بازگشت

فتح الشام


كانت الشام من أول الأقطار التي فكر الرسول صلي الله عليه و آله في أمرها لنشر كلمة التوحيد و بث الدعوة الي الاسلام، و كانت تحت حكم الرومان منذ سبعة قرون، و ملكها صاحب مملكة بيز نطية أو مملكة الروم الشرقيه و يعرف باسم هرقل، و كانت علائق عرب الحجاز في الجاهلية كثيرة جدا مع أهل هذا القطر.

بلغ رسول الله صلي الله عليه و آله أن بدومة الجندل جمعا كثيرا يريدون أن يدنوا من المدينة و هي طرف من أفواه الشام، بينها و بين دمشق خمس ليال، و بينها و بين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة، فندب رسول الله صلي الله عليه و آله الناس و استخلف علي المدينة و خرج في ألف من المسلمين فكان يسير الليل و يكمن النهار.. الي أن صالحهم النبي صلي الله عليه و آله علي الجزية و ذلك في السنة السادسة من الهجرة، ثم أرسل صلي الله عليه و آله كتابا الي هرقل - و هو بالشام - و الحارث بن أبي شمر - أمير دمشق - يدعوهما الي الاسلام، و في السنة الثامنة للهجرة بعث رسول الله صلي الله عليه و آله سرية كعب بن عمير الغفاري الي ذات أطلاح من ناحية الشام و هي وراء وادي القري بين تبوك و أذرعات... و في هذه السنة استنفر الرسول الناس الي الشام فكانت غزوة ذات السلاسل.. و من السرايا التي أرسلت الي الشام سرية زيد بن حارثة الي جذام بحسمي وراء وادي القري مما يلي فلسطين من أرض الشام.. و فيه غزوة مؤتة التي بعث النبي صلي الله عليه و آله جيشا مؤلفا من ثلاثة آلاف مقاتل بلغوا تخوم البلقاء فلقيتهم جموع هرقل و معهم العرب المتنصرة بقرية من قري البلقاء يقال لها مشارف، فانحاز المسلمون الي قرية يقال لها مؤتة، فلقيتهم الروم في جمع عظيم، فاستشهد من الأمراء زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبدالله بن رواحة...

و في السنة التاسعة من الهجرة حصلت غزوة تبوك، و كان مع الرسول صلي الله عليه و آله


ثلاثون ألفا و الخيل عشرة آلاف و الجمال اثنا عشر ألفا.. الي أن صالح الرسول صلي الله عليه و آله نجبة بن رؤبة أسقف أيلة علي البحر الأحمر، صالحه علي الجزية، و صالح الرسول أهل جربا، و أذرح من أرض الشراة، صالح أهل أذرح مائة دينار، و أهل مقنا - علي مقربة من أيلة - علي ثلاثمائة دينار و علي ربع عروكهم و غزولهم و ربع كراعهم.

و في أواخر أيام حياة رسول الله صلي الله عليه و آله جهز جيشا الي الشام و أمر عليه أسامة بن زيد، و قال: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة... [1] .

هذا خلاصة ما جري في عهد الرسول صلي الله عليه و آله بالنسبة الي اهتمامه الوافر بهذا القطر، و لا يخفي أن داعي المسألة لم يكن الا انقاذ البشرية و وضعهم علي جادة الحقيقة، و ايصالهم الي رحمة الحق، و ما كان هدف الرسول صلي الله عليه و آله توسيع رقعة حكمه جغرافيا، بل كان ذلك أمرا عرضيا تابعا لبسط كلمة التوحيد و التفاف الناس حول راية الاسلام، و انما هدفه هو هداية الناس الي الله تبارك و تعالي.

بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله تغيرت الموازين تدريجيا و انقلبت الدواعي و الحوافز شيئا فشيئا، و غرت الدنيا كثيرا من الناس، و أصبحت الغنيمة و الحصول علي المناصب الدنيوية و بسط السلطة و النفوذ من أهم الدواعي لفتوح البلدان، و هذه نقطة مهمة لابد أن نلتفت اليها و نميز بها غزوات الرسول صلي الله عليه و آله عما جري بعده، خاصة في ظل حكم بني أمية و بني العباس.

يقول صاحب خطط الشام: و بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله - بعد قتال أبي بكر أهل الردة - كتب أبوبكر الي أهل مكة و الطائف و اليمن و جميع العرب بنجد و الحجاز يستنفرهم للجهاد في الشام، و يرغبهم فيه و في غنائم الروم، فسارع الناس اليه بين


محتسب و طامع، فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال و هم يزيد بن أبي سفيان و شرحبيل بن حسنة و عمرو بن العاص... و قد شيع أبوبكر يزيد بن أبي سفيان راجلا الي ما بعد ربض المدينة و أوصاه بوصايا... الي أن وصل الجيش الي مشارف الشام فنزل في أبل وزيزاء و القسطل، و كان جيش الروم من دون زيزاء بثلث، و طلع ماهان قائد الروم و قدم قدامه الشماسة و الرهبان و القسيسين يحضون جيش الروم علي القتال، و كان هرقل و هو من عظام القواد أدرك الخطر و رأي لما أتاه الخبر بقرب جيش المسلمين أن لا يقاتلهم و يصالحهم، و قال لقومه: فوالله لأن تعطوهم نصف ما أخرجت الشام و تأخذوا نصفا و تقربكم جبال الروم خير لكم من أن يغلبوكم علي الشام و يشاركوكم في جبال الروم، فلما رآهم يعصونه و يردون عليه بعث أخاه تيودورا و أمر الأمراء، و أول وقعة كانت بين المسلمين و الروم بقرية من قري غزة يقال لها دائن في 12 ه، كانت بينهم و بين بطريق غزة، فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزم الروم، و توجه يزيد بن أبي سفيان في طلب ذلك البطريق... و انتهي اليه ستة من قواد الروم.. و هزم الروم هزمهم المسلمون... أما أبوعبيدة فصالحهم، و خالد بن الوليد حاربهم... حتي أن فتح المسلمون جميع أرض حوران و غلبوا عليها سنة 13 ه، و أهم الوقائع التي انهزم فيها الروم شر هزيمة و لحق فلهم بالشمال وقعة يرموك - و اليرموك نهر - فهي الوقعة الفاصلة التي هان (للمسلمين) بها الاستيلاء علي القدس و دمشق و ما اليها، ثم علي حمص و حماة و حلب و ما اليها من البلدان... في حين ما كان خالد يريد الفتح و الغلبة جاءه البريد يعرفه بموت أبي بكر و خلافة عمر و تأمير أبي عبيدة علي الشام كله و عزل خالد، فأخذ الكتاب منه و تركه في كنانته و وكل به من يمنعه أن يخبر الناس من ألامر لئلا يضعفوا! و توفي أبوبكر قبل فتح اليرموك بعشر ليال، و بعد أن أصيب الروم بالهزيمة القاطعة علي اليرموك، كانت وقعة فحل من الأردن بعد خلافة عمر بن


الخطاب بخمسة عشر شهرا، و لما انتصر المسلمون علي اليرموك كان هرقل في البيت المقدس جاءها للاحتفال بتخليص الصليب الذي استرده قبل ذلك فصار الي أنطاكية، و استنفر الروم و أهل الجزيرة و بعث عليهم رجالا من خاصته و ثقاته، فلقوا المسلمين بفحل، فقاتلوهم أشد قتال حتي ظهروا (أي ظهر المسلمون) عليهم، و قتل بطريقهم وزهاء عشرة آلاف معه، و تفرق الباقون من مدن الشام، و لحق بعضهم بهرقل... ثم نهض المسلمون الي الروم و هم بفحل فاقتتلوا فهزمت الروم و دخل المسلمون فحل في ذي القعدة سنة 13 ه... وافتتح شرحبيل بن حسنة الأردن عنوة ما خلا طبرية فان أهلها صالحوه... و فتح عمرو بن العاص غزة ثم سبسطية و نابلس و يبني و عمودس و...، و ظلت القدس و قيسارية محاصرتين و لم تفتح القدس الا سنة خمس عشرة أي بعد فتح دمشق بسنة... [2] .


پاورقي

[1] خطط الشام 76-79 :1 (بتلخيص).

[2] خطط الشام 84 - 77 :1 (بتلخيص و تصرف).