بازگشت

من هو الحر بن يزيد الرياحي؟


هو الحرُّ بن يزيد بن ناجية بن قَعنَب بن عتّاب [الردف] بن هرميّ بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم، فهو التميميّ اليربوعيّ الرياحيّ.

كان الحرّ شريفاً في قومه جاهلية وإسلاماً، فإنّ جدّه عتّاباً كان رديف النعمان، وولد عتّاب قيساً وقعنباً ومات، فردف قيس للنعمان ونازعه الشيبانيون، فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة.

والحرّ هو إبن عمّ الاخوص الصحابيّ الشاعر: زيد بن عمرو بن قيس بن عتّاب. وكان الحرّ في الكوفة رئيساً، ندبه ابن زياد لمعارضة الحسين عليه السلام فخرج في ألف فارس! [1] .

والظاهر من متون قصة لقاء الامام عليه السلام مع الحرّ (رض) علي رأس ألف فارس


قادماً من القادسية لمعارضة الامام عليه السلام في مسيره: أنّ الحرّ (رض) كان يومذاك عارفاً ومؤمناً بمقام ومنزلة أهل البيت (ع) عند اللّه تبارك وتعالي، وكارهاً لمأمورية خروجه لمعارضة الامام عليه السلام!

فها هو يجيب الامام عليه السلام حينما قال له: ثكلتك أمّك! ما تريد؟ قائلاً: أما واللّه لو غيرك من العرب يقولها لي، وهو علي مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل أن أقوله، كائناً من كان! ولكن واللّه مالي إلي ذكر أمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما يُقدر عليه!

ويقول للامام عليه السلام أيضاً: وأنا أعلمُ أنّه لايوافي القيامة أحدٌ من هذه الامّة إلاّ وهو يرجو شفاعة جدّك محمّد (ص)! وأنا خائف إنْ قاتلتك أن أخسر الدنيا والاخرة!...

وروي الشيخ ابن نما (ره) بإسناده أنّ الحرّ (رض) بعد أن هداه اللّه ووفّقه للانضمام إلي الامام عليه السلام (قال للحسين عليه السلام: لمّا وجّهني عبيداللّه إليك خرجت من القصر فنوديتُ مِن خلفي: أبشر يا حُرّ بخير! فالتفتُّ فلم أر أحداً! فقلتُ: واللّه ما هذه بشارة وأنا أسير إلي الحسين عليه السلام!! وما أُحدّثُ نفسي باتباعك!

فقال عليه السلام: لقد أصبت أجراً وخيراً.). [2] .

لكنّ الظاهر من مجموع سياق قصة خروجه إلي الامام عليه السلام وجعجعته به هو


أنّ الحرّ (رض) لم يكن يتوقّع أنّ القوم سوف ينتهي بهم الامر إلي مقاتلة الامام عليه السلام، ولذا نراه حينما رأي في كربلاء جدّية الموقف والحال، وأنَّ كلَّ ما حوله يؤكّد أنَّ فتيل الحرب علي وشك الاشتعال، توجّه إلي عمر بن سعد يسائله مستغرباً قائلاً: أي عمر! أمقاتلٌ أنتَ هذا الرجل!؟

فقال عمر لعنه اللّه: إي واللّه قتالاً شديداً، أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الايدي! فردّ عليه الحرّ (رض): أفما لكم فيما عرضه عليكم رضي؟!

قال عمر: أما واللّه، لو كان الامر إليَّ لفعلتُ، ولكنّ أميرك أبي!

فأقبل الحرّ حتّي وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يُقال له قُرَّة بن قيس، فقال له: يا قُرَّة! هل سقيت فرسك اليوم؟

قال: لا!

قال: فما تُريد أن تسقيه؟

قال قرّة: فظننتُ واللّه أنه يُريد أن يتنحّي ولايشهد القتال، فكره أن أراه حين يصنع ذلك، فقلت له: لم أسقه، وأنا منطلق فأسقيه.

فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فواللّه لو أنّه أطلعني علي الذي يُريد لخرجت معه إلي الحسين! فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلا، فقال له مهاجر بن أوس: ما تريدُ يا ابن يزيد!؟ أتريد أن تحمل؟ فلم يجبه، فأخذه مثل الافكل وهي الرعدة! فقال له المهاجر: إنّ أمرك لمريب! واللّه ما رأيت منك في موقف قطّ مثل هذا! ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أري منك!؟ فقال له الحرّ: إنّي واللّه أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فواللّه لاأختار علي الجنّة شيئاً ولو قُطّعتُ وأحرقتُ!!

ثمّ ضرب فرسه فلحق الحسين عليه السلام فقال له: جُعلت فداك يا ابن رسول اللّه!


أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان! وما ظننتُ أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم! ولايبلغون منك هذه المنزلة! واللّه لو علمتُ أنّهم ينتهون بك إلي ما أري ما ركبتُ مثل الذي ركبت! وأنا تائب إلي اللّه ممّا صنعتُ، فتري لي من ذلك توبة؟

فقال له الحسين عليه السلام: نعم، يتوب اللّه عليك، فانزل.

فقال: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً، أقاتلهم علي فرسي ساعة، وإلي النزول ما يصير آخر أمري!

فقال له الحسين عليه السلام: فاصنع يرحمك اللّه ما بدا لك. [3] .

وبهذا يتجلّي أنّ الحرّ (رض) لمّا رأي من القوم مالم يكن يتوقعه منهم ناقش نفسه نقاشاً جادّاً حاسماً في ظرف زمنّي صعب وعسير وقصير! ليتّخذ الموقف الصحيح بين صفّ الحقّ وصفّ الباطل، وما هي إلاّ لحظة مصيرية حاسمة تحرّر فيها الحرُّ من كلّ شلل نفسي وازدواج في داخله، فانطلق إلي الحقّ وانضمّ إليه متبرئاً من كلّ عوالق الباطل، منيباً إلي اللّه تائباً إليه، في لحظة تأريخية فريدة، وموقف رياديّ لامثيل له، جعل من إسم الحرّ الرياحيّ (رض) رمزاً لكلّ عشّاق الحقيقة الاحرار علي مرّ الدهور وتتابع الاجيال.

وكان الحرّ (رض) كما وصفه المهاجر بن أوس من أشجع أهل الكوفة، وقد روي (أن الحرّ لمّا لحق بالحسين عليه السلام قال رجل من تميم يُقال له يزيد بن سفيان: أما واللّه لو لحقته لاتبعته السِنان!

فبينما هو يقاتل، وإنّ فرسه لمضروب علي أُذنيه وحاجبيه وإنّ الدماء لتسيل، إذ قال الحصين: يا يزيد هذا الحرّ الذي كنت تتمنّاه! قال: نعم.


فخرج إليه، فما لبث الحرُّ أن قتله، [4] وقتل أربعين فارساً وراجلاً، فلم يزل يقاتل حتّي عُرْقِبَ فرسه، وبقي راجلاً وهو يقول:



إنّي أنا الحرُّ ونجلُ الحرّ

أشجع من ذي لبدٍ هِزَبْرِ



ولستُ بالجبان عند الكرّ

لكنّني الوقّاف عند الفَرِّ



كما روي أنّه (رض) قال للامام عليه السلام: (يا ابن رسول اللّه، كنتُ أوّل خارج عليك، فائذن لي لاكون أوّل قتيل بين يديك، وأوّل من يصافح جدّك غداً! وإنّما قال الحرّ: لاكون أوّل قتيل بين يديك، والمعني يكون أوّل قتيل من المبارزين، وإلاّ فإنّ جماعة كانوا قد قُتلوا في الحملة الاولي كما ذُكر فكان أوّل من تقدّم إلي براز القوم، وجعل ينشد ويقول:



إنّي أنا الحرّ ومأوي الضيف

أضرب في أعناقكم بالسيف



عن خير من حلَّ بأرض الخَيفْ

أضربكم ولاأري من حَيْفِ [5] .



وروي أنه (رض) لمّا قُتل احتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتّي وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام وبه رمق، (فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول: أنتَ الحرّ كما سمّتك أُمّك! وأنت الحرّ في الدنيا، وأنت الحرّ في الاخرة!

ورثاه رجل من أصحاب الحسين عليه السلام، وقيل: بل رثاه عليّ بن الحسين (ع):



لنِعمَ الحرُ حرُّ بني رياحِ

صبورٌ عند مختلف الرماحِ



ونعم الحرُّ إذ فادي حسيناً

وجاد بنفسه عند الصباحِ



فيا ربّي أضفه في جنانٍ

وزوّجه مع الحور الملاحِ [6] .



وله (رض) خطبة في القوم يوم عاشوراء قال فيها:


(يا أهل الكوفة! لامّكم الهبل والعبر! أدعوتم هذا العبد الصالح حتّي إذا جاءكم أسلمتموه! وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه! وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه! وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه في بلاد اللّه العريضة، فصار كالاسير في أيديكم! لايملك لنفسه نفعاً ولايدفع عنها ضرّاً! وحلاتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري! يشربه اليهود والنصاري والمجوس، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابهم! فها هم قد صرعهم العطش! بئسما خلفتم محمّداً في ذريّته، لاسقاكم اللّه يوم الضماء.). [7] .

فسلام علي رمز التحوّل الواعي السريع الجريء من ظلمات الباطل إلي نور الحقّ، سلام علي الحرّ الرياحيّ يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّاً!

إنّي لاأري الموت إلاّ شهادة، ولاالحياة مع الظالمين إلاّ برما!

وروي الطبري عن عقبة بن أبي العيزار قال: (قام حسين عليه السلام بذي حسم، فحمد اللّه وأثني عليه، ثم قال: إنّه قد نزل من الامر ما قد ترون! وإنَّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، واستمرّت جذاءً فلم يبق منها إلاّ صُبابة كصُبابة الاناء! وخسيس عيش كالمرعي الوبيل! ألاترون أنّ الحقّ لايُعمل به وأنّ الباطل لايُتناهي عنه!؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّاً، فإنّي لاأري الموت إلاشهادة ولاالحياة مع الظالمين إلاّ برما. [8] .

قال: فقام زهير بن القين البجلي فقال لاصحابه: أتتكلّمون أم أتكلّم؟


قالوا: لا، بل تكلّم.

فحمد اللّه فأثني عليه، ثمّ قال: قد سمعنا هداك اللّه يا ابن رسول اللّه مقالتك، واللّه لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلّدين، إلاّ أنّ فراقها في نصرك ومواساتك لاثرنا الخروج معك علي الاقامة فيها!!

قال: فدعا له الحسين، ثمّ قال له خيرا...). [9] .

لكنّ السيّد ابن طاووس (ره) ذكر أنّ الامام عليه السلام خطب هذه الخطبة في أصحابه، ثم ذكرها، وذكر مقالة زهير (رض)، ثمّ أضاف قائلاً: (وقال الراوي: وقام هلال بن نافع البجلي [10] فقال: واللّه ما كرهنا لقاء ربّنا! وإنّا علي نيّاتنا وبصائرنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

قال: وقام بُرير بن خضير فقال: واللّه يا ابن رسول اللّه لقد منّ اللّه بك علينا أن نقاتل بين يديك، وتُقطّع فيك أعضاؤنا، ثمّ يكون جدُّك شفيعنا يوم القيامة!.). [11] .


پاورقي

[1] راجع: إبصار العين: 203.

[2] مثير الاحزان: 59-60؛ وعنه البحار، 45:15، ونقلها المرحوم الشيخ السماوي (ره) في إبصار العين: 203-204 وفيه: أبشر يا حُرّ بالجنة!، وقد روي الشيخ الصدوق (ره) في أماليه: 131 المجلس 30، ح 1: (قال الحرّ: فلما خرجت من منزلي متوجهاً نحو الحسين عليه السلام نوديتُ ثلاثاً: يا حرّ أبشر بالجنّة! فالتفتُ فلم أر أحداً! فقلت: ثکلت الحرّ أمّه يخرج الي قتال ابن رسول اللّه ويبشّر بالجنّة؟!..).

[3] الارشاد:219؛ وانظر: تأريخ الطبري، 3 :319-321.

[4] انظر تفصيل الرواية أيضاً في تأريخ الطبري، 3:324.

[5] انظر: البحار، 45:13 و 14.

[6] انظر: البحار، 45:13 و 14.

[7] الارشاد: 219.

[8] في اللهوف: 34 (فإنّي لاأري الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما) ويُفهم من سياق اللهوف أنّ الامام عليه السلام خطب أصحابه بهذا بعد عُذيب الهجانات، لکنّ ذلک غير دقيق کما هو الظاهر.

[9] تأريخ الطبري، 3:307.

[10] هو نافع بن هلال بن نافع الجملي المذحجي (رض)، وليس هلال بن نافع البجلي قال المحقّق السماوي (ره): (نافع: يجري علي بعض الالسن ويمضي في بعض الکتب هلال بن نافع وهو غلط علي ضبط القدماء... ويمضي علي الالسن وفي الکتب البجلي وهو غلط واضح) (راجع: إبصار العين: 150)، وسنأتي علي ترجمته (رض).

[11] اللهوف: 34-35.