بازگشت

اشارة


في عُذيب الهجانات كان مجمع بن عبداللّه العائذي (رض) قد أخبر الامام عليه السلام عن حال أهل الكوفة عن لسانه ولسان من معه قائلاً: (أما أشراف الناس فقد أُعظمتْ رشوتهم ومُلئت غرائرهم، يُستمال ودّهم ويستخلص ‍ به


نصيحتهم، فهم ألبٌ واحد عليك! وأمّا سائر النّاس بعدُ فإنَّ أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك!.).

ومن قبل هذا كان الفرزدق وبشر بن غالب وغيرهم قد أخبروا الامام عليه السلام بذلك! ثمّ ها هو الطرماح يقول له: (وقد رأيتُ قبل خروجي من الكوفة إليك بيومٍ ظهرَ الكوفة وفيه من الناس مالم تَرَ عيناي في صعيد واحدٍ جمعاً أكثر منه! فسألتُ عنهم فقيل: اجتمعوا ليُعرضوا ثمَّ يُسرَّحون إلي الحسين!) فالانباء تتابعت علي الامام عليه السلام بذلك، وفي عذيب الهجانات لم يعد ثمّة شكّ في أنّ الكوفة قد انقلبت علي عهدها مع الامام عليه السلام رأساً علي عقب، بل وقد عبّاءها ابن زياد عن بكرة أبيها واستعرض عساكرها ليسرّح بهم الي الحسين عليه السلام!

لكننا نجد الامام عليه السلام يُصرُّ علي التوجّه إلي أهل الكوفة قائلاً: (إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه علي الانصراف!..)، وعلي رواية ابن نما (ره): (إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أنْ أُخلفهم، فإنْ يدفع اللّه عنّا فقديماً ما أنعم علينا وكفي، وإنْ يكن ما لابدّ منه ففوز وشهادة إنْ شاء اللّه!). [1] .

هنا نعود لنكرّر القول ونؤكد علي هذه الحقيقة مرّة أخري: وهي أنّ من الصحيح القول إنّ الامام عليه السلام لم يشاء أن يدع لاهل الكوفة أيّة مؤاخذة عليه يمكن أن يتذّرعوا بها لو أنّه كان قد انصرف عن التوجّه إليهم أثناء الطريق، لانّهم يمكن أنّ يدّعوا أنّ الاخبار التي بلغت الامام عليه السلام عن حال الكوفة لم تكن صحيحة أو دقيقة!وأنّ أنصاراً له كثيرين فيها كانوا ينتظرونه في خفاء عن رصد السلطة! ولذا كان عليه السلام قد قال للطرّماح: (بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه علي الانصراف!). أو (إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أخلفهم!).


لكنّ أصحَّ القول: هو أنّ الامام عليه السلام كان يعلم بما لابدّ من وقوعه (وإنْ يكن ما لابدَّ منه ففوز وشهادة إنْ شاء اللّه!)، لقد كان عليه السلام يعلمُ منذ البدء أنه سوف يُقتل حتي لوكان في جُحر هامة من هوامّ الارض، وكان عليه السلام يعلم أنّ أهل الكوفة قاتلوه (هذه رسائل أهل الكوفة إليَّ ولاأراهم إلاّ قاتليّ!)، إذن فإصراره عليه السلام علي العراق دون غيره هو إصرار علي الارض المختارة للمصرع المحتوم! الارض التي ستهبُّ منها بعد مقتله عواصف التغيير والتحولات الكبري التي لاتهداء حتي تسقط دولة الامويين! الارض التي ستمتدّ منها وتتسع جميع آفاق الفتح الحسيني!


پاورقي

[1] مثير الأحزان: 40.