بازگشت

ذو حسم


وهو جبل يقع بين شراف وبين منزل البيضة، كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة يصطاد فيه. [1] .

روي الطبري عن الرجلين الاسديين (عبداللّه بن سُلَيم والمذريّ بن المشمعل) قالا: (ثمَّ ساروا منها أي شراف فرسموا صدر يومهم حتي انتصف النهار، ثم إنّ رجلاً قال: اللّه اكبر!


فقال الحسين: اللّه أكبر! ما كبّرت؟

قال: رأيت النخل!

فقال له الاسديان: إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قطّ!

قالا: فقال لنا الحسين: فما تريانه رأي؟

قلنا: نراه رأي هوادي الخيل!

فقال: وأنا واللّه أري ذلك!.. أما لنا ملجاء نلجاء إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟

فقلنا له: بلي، هذا ذو حُسم إلي جنبك تميل إليه عن يسارك فإنْ سبقت القوم إليه فهو كما تريد.

قال فأخذ إليه ذات اليسار، قال ومِلْنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبينّاها وعدلنا، فلمّا رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأنَّ أسنّتهم اليعاسيب! وكأنّ راياتهم أجنحة الطير!

قال فاستبقنا إلي ذي حُسم فسبقناهم إليه، فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضُربت، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي اليربوعي حتّي وقف هو وخيله مقابل الحسين في حرّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدو أسيافهم!

فقال الحسين لفتيانه: إسقوا القوم وارووهم من الماء! ورشّفوا الخيلَ ترشيفاً!

فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتّي أرووهم! وأقبلوا يملؤون القصاع والاتوار والطّساس من الماء ثمّ يُدنونها من الفرس، فإذا عبَّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلت عنه وسقوا آخر حتّي سقوا الخيل كلّها.


قال هشام: حدّثني لقيط، عن عليّ بن الطّعان المحاربي: كنت مع الحرّ بن يزيد، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلمّاء رأي الحسين مابي وبفرسي من العطش قال: أنِخْ الراوية والراوية عندي السقاء ثمّ قال: يا ابن أخي، أنخ الجمل! فأنخته، فقال: إشرب. فجعلتُ كلّما شربتُ سال الماء من السقاء، فقال الحسين: أخنث السقاء أي إعطفه قال جعلت لاأدري كيف أفعل! قال فقام الحسين فخنثه، فشربت وسقيتُ فرسي.

قال: وكان مجيء الحرّ بن يزيد ومسيره إلي الحسين من القادسية، وذلك أنّ عبيداللّه بن زياد لمّا بلغه إقبال الحسين بعث الحصين بن نمير التميمي وكان علي شُرطه، فأمره أن ينزل القادسية وأن يضع المسالح، فينظّم ما بين القطقطانة إلي خفّان! وقدّم الحرّ بن يزيد بين يديه في هذه الالف من القادسية فيستقبل حُسيناً!

قال فلم يزل موافقاً حُسيناً حتي حضرت الصلاة صلاة الظهر، فأمر الحسين الحجّاجَ بن مسروق الجعفي أن يؤذّن فأذّن، فلمّا حضرت الاقامة خرج الحسين في إزارٍ ورداءٍ ونعلين، فحمد اللّه وأثني عليه، ثم قال:

أيها النّاس، إنّها معذرة إلي اللّه عزّ وجل وإليكم! إنّي لم آتكم حتّي أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم: أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام. لعلّ اللّه يجمعنا بك علي الهدي، فإن كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم الي المكان الذي أقبلتُ منه إليكم!

قال فسكتوا عنه، وقالوا للمؤذّن: أقم. فأقام الصلاة.

فقال الحسين عليه السلام للحرّ: أتريد أنْ تصلّي بأصحابك؟

قال: لا، بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك!


قال فصلّي بهم الحسين، ثمّ إنّه دخل واجتمع إليه أصحابه، وانصرف الحرّ إلي مكانه الذي كان به، فدخل خيمة قد ضُربت له، فاجتمع إليه جماعة من أصحابه، وعاد أصحابه إلي صفّهم الذي كانوا فيه فأعادوه، ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس في ظلّها.

فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤا للرحيل، ثمّ إنّه خرج فأمر مناديه فنادي بالعصر وأقام، فاستقدم الحسين فصلّي بالقوم ثمّ سلّم وانصرف الي القوم بوجهه، فحمد اللّه وأثني عليه، ثمّ قال:

أمّا بعدُ أيها النّاس، فإنكم إن تتقوا وتعرفوا الحقَّ لاهله يكنْ أرضي للّه، ونحن أهل البيت أولي بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجَوْر والعدوان! وإنْ أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا، وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليَّ رسلكم انصرفت عنكم!

فقال له الحرّ بن يزيد: إنّا واللّه ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر!

فقال الحسين: يا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجَيْن اللذين فيهما كتبهم إليَّ! فأخرج خرجَيْن مملوئين صحفاً، فنشرها بين أيديهم!

فقال الحرُّ: فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتّي نقدمك علي عبيداللّه بن زياد!

فقال له الحسين: الموتُ أدني إليك من ذلك!

ثم قال لاصحابه: قوموا فاركبوا. فركبوا وانتظروا حتّي ركبت نساؤهم، فقال لاصحابه: انصرفوا بنا. فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين للحرّ: ثكلتك أمّك! ما تُريد!؟

قال: أما واللّه لو غيرك من العرب يقولها لي وهو علي مثل الحال التي أنت


عليها ما تركت ذكر أُمِّه بالثكل أن أقوله، كائناًمن كان، ولكن واللّه مالي إلي ذكر أُمِّك من سبيل إلاّ بأحسن ما يُقدر عليه!

فقال له الحسين: فما تُريد!؟

قال الحرّ: أُريد واللّه أن أنطلق بك إلي عبيداللّه بن زياد!

قال له الحسين: إذن واللّه لاأتّبعك!

فقال له الحرّ: إذن واللّه لاأَدَعُك!

فترادّا القول ثلاث مرّات، ولمّا كثر الكلام بينهما:

قال له الحرّ: إنّي لم أؤمر بقتالك وإنّما أُمرت أن لاأُفارقك حتّي أُقدمك الكوفة! فإذا أبيتَ فُخُذْ طريقاً لاتُدخلك الكوفة ولاتردّك إلي المدينة، لتكون بيني وبينك نصفاً، حتّي أكتب إلي ابن زياد، وتكتب أنت إلي يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه، أو إلي عبيداللّه بن زياد إن شئت، فلعلّ اللّه إلي ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أُبتلي بشيء من أمرك. قال: فخُذ هاهنا فتياسَرْ عن طريق العُذيب والقادسيّة. (وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلاً).

ثُمَّ إنَّ الحسين سار في أصحابه، والحرُّ يسايره...). [2] .


پاورقي

[1] راجع: إبصار العين: 44.

[2] تأريخ الطبري، 3:307 والارشاد: 206 وانظر: أنساب الاشراف، 3 :380-381، والفتوح، 5 :134-139 بتفاوت.