بازگشت

تأمل ابن حجر


تأمل ابن حجر في صواعقه و اتخذ طريقا آخر حول هذه المسألة، قال: «اعلم أن أهل السنة اختلفوا في تكفير يزيد بن معاوية و ولي عهده من بعده، فقالت طائفة انه كافر لقول سبط ابن الجوزي و غيره المشهور أنه لما جاءه رأس الحسين رضي الله عنه جمع أهل الشام و جعل ينكت رأسه بالخيزران و ينشد أبيات ابن الزبعري: ليت أشياخي ببدر شهدوا الأبيات المعروفة، و زاد فيهما بيتين مشتملين علي صريح الكفر... و قالت طائفة ليس بكافر لأن الأسباب الموجبة للكفر لم يثبت عندنا منها شي ء، و الأصل بقاؤه علي اسلامه حتي يعلم ما يخرجه عنه، و ما سبق أنه المشهور يعارضه ما حكي أن يزيد لما وصل اليه رأس الحسين قال: رحمك الله يا حسين لقد قتلك رجل لم يعرف حق الأرحام، و تنكر لابن زياد و قال: قد زرع لي العداوة في قلب البر و الفاجر. ورد نساء الحسين و من بقي من بنيه مع رأسه الي المدينة ليدفن الرأس بها.

و أنت خبير بأنه لم يثبت موجب واحدة من المقالتين، و الأصل أنه مسلم،


فنأخذ بذلك الأصل حتي يثبت عندنا ما يوجب الاخراج عنه، و من ثم قال جماعة من المحققين ان الطريقة الثابتة القويمة في شأنه التوقف فيه و تفويض أمره الي الله سبحانه، لأنه العالم بالخفيات و المطلع علي مكنونات السرائر و هو اجلس الضمائر، فلا نتعرض لتكفيره أصلا، لأن هذا هو الأحري و الأسلم، و علي القول بأنه مسلم فهو فاسق شرير سيكر جائر كما أخبر به النبي صلي الله عليه و آله و سلم». [1] .

نقول: أن هذه الطريقة غير قويمة؛ و ذلك لعدة أمور:

أولا: انه بعد ما نقل المؤلف الشهرة في المقام عن سبط ابن الجوزي و غيره بزيادة يزيد بيتين مشتملين علي صريح الكفر فلا مجال له أن يقول: و الأصل أنه مسلم، فنأخذ بذلك حتي يثبت عندنا ما يوجبه الاخراج، فأي موجب أدل من كلامه الصريح، و لولا التواتر في النقل فالشهرة القائمة كافية لاثبات ذلك، كما نقلها.

أضف الي ذلك ما قاله الآلوسي: «و ما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة علي عدم تصديقه من القاء ورقة من المصحف الشريف في قذر». [2] .

ثانيا: و أما ما ادعاه من تعارض الشهرة بالمحكي - مع فرض صحة المحكي - فلا تعارض في البين، لأننا نقول انه تمثل بالأبيات و زاد فيها البيتين المشتملين علي صريح الكفر، و مع ذلك لما رأي انقلاب الأمر و تغير الأوضاع و خاف الفتنة و رأي الزلزال في ملكه تفوه بهذه الكلمات، و الدليل علي ذلك ما نقله المؤلف في هذه المقالة أن يزيد تنكر لابن زياد و قال: «قد زرع لي العداوة في قلب البر و الفاجر»، هذا يؤيد أنه اتخذ هذا الموقف بعد ما ثبت لديه استنكار الرأي العام.


ثالثا: أن الاحتياط في المسألة أن يتخذ الانسان موقفا مناسبا في هذه المأساة الكبري، انها فاجعة قتل الحسين عليه السلام الذي بكي الرسول علي قتله قبل مقتله كرارا، و لعن قاتله مرارا، فما فعله ابن الحجر من الاحتياط هو خلاف الاحتياط.


پاورقي

[1] الصواعق المحرقة: 330.

[2] تفسير روح المعاني 73:26. سيأتي قوله تفصيلا في رأيه في لعن يزيد.