بازگشت

من هو أول زائر لقبر الحسين


روي ابن نما عن ابن عائشة قال: مر سليمان بن قتة العدوي مولي بني تميم بكربلاء بعد قتل الحسين عليه السلام بثلاث، فنظر الي مصارعهم، فاتكأ علي فرس له عريبة، و أنشأ:




مررت علي أبيات آل محمد

فلم أرها أمثالها يوم حلت



ألم تر أن الشمس أضحت مريضة

لفقد حسين و البلاد اقشعرت



و كانوا رجاء ثم أضحوا رزية

لقد عظمت تلك الرزايا و جلت



و تسألنا قيس فنعطي فقيرها

و تقتلنا قيس اذا النعل زلت



و عند غني قطرة من دمائنا

سنطلبهم يوما بها حيث حلت



فلا يعبد الله الديار و أهلها

و ان أصبحت منهم برغم تخلت



فان قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقاب المسلمين فذلت



و قد اعولت تبكي السماء لفقده

و أنجمنا ناحت عليه وصلت [1] .



قد يستدل القائل بهذه الرواية أن سليمان بن قتة العدوي هو أول من زار قبر الحسين عليه السلام، حيث صرح ابن نما أنه زاره بعد قتل الحسين عليه السلام بثلاث.

و فيه، أولا: هذا مما لم يقله أحد فيما نعرفه.

ثانيا: ان هذا القيد مما تفرد به ابن نما، و أما بقية أرباب السير و التواريخ فقد اكتفوا بذكر رثاء سليمان، من دون أن يقيدوا ذلك بيوم [2] ، و لا مكان [3] .


ثالثا: الرواية تدل علي مروره بكربلاء و نظره الي مصارعهم. و المرور بها و النظر الي المصرع أعم من أن يكون ذلك بقصد الزيارة أم لا، فهذا يختلف عما اذا نوي شخص زيارة قبر أبي عبدالله عليه السلام، ف «انما الأعمال بالنيات» [4] ، و انما «لكل مري ء ما نوي». [5] .

رابعا: ان لفظ المصرع أعم من أن يكون ناظرا الي مكان استشهادهم أو الي أجسادهم المطهرة التي كانت ملقاة علي الأرض، فهناك اجمال في هذه الناحية، اذ لو كان ذلك قبل دفن الأجساد المطهرة فلا ينطبق عليه عنوان زيارة القبور، فشأنه شأن بني أسد الذين شاركوا في تدفين الشهداء، كما روي ذلك.

خامسا: ان في بعض الروايات أنه قال ضمن تلك الأبيات:



و أن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقابا من قريش فذلت



فقال له عبدالله بن حسن بن حسن: ويحك ألا قلت: أذل رقاب المسلمين فذلت. [6] .

فلو علمنا أن عبدالله بن الحسن لم يكن حاضرا في كربلاء في اليوم الثالث، فهذا يعني أنه أنشدها متأخرا، الا أن يقال: انه كرر ما أنشده سابقا بعد ذلك، و اعترض عليه عبدالله بن الحسن المثني!

فالمتحصل من جميع ذلك أنه لا نتمكن أن نعرف سليمان بكونه أول من زار قبر الحسين عليه السلام. نعم، ربما نتمكن من أن نقول: هو أول من رثاه - من الشعراء - بعد مقتله عليه السلام، و قد كسب بذلك لنفسه شرفا لا ينكر، خاصة مع لحاظ ذلك الزمن المخوف، و غلبة الجور و الظلم علي الناس، و لأجله نري أهمية ما نقله أبوالفرج


الاصبهاني - بعد ذكره الأبيات - بقوله: و قد رثي الحسين بن علي - صلوات الله عليه - جماعة من متأخري الشعراء. و أما من تقدم فما وقع الينا شي ء رثي به، و كانت الشعراء لا تقدم علي ذلك مخافة بني أمية و خشية منهم». [7] .

فحينئذ لا ينطبق هذا العنوان الا في رجل شريف ذي معرفة كاملة، و هو ذلك الصحابي الجليل و العارف النبيل جابر بن عبدالله الأنصاري - رضوان الله عليه - الذي رحل من المدينة المنورة الي كربلاء لأجل زيارة سيد الشهداء عليه السلام، فقد صرح كثير من العلماء في كونه هو أول من اكتسب شرف عنوان زائر قبر الحسين عليه السلام، و كفاه شرفا و كرامة و ذخرا.

قال الشيخ المفيد: «و في اليوم العشرين منه (صفر).. هو اليوم الذي و رد فيه جابر بن عبدالله بن حزام الأنصاري صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله، و رضي الله تعالي عنه من المدينة الي كربلاء لزيارة قبر سيدنا أبي عبدالله عليه السلام، فكان أول من زاره من الناس». [8] .

و به قال الشيخ الطوسي [9] و العلامة الحلي [10] و الشيخ رضي الدين علي بن يوسف بن المطهر الحلي [11] و الكفعمي [12] و المجلسي [13] و المحدث النوري [14] . و غيرهم.



پاورقي

[1] مثير الأحزان: 110، عنه بحارالأنوار، 293:45.

[2] انظر: تذکره الخواص: 272 (و فيه: و ذکر الشعبي و حکاه ابن‏سعد أيضا قال: مر سليمان بن قتة بکربلاء و نظر الي مصارع القوم فبکي حتي کاد أن يموت ثم قال..)؛ الملهوف: 233 (و فيه: و قد بکي علي المنازل المشار اليها فقال..)؛ ينابيع المودة 100:3 (و فيه: وقف سليمان علي مصارع الحسين و أهل بيته رضي الله عنهم، و جعل يبکي و يقول..).

[3] انظر: الطبقات: 92 (ترجمة الامام الحسين عليه‏السلام من القسم غير المطبوع)؛ مقاتل الطالبيين: 121؛ أنساب الأشراف 420:3؛ المناقب 117:4؛ مروج الذهب 64:3؛ تهذيب الکمال 447:6؛ سير أعلام النبلاء 318:3؛ الاستيعاب 379:1؛ البداية و النهاية 213:8؛ جواهر العقدين 333:2.

[4] ميزان الحکمة 277:10، ح 20661 و ح 20662.

[5] ميزان الحکمة 277:10، ح 20661 و ح 20662.

[6] الطبقات: 92 (ترجمة الامام الحسين عليه‏السلام و مقتله من القسم غير المطبوع)؛ تذکرة الخواص: 272.

[7] مقاتل الطالبيين: 121.

[8] مسار الشيعة: 46.

[9] مصابح المتهجد: 730.

[10] منهاج الصلاح علي ما في لؤلؤ و مرجان: 147.

[11] العدد القوية: 219 رقم 11؛ عنه بحارالأنوار، 195:98.

[12] مصباح الکفعمي: 489.

[13] بحارالأنوار، 334:101.

[14] مستدرک الوسائل 580:3.