بازگشت

اشارة


إنّ المشورة أو الرأي الذي عرضه عمرو بن لوذان للامام عليه السلام هنا شبيه بالرأي الذي كان قد عرضه كلُّ من عبداللّه بن عبّاس (رض) [1] وعمر بن عبدالرحمن المخزومي في مكّة، [2] ولاحظنا أنّ الامام عليه السلام لم يُخطّيء هذه الاراء والمشورات والاقتراحات، بل أجاب أصحابها بما يؤكّد صحتها وصوابها وأنها كانت من


النصح والعقل والرأي.

لكنّ الامام عليه السلام مع إقراره بصحة وصواب تكلم النصائح والمشورات كان يؤكّد لكلّ من أصحابها بطريقة تتناسب ونوع المخاطَب أنّه لابدّ له من عدم الاخذ بتلكم النصائح والاقتراحات! وذلك لانّ منطق هؤلاء وان كان صحيحاً بمقياس حدود الظواهر إلاّ أنه لايتعدّي التفكير بالسلامة والمنفعة الذاتية والنصر الظاهري، في حين كان الاسلام آنئذٍ يمرُّ بمنعطف حاسم النتيجة في أن يبقي أولايبقي، وقد عبّر الامام عليه السلام عن حال الاسلام الحرجة هذه أمام مروان بن الحكم بقوله:

(وعلي الاسلام السلام إذ قد بُليت الامّة براعٍ مثل يزيد!). [3] .

كان الاسلام المحمّدي الخالص قد اشتبهت حقيقته علي أكثر هذه الامة حين اختلط عليهم بفعل جهود حركة النفاق عامة والحزب الاموي خاصة اختلاطاً عجيباً مع أباطيل وتحريفات كثيرة وكبيرة افتريت عليه ودُسَّت فيه، حتي صار من غير الممكن فصل الاسلام المحمّدي الخالص عن (الاسلام الاموي!) إلاّ إذا ارتكب الامويون الجريمة الكبري، جريمة سفك الدّم المقدّس، دم ابن رسول اللّه (ص) وإلاّ لاستمرّت عملية التحريف والمزج، حتي تصل الامّة إلي حدٍّ لاتعرف عنده إلاّ الاسلام الامويّ! فلايبقي من الاسلام المحمّدي إلاّ إسمه!

إذن فحال الاسلام يومذاك كحال المريض الذي لاينفع في علاجه إلاّ الكيّ، وقديماً قيل في المثل (آخر الدواء الكيّ!) لما يترتّب عليه من علاج حاسم!

حال الاسلام يومذاك لم يكن ينفع في علاجها منطق السياسة والمعاملة السياسية والدهاء السياسي، ورعاية المصالح الذاتية، والتفكير بالسلامة،


وحسابات الاستفادة والمنفعة والربح والخسارة الشخصيّة، وضوابط التخطيط للسيطرة علي الحكم! حال الاسلام يومذاك ماكانت لتصل إلي علاجها الحاسم وتبلغ درجة الشفاء التّام إلاّ بمنطق الشهادة! ولم يكن لها مرهمٌ إلاّ الدّم الاقدس، دم ابن رسول اللّه الذي هو دم رسول اللّه (ص) نفسه!! دم الحسين عليه السلام، الشهيد الفاتح الذي جاء من قلب (المدينة) يسعي، يحدو به الشوق إلي المصرع المختار (وما أولهني إلي أسلافي اشتياق يعقوب إلي يوسف!)، [4] في ركب من عُشّاق الشهادة لاتثنيهم عن مصارع العشق عقلائية عقلاء الظاهر ولانصائحهم ولاملامة المحجوب عن المحبوب!


پاورقي

[1] تاريخ الطبري، 3:295.

[2] تاريخ الطبري، 3:294.

[3] الفتوح، 5:24.

[4] اللهوف: 26.