بازگشت

اشارة


في لقاء الامام عليه السلام مع عبيداللّه بن الحرّ الجعفي تتجلي بشكل مفجع آثار مرض الوهن (حبّ الدنيا وكراهية الموت!) والشلل النفسي الذي تفشّي بدرجة واسعة وعميقة وخطيرة في هذه الامّة، بعد ارتحال رسول اللّه (ص) نتيجة المنعطفات الانحرافية التي مرّت بها الاُمّة، بفعل حركة النفاق طيلة خمسين سنة! ها هو ابن الحرّ الجعفي يعترف قائلاً: (واللّه إنّي لاعلم أنّ من شايعك كان السعيد في الاخرة!)، وهو يعلم بحكم العقل والشرع أنّ درجة وجوب نصرة الامام عليه السلام علي كلّ مسلمٍ تشتدّ كلّما اشتدّت حاجة الامام عليه السلام إلي من ينصره! لكنّه يجيب الامام عليه السلام بمنطق الوهن المتمثل بحبّ الدنيا وكراهية الموت والتثاقل إلي الارض قائلاً: (ولكن ما عسي أن أُغني عنك!؟ ولم أُخلّف لك بالكوفة ناصراً! فأُنشدك اللّه أن تحملني علي هذه الخطة! فإنّ نفسي لم تسمح بالموت!..).

ونري الامام عليه السلام الذي دعاه إلي التوبة وإلي الالتحاق بركب الربّانيين يردُّ عليه بعد أن أظهر الجعفي تثاقله الي الارض وتشبّثه بالحياة الدنيا قائلاً:

(أمّا إذا رغبتَ بنفسك عنّا فلاحاجة لنا إلي فرسك!) أو (يا ابن الحرّ! ما جئناك لفرسك وسيفك، إنّما أتيناك لنسألك النصرة! فإنْ كنت بخلت علينا بنفسك فلاحاجة لنا في شيء من مالك، ولم أكن بالذي اتخذ المضلّين عضداً!).

نعم، فالقائد الربّاني ليست حاجته الاساس إلي وسائل وأسلحة وأموال، وإن كان ذلك من العدّة، بل حاجته الاساس ‍ إلي الانسان الربّاني، المشتاق إلي لقاء ربّه، المبادر إلي طاعته، المخفّ إلي مرضاته، المسارع إلي نصرة أوليائه، المؤثر آخرته علي دنياه.. ذلك لانّ أفضل العدّة وأقوي الاسلحة علي مرّ الزمان هو الانسان الربّاني الذي يُجري اللّه علي يديه الانتصارات المعنوية الكبيرة والفتوحات الالهية المبينة!

ونري أيضاً خليفة اللّه في عصره، ووليّه الاعظم، الامام الحسين عليه السلام يعامل هذا الواهن المشلول روحياً عبيداللّه بن الحرّ الجعفي الذي خرج من الكوفة حتي لاينصر الحسين عليه السلام ولايكون ضدّه! برحمته العامة ورأفته! فيحذّره من أن يكون ممّن يسمع واعية أهل البيت فلاينصرهم فيكبّه اللّه علي وجهه في النار!


ما أخسرَ صفقة الجعفي هذا! وما أحراه بالحسرة العظمي! [1] علي ما فرّط في حظّ نفسه، وفي الفرصة النادرة التي كانت قد أُتيحت له للالتحاق بركب الربانييّن العشاق الشهداء الذين لم يسبقهم سابق ولايلحق بهم لاحق!


پاورقي

[1] روي الطبري، عن عبد الرحمن بن جندب الأزدي: أن عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسين تفقد أشراف أهل الکوفة فلم ير عبيد الله بن الحر، ثم جاءه بعد أيام حتي دخل عليه، فقال: أين کنت يا ابن الحر!؟ قال: کنت مريضا! قال: مريض القلب أو مريض البدن!؟ قال: أما قلبي فلم يمرض! و أما بدني فقد من الله علي بالعافية! فقال له ابن زياد: کذبت، و لکنک کنت مع عدونا! قال: لو کنت مع عدوک لرئي مکاني، و ما کان مثل مکاني يخفي! قال و غفل عنه ابن زياد غفلة، فخرج ابن الحر فقعد علي فرسه، فقال ابن زياد: أين ابن الحر!؟ قالوا: خرج الساعة! قال: علي به!، فأحضرت الشرط فقالوا له: أحب الأمير!

فدفع فرسه ثم قال: أبلغوه أني لاآتيه و الله طائعا أبدا! ثم خرج حتي أتي منزل أحمر بن زيد الطائي، فاجتمع إليه في منزله أصحابه، ثم خرج حتي أتي کربلاء! فنظر إلي مصارع القوم، فاستغفر لهم هو و أصحابه، ثم مضي حتي نزل المدائن و قال في ذلکک



يقول أمير غادر و ابن غادر

ألاکنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه



فيا ندمي أن لاأکون نصرته

ألاکل نفس لاتسدد نادمه



و إني لأني لم أکن من حماته

لذو حسرة ما إن تفارق لازمه



إلي آخر القصيدة...".(تاريخ الطبري، 3:343).

و هناک ترجمة مفصلة لعبيد الله بن الحر الجعفي، أوردها المرحوم المحدث الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم: 195-202) فراجعها.