بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) يُلاحظ المتأمّل في هذه الخطبة القصيرة البليغة الوافية التي خطب الامام عليه السلام أصحابه بها: أنّ الامام عليه السلام ما فتاء يواصل امتحان عزائم أنصاره من خلال تذكيرهم هذه المرّة بتغيّر الامور وتنكّر الدنيا وإدبار معروفها! وأنّ ما يستقبلهم من


مجري حركة الاحداث لايحمل لهم إلاّ المكاره!

لكنّ المُلفتَ للانتباه هنا هو أنّ الامام عليه السلام في هذه الخطبة أيضاً كان يحثّ أصحابه ويحرّضهم علي التمسّك بنصرته! فهاهو يذكّرهم بأنّ مابقي من الدنيا ليس إلاّ كماءٍ ضئيل في قعر إناء صغير! والايّام الباقية من هذا العمر في ظلّ حكومة الطاغوت أيّام لاعزّة فيها، عيشها خسيس كالمرعي الوبيل! في عالم لايُعمل فيه بالحقّ، ولايُتناهي فيه عن الباطل! فالاولي للمؤمن أن يرفض هذا العيش الذليل النكد، راغباً في لقاء اللّه تحت راية قائم بالحقّ، فإنّ أفضل الموت القتل في سبيل اللّه، وهو الشهادة والسعادة! وإنّ أسواء حياةٍ حياةٌ بذُلٍّ تحت قهر الظالمين، إنها التعاسة والبرم!

وهنا كان أنصاره عليه السلام قد أدركوا مراده من هذه المقالة، وعلموا أنّه محزون لقلّة ناصريه! وأنّه أراد أن يختبر نيّاتهم وعزائمهم في المضيّ معه حتي الشهادة! فبادر زهير بن القين (رض) عن لسان جميع الانصار ثمّ تصدّي بالقول نافع بن هلال (رض) وبُرير بن خضير (رض) كما في رواية ابن طاووس (ره) لتطمين الامام عليه السلام بأنّهم ثابتون علي نيّاتهم وبصائرهم، وعلي عهدهم في موالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، وأنهم موقنون بأنّ اللّه قد منّ عليهم بالامام عليه السلام إذ فتح لهم باب الجهاد بين يديه ليفوزوا بالشهادة وهي أقصي أمنيّة المؤمنين الصادقين!

والانسانية لم تزل إلي اليوم وتبقي إلي قيام الساعة تقراء قصة هذا المشهد الرائع من مشاهد مسيرة الركب الحسيني، فتقف إجلالاً وإكباراً لمقالة كلّ من نافع وبرير رضوان اللّه تعالي عليهما، وتتأمل بخشوع وإعجاب لاينقضي في المعاني السامية لاُنشودة الفداء والمواساة التي تضمّنتها مقالة زهير بن القين رضوان اللّه تعالي عليه: (واللّه، لو كانت الدنيا لنا باقية، وكُنّا فيها مخلّدين، إلاّ أنّ فراقها في نصرك ومواساتك، لاثرنا الخروج معك علي الاقامة فيها!!).


2) ويستفاد أيضاً من قوله عليه السلام: (ألاترون أنّ الحقّ لايعمل به، وأنّ الباطل لايُناهي عنه!؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّاً! فإنّي لاأري الموت إلاّ شهادة ولاالحياة مع الظالمين إلاّ برما) أنّ المؤمنين جميعاً في كلّ عصر في مثل هذه الحال أمام تكليف عام بالقيام للّه، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل علي تغيير واقع حياة الامة الاسلامية علي أساس ما أمر اللّه تعالي به.