بازگشت

معاوية مؤسس الحكومة الأموية السوداء


لما هلك يزيد بن أبي سفيان والي دمشق سنة 18 من الهجرة، ولي عمر بن الخطاب أخاه معاوية بن أبي سفيان، فلم يزل و اليا لعمر حتي قتل عمر، ثم ولاه


عثمان و أقر عمال عمر علي الشام، فلما مات عبدالرحمن بن علقمة الكناني - و كان علي فلسطين - ضم عمله الي معاوية، و كان عمير بن سعيد الأنصاري في سنة 21 علي دمشق و الثنية و حوران و حمص و قنسرين و الجزيرة، و معاوية علي الأردن و فلسطين و السواحل و أنطاكية و معرة و مصرين و قيليقية، ثم جعل عمير في سنة 23 علي حمص و معاوية علي دمشق.

اجتمع الشام علي معاوية لسنتين من امارة عثمان، أضاف عثمان اليه حمص و حماة و قنسرين و العواصم و فلسطين مع دمشق، وزرقه ألف دينار كل شهر. [1] .

و هكذا ترسخ الحكم الأموي في الشام في ظل قيادة و توجهات جاءت خطواتها تنفيذا لما قاله أبوسفيان بعد استقرار خلافة عثمان: «يا بني أمية، تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبوسفيان ما زلت أرجوها لكم، و لتصيرن الي صبيانكم وراثة». [2] .

يقول صاحب الخطط: «و ما زال عثمان علي شيخوخته مغلوبا لمروان و بني أمية، أخذ الناس ينقمون في الحجاز و غيره علي عثمان لست سنين من خلافته، فاجتمع ناس من أصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و كتبوا كتابا ذكروا فيه عدة أمور منها ما كان من هبته خمس أفريقية لمروان، و ما كان من تطاوله في البنيان حتي عدوا سبع دور بناها بالمدينة دارا لنائلة و دارا لعائشة و غيرهما من أهله و بناته، و بنيان مروان القصور بذي خشب و عمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله و لرسوله، و ما كان في افشائه العمل و الولايات في أهله و بني عمه من بني أمية أحداث و غلمة لا صحبة لهم من الرسول و لا تجربة لهم بالأمور» [3] ، الي أن حصلت فتنة قتل عثمان.


يقول محمد فريد وجدي: «لما قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان و تولي الخلافة علي بن أبي طالب و هو من قريش، حدث شقاق بين الأسرتين الأموية و القرشية، و تداعي الناس الي العصبية الجاهلية، و كان في مقدمة النافخين في نار هذه الفتنة معاوية بن أبي سفيان الأموي والي الشام، فقام يطالب بدم عثمان متهما علي بن أبي طالب بالاغراء علي قتله، و لما كانت ولايته للشام منذ عشرين سنة و أهل الشام لا يدرون من أمر الخلافة الا ما كان يريد لهم، التفت حوله جموع منهم أكثرهم من شذاذ القبائل العربية و أصحاب المطامع الذاتية، فشق عصا الطاعة لعلي وادعي لنفسه الخلافة...» [4] .

لقد استفاد معاوية من جهل الناس أقصي ما يمكن مستندا الي مكره وشيطنته، و لقد كان أهل الشام قريبي العهد بالاسلام، ما عرفوه الا من خلال حكم الخلفاء و امارة أمرائهم، و ما وجدوه الا مجسدا في شخص معاوية المتستر بالدين، فهو يؤمهم بالصلاة و هم يقتدون به، يخطبهم في الجمع، و يترأسهم باسم الخلافة الاسلامية، و يدير شؤونهم في الحرب والسلم.

و انتهز معاوية الفرصة في فتنة قتل عثمان. و مع أنه كان منصوبا من قبله علي الشام و أميرا من أمرائه لم يلب دعوته لنصرته حين كتب عثمان اليه: ان أهل المدينة قد كفروا! وخلعوا الطاعة و نكثوا البيعة، فابعث الي من قبلك من مقاتلة أهل الشام علي كل صعب و ذلول.

و لقد أخطأ صاحب الخطط اذ زعم أن معاوية تربص به وكره اظهار مخالفة أصحاب رسول الله و قد علم اجتماعهم، فأبطأ أمره علي عثمان حتي قتل. [5] .

و انما أراد معاوية أن يبدل الامارة بالخلافة.


و بعد قتل عثمان تستر بقميصه و به رسخ أركان حكمه و حكومة أسرته، و بث الفتنة في أوساط المجتمع الاسلامي، و حمل راية الشقاق و الخلاف ضد خليفة المسلمين الشرعي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال في الخطط: «اغتنم معاوية هذه الفرصة السانحة في مقتل عثمان ليعيد الأمر الي بني أمية و يصبحوا أمراء في الاسلام!.. و كان النعمان بن بشير أتاه الي دمشق بقميص عثمان الذي قتل فيه مخضبا بدمه، و بأصابع نائلة زوجته، فوضع القميص علي منبر دمشق، و كتب بالخبر الي الأجناد، و ثاب اليه الناس، و بكوا سنة و هو علي المنبر و الأصابع معلقة في أردانه، و تعاهد الرجال من أهل الشام علي قتل قتلة عثمان و من عرض دونهم بشي ء أو تفني أرواحهم، و كان ستون ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان... و كان عمرو بن العاص لما نشب الناس في أمر عثمان في ضيعة له بالسبع من حيز فلسطين قد اعتزل الفتنة! فاستدعاه معاوية يسترشد برأيه و وعده بملك مصر ان هو ظفر بعلي، فارتأي عمرو أن يجلب معاوية شرحبيل بن المسط الكندي رأس أهل الشام، فسار هذا يستقري مدنها مدينة مدينة يحرض الناس علي الأخذ بدم عثمان، فأجابه الناس كلهم الا نفرا من أهل حمص نساكا، فانهم قالوا نلزم بيوتنا و مساجدنا و أنتم أعلم منا...» [6] .

و من هنا انطلقت شرارة حرب صفين، و لا مجال لذكر تفاصيلها الآن.


پاورقي

[1] خطط الشام 100:1.

[2] الغدير 278:8.

[3] خطط الشام 103:1.

[4] دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي 622:1.

[5] خطط الشام 103:1.

[6] خطط الشام 105:1.