ملاحظات
ذكر بعض وقوع المكالمة بين يزيد و الامام زين العابدين عليه السلام و الاستناد بتلك الآيات الشريفة في هذه المواقف:
1-قال ابن قتيبة: «و ذكروا أن أبامعشر قال: حدثني محمد بن الحسين بن علي [1] قال:
دخلنا علي يزيد و نحن اثنا عشر غلاما مغللين في الحديد، و علينا قمص، فقال يزيد: أخلصتم أنفسكم بعبيد أهل العراق؟ و ما علمت بخروج أبي عبدالله حين خرج و لا بقتله حين قتل، فقال علي بن الحسين: (ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير - لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور). [2] .
فغضب يزيد و جعل يعبث بلحيته و قال: (و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير) [3] ، يا أهل الشام ما ترون في هؤلاء؟
فقال رجل من أهل الشام: لا تتخذن من كلب سوء جروا..». [4] .
فبناء علي ما ذكره ابن قتيبة لم يفسح المجال للامام حتي يقوم بالجواب.
2- ذكر ابن عبد ربه عن علي بن عبد العزيز عن محمد بن الضحاك بن عثمان الخرامي عن أبيه قال: «فقتله (أي الامام الحسين عليه السلام) عبيدالله و بعث برأسه و ثقله الي يزيد، فلما وضع الرأس بين يديه تمثل بقول حصين بن الحمام المري:
يفلقن هاما من رجال أعزة
علينا و هم كانوا أعق و أظلما
فقال له علي بن الحسين - و كان في السبي -: كتاب الله أولي بك من الشعر،
يقول الله: (ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير - لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور). [5] .
فغضب يزيد و جعل يعبث بلحيته، ثم قال: غير هذا من كتاب الله أولي بك و بأبيك، قال الله: (و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير) [6] ، ما ترون يا أهل الشام في هؤلاء؟..». [7] .
فبناء علي هذا الخبر - أيضا - لم يفسح يزيد المجال لاجابة الامام عليه السلام.
أورد الحافظ الطبراني باسناده عن الليث قال: «أبي الحسين بن علي رضي الله عنهما أن يستأسر [8] ، فقاتلوه فقتلوه و قتلوا بنيه و أصحابه الذين قاتلوا معه بمكان يقال له الطف، و انطلق بعلي بن حسين و فاطمة بنت حسين و سكينة بنت حسين الي عبيدالله بن زياد و علي يومئذ غلام قد بلغ، فبعث بهم الي يزيد بن معاوية، فأمر بسكينة فجعلها خلف سريره لئلا تري رأس أبيها و ذو قرابتها و علي بن الحسين رضي الله عنهما في غل فوضع رأسه فضرب علي ثنيتي الحسيسن رضي الله عنه فقال:
نفلق هاما من رجال أحبة
الينا و هم كانوا أعق و أظلما
فقال علي بن الحسين رضي الله عنه:
(ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم الا في كتاب من
قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير). [9] .
فثقل علي يزيد أن يتمثل ببيت شعر و تلا علي آية من كتاب الله عزوجل، فقال يزيد: بل (بما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير). [10] .
فقال علي عليه السلام أما والله لو رآنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مغلولين لأحب أن يخلينا من الغل.
قال: صدقت، فخلوهم من الغل.
قال: و لو وقفنا بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأحب أن يقربنا.
قال: صدقت، فقربوهم.
فجعلت فاطمة و سكينة يتطاولان لتريان رأس أبيهما، و جعل يزيد يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما..». [11] .
التأمل الذي ذكرناه يجري في هذا النقل، و علي فرض صحته فالكلام الواقع بين الامام و يزيد محمول علي ارادة الامام تجريد يزيد من سلاحه و ذلك بتعريف نفسه و أهل بيته بأنهم أولاد رسول الله صلي الله عليه و آله، و أن ما يجري باسم الخلافة الاسلامية هو علي خلاف سنة رسول الله صلي الله عليه و آله، و قد نجح الامام عليه السلام في ذلك.
قال ابن أعثم و الخوارزمي - و اللفظ للأول -:
«فتقدم علي بن الحسين حتي وقف بين يدي يزيد بن معاوية، و جعل يقول:
لا تطمعوا أن تهينونا و نكرمكم
و أن نكف الأذي عنكم و تؤذونا
فالله يعلم أنا لا نحبكم
و لا نلومكم ان لم تحبونا
فقال يزيد: صدقت يا غلام، ولكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين، فالحمدالله الذي أذلهما و سفك دماءهما!
فقال له علي بن الحسين:
يابن معاوية و هند و صخر، لم يزل آبائي و أجدادي فيهم الامرة من قبل أن تلد [تولد]، و لقد كان جدي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يوم بدر و أحد و الأحزاب في يده راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبوك وجدك في أيديهما رايات الكفر.
ثم جعل علي بن الحسين يقول:
ماذا تقولون ان قال النبي لكم
ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم
بعترتي و بأهلي بعد منقلبي
منهم أساري و منهم ضرجوا بدم
أكان هذا جزائي أن نصحتكم
أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
ثم قال علي بن الحسين:
ويلك يا يزيد، انك لو تدري ما صنعت و ما الذي ارتكبت من أبي و أهل بيتي و أخي و عمومتي اذا لهربت في الجبال و فرشت الرمال و دعوت بالويل و الثبور، أن يكون رأس الحسين بن فاطمة و علي منصوبا علي باب المدينة و هو وديعة رسول الله فيكم صلي الله عليه و آله و سلم، فأبشر بالخزي و الندامة غدا، اذا جمع الناس ليوم لا ريب فيه». [12] .
و فيه نقاط للبحث و التأمل:
1- صلابة موقف الامام و صموده في المقام.
2- جعل الامام مسؤولية قتل الامام الحسين عليه السلام - و ما جري في وقعة الطف و بعده - علي عاتق يزيد و تنبيهه لعمق الفاجعة الكبري، و وعيده بنار جهنم.
3- تبيين موضع جبهة يزيد بأنه و أباه وجده كانوا علي خط الباطل، و في قباله هو و أبوه وجده علي نهج الحق، و أن النهضة الحسينية هي استمرار لتلك المواجهة و المقابلة.
4- و في هذا الخبر أيضا ما يفضح يزيد نفسه، فقد رأينا أنه يحاول أحيانا أن يتخلي عن مسؤولية قتل الامام الحسين و يدعي كذبا و زورا بعدم علمه بقتل الحسين عليه السلام و عدم رضاه بذلك، بينما نراه - في هذا الخبر - يفصح عما في ضميره و يصرح بفرحه و سروره بقتل سيد الشهداء و يحمدالله علي ذلك!
پاورقي
[1] الظاهر هنا سقط، و هو کلمة علي بن، و الصحيح هو محمد بن علي بن الحسين بن علي الذي ينطبق علي الامام محمد الباقر الذي کان حاضرا في مجلس يزيد.
[2] الحديد: 23 - 22.
[3] الشوري: 30.
[4] الامامة و السياسة 8:2. و روي مضمونه: العقد الفريد 131:5؛ شرح الأخبار 268:3، ح 1172؛ جواهر المطالب 272:2؛ و ذکره تاريخ الطبري 355:4 بتفاوت.
[5] الحديد: 23 - 22.
[6] الشوري: 30.
[7] العقد الفريد 131:5. انظر: تذکرة الخواص: 262؛ کفاية الطالب: 432؛ جواهر المطالب 271:2.
[8] جاء في المصدر أن يستأنس، و هو تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه، کذا في تاريخ الاسلام للذهبي 18 و سير أعلام النبلاء 319:3 و تاريخ مدينة دمشق 493:19 و مجمع الزوائد 195:9..
[9] الحديد: 22.
[10] الشوري: 30.
[11] المعجم الکبير 109:3، ح 2806. و روي ذلک تاريخ مدينة دمشق - ترجمة فاطمة بنت الحسين - 493:19؛ سير أعلام النبلاء 319:3؛ تاريخ الاسلام: 18؛ مجمع الزوائد 195:9.
[12] الفتوح 184:2، انظر: مقتل الخوارزمي 62:2؛ تسلية المجالس 286:2؛ بحارالأنوار 135:45.