهم لجابر، حيث انه عد أعداء الحسين عليه السلام من الملحدين.

3 - أدب جابر تجاه أبي عبدالله عليه السلام، و ذلك نتيجة لكمال معرفته، فلذلك نراه يغتسل، ثم ينتثر السعد علي بدنه، ثم يذكر الله في كل خطوة، ثم لمسه القبر فوقوعه مغشيا عليه، و صياحه يا حسين ثلاثا، ثم فقرات زيارته الدالة علي مدي معرفته تجاه الرسول و وصيه و سبطه عليهم السلام.

4 - المستفاد من هذا النقل أن جابرا يتجه بعد زيارته نحو أبيات كوفان، و لم يذكر فيه شيئا من ملاقاته للامام زين العابدين عليه السلام و سائر أسرة الحسين عليه السلام. و يأتي تحقيق المقام.

ثم ان السيد ابن طاووس أورد كيفية زيارة جابر قبر أبي عبدالله الحسين عليه السلام و أصحابه الأوفياء مع تفاصيل أخري يستدعي ذكرها تماما.

قال: «و قال عطا [4] : كنت مع جابر بن عبدالله يوم العشرين من صفر، فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، و لبس قميصا كان معه طاهرا، ثم قال لي: أمعك شي ء من الطيب يا عطا؟ قلت: معي سعد، فجعل منه علي رأسه و سائر


جسده، ثم مشي حافيا حتي وقف عند رأس الحسين عليه السلام، و كبر ثلاثا، ثم خر مغشيا عليه، فلما أفاق سمعته يقول:

السلام عليكم يا آل الله، السلام عليكم يا صفوة الله، السلام عليكم يا خيرة الله من خلقه، السلام عليكم يا سادة السادات، السلام عليكم يا ليوث الغابات، السلام عليكم يا سفن النجاة، السلام عليك يا أباعبدالله و رحمة الله و بركاته.

السلام عليك يا وارث علم الأنبياء السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث ابراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث اسماعيل ذبيح الله، السلام عليك يا وارث موسي كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسي روح الله، السلام عليك يا ابن محمد المصطفي، السلام عليك يا ابن علي المرتضي، السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا شهيد ابن الشهيد، السلام عليك يا قتيل ابن القتيل، السلام عليك يا ولي الله و ابن وليه، السلام عليك يا حجة الله و ابن حجته علي خلقه.

أشهد أنك قد أقمت الصلاة، و آتيت الزكاة، و أمرت بالمعروف، و نهيت عن المنكر، و بررت والديك، و جاهدت عدوك، أشهد أنك تسمع الكلام، و ترد الجواب، و أنك حبيب الله و خليله و نجيبه و صفيه و ابن صفيه.

زرتك مشتاقا، فكن لي شفيعا الي الله، يا سيدي، أستشفع الي الله بجدك سيد النبيين، و بأبيك سيد الوصيين، و بأمك سيدة نساء العالمين، لعن الله قاتليك و ظالميك و شانئيك و مبغضيك من الأولين و الآخرين.

ثم انحني علي القبر، و مرغ خديه عليه و صلي أربع ركعات، ثم جاء الي قبر علي بن الحسين عليهما السلام فقال: السلام عليك يا مولاي و ابن مولاي، لعن الله قاتلك، لعن الله ظالمك، أتقرب الي الله بمحبتكم، و أبرأ الي الله من عدوكم.


ثم قبله و صلي ركعتين، و التفت الي قبور الشهداء، فقال:

السلام علي الأرواح المنيخة بقبر أبي عبدالله، السلام عليكم يا شيعة الله و شيعة رسوله و شيعة أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين، السلام عليكم يا طاهرون، السلام عليكم يا مهديون، السلام عليكم يا أبرار، السلام عيكم و علي ملائكة الله الحافين بقبوركم، جمعني الله و اياكم في مستقر رحمته تحت عرشه.

ثم جاء الي قبر العباس ابن أميرالمؤمنين عليهماالسلام، فوقف عليه و قال: السلام عليك يا أباالقاسم، السلام عليك يا عباس بن علي، السلام عليك ياابن أميرالمؤمنين، أشهد لقد بالغت في النصيحة، و أديت الأمانة، و جاهدت عدوك و عدو أخيك، فصلوات الله علي روحك الطيبة، و جزاك الله من أخ خيرا.

ثم صلي ركعتين و دعا الله و مضي». [5] .

ان هذه الزيارة تدل علي مدي عظمة و معرفة و جلالة هذا الصحابي الجليل.

ثم أنه متي التحق عطية بجابر؟ هل كان عطية في الحج - تلك السنة - ثم اصطحبه جابر؟ أو أن جابرا جاء الي الكوفة و أتيا معا لزيارة قبر الحسين عليه السلام؟ هذا مما لم يتيسر لنا تحققه.


پاورقي

[1] مقتل الخوارزمي 147:1 و انظر ذخائر العقبي: 129؛ تاريخ الاسلام للذهبي 8:3؛ سير أعلام النبلاء 190:3؛ نظم درر السمطين: 208؛ البداية و النهاية 206:8؛ محمع الزوائد 187:9؛ اسعاف الراغبين: 206؛ ينابيع المودة: 222؛ نور الأبصار: 116؛ مشارق الأنوار للخمراوي: 114؛ أرجح المطالب: 281؛ کذا في احقاق الحق 291 - 289 :11.

[2] يمکننا أن نعتبر هذا علة عدم حضور جابر بن عبدالله في وقعة الطف، اذ المستفاد من هذه العبارة أنه کان، مکفوف البصر حينذاک، فيکون معذورا، و يؤيد ذلک ما رواه ابن‏قتيبة في «الامامة و السياسة» (214:1) في قضية وقعة الحرة بقوله: «و کان جابر بن عبدالله يومئذ قد ذهب بصره...»، من المعلوم أن الفاصل الزمني بين وقعة الطف و وقعة الحرة لم يکن الا ما يقارب سنة.

[3] بشارة المصطفي: 74. و روي نحوه مقتل الخوارزمي (167:2) مسندا بتفاوت يسير.

[4] الظاهر اتحاده مع عطية، کما احتمله المحدث النوري أيضا في لؤلؤ و مرجان: 149.

[5] مصباح الزائر: 286، عنه بحارالأنوار، 329:101.