بازگشت

نينوي


(وبسواد الكوفة ناحية يُقال لها نينوي، منها كربلاء التي قُتل بها الحسين رضي اللّه عنه) [1] و (نينوي: تقع شرق كربلاء.. وهي الموضع المعروف بباب طويريج شرقي كربلاء..). [2] .


كان الامام الحسين عليه السلام قد ارتحل بالركب الحسيني من منطقة قصر بني مقاتل آخر الليل، (فلمّا أصبح نزل فصلّي الغداة، ثمّ عجّل الركوب، فأخذ يتياسر بأصحابه يُريد أن يفرّقهم! فيأتيه الحرُّ بن يزيد فيردّهم فيردّه! فجعل إذا ردّهم إلي الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا! فلم يزالوا يتسايرون حتّي انتهوا إلي نينوي المكان الذي نزل به الحسين.

قال فإذا راكبٌ علي نجيب له وعليه السلاح متنكّب قوساً مُقبلٌ من الكوفة! فوقفوا جميعاً ينتظرونه، فلمّا انتهي إليهم سلّم علي الحرّ بن يزيد وأصحابه، ولم يُسلّم علي الحسين عليه السلام وأصحابه! فدفع إلي الحرّ كتاباً من عبيداللّه بن زياد فإذا فيه: أمّا بعدُ، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلاتُنزله إلاّ بالعراء! في غير حصنٍ وعلي غير ماء! وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولايفارقك حتّي يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام.

قال فلمّا قراء الكتاب قال لهم الحرّ: هذا كتاب الامير عبيداللّه بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله وقد أمره أن لايفارقني حتّي أُنفذ رأيه وأمره!

فنظر إلي رسول عبيداللّه يزيدُ بن زياد بن المهاصر أبوالشعثاء الكندي ثمّ النهدي [3] فعنَّ له، فقال: أمالك بن النسر البَدّي!؟


قال: نعم. وكان أحدُ كندة.

فقال له يزيد بن زياد: ثكلتك أمُّك، ماذا جئت فيه!؟

قال: وما جئتُ فيه!؟ أطعتُ إمامي ووفيت ببيعتي!

فقال له أبوالشعثاء: عصيتَ ربّك وأطعتَ إمامك في هلاك نفسك! كسبت العار والنار! قال اللّه عزّ وجلّ (وجعلنا منهم أئمّة يدعون إلي النار ويوم القيامة لاينصرون) [4] فهو إمامك!

قال وأخذ الحرُّ بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان علي غير ماء ولافي قرية! فقالوا: دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوي، أو هذه القرية يعنون الغاضرية، [5] أو هذه الاخري يعنون الشفيّة! [6] .

فقال: لاواللّه ما استطيع ذلك! هذا رجلٌ قد بُعث إليَّ عيناً!

فقال له زهير بن القين: يا ابن رسول اللّه! إنّ قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا مِن بعد من تري مالاقِبَل لنا به!


فقال له الحسين عليه السلام: ما كنت لابدأهم بالقتال.

فقال له زهير بن القين: سِرْ بنا إلي هذه القرية حتّي تنزلها فإنها حصينة، وهي علي شاطيء الفرات، فإن منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون علينا من قتال مَن يجيء من بعدهم!

فقال له الحسين: وأ يّة قرية هي؟

قال: هي العَقْر! [7] .

فقال الحسين: أللّهمّ إنّي أعوذ بك من العقر!

ثُمَّ نزل، وذلك يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم سنة 61). [8] .

وفي رواية الدينوري: (.. فقال له زهير: فها هنا قرية بالقرب منّا علي شطّ الفرات، وهي في عاقول [9] حصينة، الفرات يحدق بها إلاّ من وجه واحد!

قال الحسين: وما اسم تلك القرية؟

قال: العقر

قال الحسين: نعوذ باللّه من العقر!

فقال الحسين للحرّ: سِرْ بنا قليلاً، ثمّ ننزل!


فسار معه حتّي أتوا كربلاء! فوقف الحرّ وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير، وقال: إنزل بهذا المكان، فالفرات منك قريب!

قال الحسين: وما اسم هذا المكان؟

قالوا له: كربلاء!

قال عليه السلام:ذات كرب وبلاء!ولقد مرَّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلي صفّين وأنا معه، فوقف فسأل عنه، فأُخبر باسمه، فقال: هاهنا محطّ ركابهم، وها هنا مهراق دمائهم! فَسُئل عن ذلك، فقال: ثقل لال بيت محمّد، ينزلون هاهنا!

ثمّ أمر الحسين بأثقاله، فحُطَّت بذلك المكان يوم الاربعاء، غُرّة المحرّم من سنة إحدي وستين.). [10] .

وفي رواية السيّد ابن طاووس (ره): (ثُمَّ إنّ الحسين عليه السلام قام وركب وسار، وكلّما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه أخري، حتي بلغ كربلاء، وكان ذلك في اليوم الثاني، من المحرّم، فلمّا وصلها قال: ما اسم هذه الارض؟ فقيل: كربلا. فقال عليه السلام: أللّهم إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء! ثم قال: هذا موضع كرب وبلاء! إنزلوا، هاهنا محطّ رحالنا، ومسفك دمائنا، وهنا محلّ قبورنا! بهذا حدّثني جدّي رسول اللّه (ص)! فنزلوا جميعا.). [11] .

وفي تذكرة الخواص: (فلمّا قيل للحسين: هذه أرض كربلا. شمّها وقال: هذه واللّه هي الارض التي أخبر بها جبرائيل رسول اللّه وأنني أُقتلُ فيها!). [12] .


وفي المقتل المنسوب إلي أبي مخنف: (وساروا جميعاً إلي أن أتوا أرض كربلاء وذلك يوم الاربعاء، فوقف فرس ‍ الحسين عليه السلام، فنزل عنها وركب أخري فلم تنبعث خطوة واحدة! ولم يزل يركب فرساً بعد فرس حتّي ركب سبعة أفراس وهنّ علي هذه الحال! فلمّا رأي ذلك قال: يا قوم ما اسم هذه الارض؟

قالوا: أرض الغاضرية.

قال: فهل لها إسم غير هذا؟

قالوا: تُسمّي نينوي.

قال: أَهَلْ لها إسم غير هذا؟

قالوا: شاطي ء الفرات.

قال: أَهلْ لها إسم غير هذا؟

قالوا: تسمّي كربلاء.

فعند ذلك تنفّس الصعداء! وقال: أرض كربٍ وبلاء! ثمّ قال:

إنزلوا، هاهنا مناخ ركابنا، هاهنا تُسفك دماؤنا، هاهنا واللّه تُهتك حريمنا، هاهنا واللّه تُقتل رجالنا، هاهنا واللّه تذبح أطفالنا، هاهنا واللّه تُزار قبورنا، وبهذه التربة وعدني جدّي رسول اللّه (ص) ولاخلف لقوله. ثمّ نزل عن فرسه...). [13] .


پاورقي

[1] راجع: معجم البلدان، 5:339.

[2] راجع: خطب الإمام الحسين عليه السلام، 1:133.

[3] يزيد بن زياد بن مهاصر، أبوالشعثاء الکندي البهدلي (في رواية الطبري: النهدي). کان رضوان الله تعالي عليه رجلاشريفا شجاعا، خرج إلي الحسين عليه السلام من الکوفة قبل أن يتصل به الحر.

و روي أبو مخنف: أن أبا الشعثاء قاتل فارسا، فلما عقرت فرسه جثا علي رکبتيه بين يدي الحسين فرمي بمائة سهم، ما سقط منها إلاخمسة أسهم، و کان راميا و کان کلما رمي قال:



أنا ابن بهدله

فرسان العرجله



فيقول الحسين عليه السلام: " أللهم سدد رميته، و اجعل ثوابه الجنة " فلما نفدت سهامه قام فقال: ما سقط منها إلاخمسة أسهم، ثم حمل علي القوم بسيفه و قال:



أنا يزيد و أبي مهاصر

کأنني ليث بغيل خادر



يا رب إني للحسين ناصر

و لابن سعد تارک و هاجر



فلم يزل يقاتل حتي قتل رضوان الله عليه. (راجع: إبصار العين: 171- 172).

[4] سورة القصص: الآية41.

[5] الغاضرية: قرية منسوبة إلي غاضرة من بني أسد، و هي تقع علي بعد کيلومتر تقريبا شمال کربلاء. (خطب الإمام الحسين عليه السلام، 1:134).

[6] شفية: قرية عند کربلاء أيضا (إبصار العين:168)، و هي بئر لبني أسد. (خطب الإمام الحسين عليه السلام، 1:134).

[7] العقر: ".. و العقر عدة مواضع، منها: عقر بابل قرب کربلاء من الکوفة..." (راجع: معجم البلدان، 4:136).

[8] تأريخ الطبري، 3:309؛ و الإرشاد: 209 بتفاوت يسير، و انظر: أنساب الأشراف، 3 :384-385 و مثير الأحزان:48.

[9] عاقول الوادي ما اعوج منه، و الأرض العاقول التي لايهتدي إليها. (راجع: لسان العرب، 11:463).

[10] الأخبار الطوال: 252-253.

[11] اللهوف:35.

[12] تذکرة الخواص: 225.

[13] مقتل الحسين عليه السلام، لأبي مخنف: 75- 76.