بازگشت

كيف ورد أهل بيت الحسين دمشق


لقد دخل أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله دمشق نهارا و أهلها قد علقوا الستور و الحجب و الديباج، فرحين مستبشرين، و نساؤهم يلعبن بالدفوف، و يضربن علي الطبول، كأنه العيد الأكبر عندهم.


روي الخوارزمي باسناده عن زيد عن أبيه عليه السلام قال: «أن سهل بن سعد قال: خرجت الي بيت المقدس حتي توسطت الشام فاذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقوا الستور و الحجب و الديباج و هم فرحون مستبشرون و عندهم نساء يلعبن بالدفوف و الطبول، فقلت في نفسي: لعل لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن. فرأيت قوما يتحدثون، فقلت: يا هؤلاء ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟ قالوا: يا شيخ نراك غريبا! فقلت: أنا سهل بن سعد قد رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و حملت حديثه، فقالوا: يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دما و الأرض لا تخسف بأهلها. قلت: و لم ذاك؟ فقالوا: هذا رأس الحسين عترة رسول الله صلي الله عليه و آله يهدي من أرض العراق الي الشام و سيأتي الآن. قلت: واعجباه! يهدي رأس الحسين و الناس يفرحون؟! فمن أي باب يدخل؟ فأشاروا الي باب يقال له باب الساعات، فسرت نحو الباب، فبينما أنا هنالك اذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا و اذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان و عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله، و اذا النسوة من ورائه علي جمال بغير وطاء، فدنوت من أحداهن فقلت لها: يا جارية، من أنت؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين. فقلت لها: ألك حاجة الي - فأنا سهل بن سعد، ممن رأي جدك و سمعت حديثه؟ قالت: يا سهل، قل لصاحب الرأس أن يتقدم بالرأس أمامنا حتي يشتغل الناس بالنظر اليه فلا ينظرون الينا، فنحن حرم رسول الله.

قال: فدنوت من صاحب الرأس و قلت له: هل لك أن تقضي حاجتي و تأخذ مني أربعمائة دينار؟ قال: و ما هي؟ قلت: تقدم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك،و دفعت له ما وعدته..». [1] .


ان هذه الرواية تكشف عن عدة نقاط:

1- الوضع العام، المتمثل بحالة الفرح و الانبساط و الاشتغال باللهو، و هي ناشئة عن الجهل السائد، و قد بينا جذوره في مدخل هذا الكتاب.

2- الوضع الخاص، و هو وجود ضمائر حية تعرف الأمور، و تميز الحق من الباطل، ممن رأي سهل بن سعد بعضهم مصادفة، و سمع منهم هذا الكلام: (يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دما و الأرض لا تخسف بأهلها، هذا رأس الحسين عترة رسول الله صلي الله عليه و آله يهدي من أرض العراق الي الشام)، و أغلب الظن أنهم قاموا بدور مهم في ايقاظ الناس، بعد ما فسح لهم المجال، الي جانب الدور المهم الذي أداه أهل بيت الحسين عليه السلام في الشام، و ان لم نعلم تفاصيل ذلك.

3- اهتمام حرم الحسين عليه السلام بمسألة الحجاب و حفظ مكانة المرأة في الاسلام، مع كونهم في مأساة كبيرة لا تتصورها العقول، فلقد قدموا من سفر بعيد، و نالت منهم جراحات اللسان و السنان ما نالت، و مع ذلك تقول سكينة: «قل لصاحب الرأس أن يتقدم بالرأس أمامنا حتي يشتغل الناس بالنظر اليه فلا ينظرون الينا، فنحن حرم رسول الله».

و نحو ذلك ما رواه السيد ابن طاوس و ابن نما، قال - و اللفظ للأول -: «قال الراوي: و سار القوم برأس الحسين عليه السلام و نسائه و الأسري من رجاله فلما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من الشمر - و كانت من جملتهم - فقالت: لي اليك حاجة، فقال: و ما حاجتك؟ قالت: اذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة، و تقدم اليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل و ينحونا عنها، فقد خزينا من كثرة النظر الينا و نحن في هذه الحال، فأمر في جواب سؤالها أن تجعل الرؤوس علي الرماح في أوساط المحامل - بغيا و كفرا - وسلك بهم بين النظارة


علي تلك الصفة، حتي أتي بهم الي باب دمشق، فوقفوا علي درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي». [2] .

و روي أن السبايا لما وردوا مدينة دمشق أدخلوا من باب يقال له باب «توما». [3] .

و روي محمد بن أبي طالب قال: «ان رؤوس أصحاب الحسين و أهل بيته كانت ثمانية و سبعين رأسا و اقتسمتها القبائل ليتقربوا بذلك الي عبيدالله و الي يزيد». [4] .


پاورقي

[1] مقتل الخوارزمي 60:2؛ تسلية المجالس 379:2؛ بحارالأنوار 127:45.

[2] الملهوف: 210. و نحوه في مثير الأحزان: 97 و فيه: فأمر (شمر) بضد ما سألته بغيا منه و عتوا.

[3] مقتل الخوارزمي 61:2.

[4] بحارالأنوار 62:45.