بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) لم يبعث عمر بن سعد لعنه اللّه إلي الامام (ص) أحداً كما أوصاه مسلم عليه السلام، وماتفرّد به الدينوري في أنّ هذا المبعوث كان من قِبل محمّد بن الاشعث وعمر ابن سعد تعارضه رواية الطبري حيث ذكر أنّ إياسَ بن العثل الطائي كان مبعوثاً من قبل ابن الاشعث ولم يذكر عمر بن سعد معه، كما أنّ مسلماًعليه السلام أوصي ابن الاشعث بإرسال من يخبر الامام عليه السلام بمعزل عن ابن سعد وقبل أن يطلب من هذا الاخير ذلك أيضاً، ثمّ إنّ عمر بن سعد كان قد خان الوصيّة في نفس مجلس ابن زياد وتنكّر لها، فقد مضي في رواية أخري للطبري وهو المشهور أيضاً أنّ مسلماًعليه السلام قبل أن يُقتل حين سارّ عمر بن سعد بوصاياه، والتي كانت الاخيرة منها: (وابعث إلي حسين من يردّه فإنّي قد كتبت إليه أُعلمه أنّ النّاس معه، ولاأراه إلاّ مقبلاً! فقال عمر لابن زياد أتدري ما قال لي!؟ إنّه ذكر كذا وكذا! قال له ابن زياد:


إنّه لايخونك الامين ولكنْ قد يؤتمن الخائن!!). [1] .

2) مرَّ بنا قبل هذا أنّ خبر مقتل مسلم بن عقيل عليه السلام وهاني بن عروة (رض) قد بلغ الامام عليه السلام في الثعلبية، ولامانع أن يتكرر ورود هذا الخبر المفجع علي الامام عليه السلام في أكثر من منزل، وبواسطة أكثر من مُخبر، فيتجدّد اتقاد حزن الامام عليه السلام ومن معه علي هؤلاء الشهداء الابرار كلّما حدّثه قادمٌ عليه بخبرهم! فيرتجّ الموضع بالاسترجاع وبالبكاء والعويل، وتسيل الدموع لاجلهم كلَّ مسيل، كما هو الوصف في رواية السيد ابن طاووس (ره)

3) خبر مقتل عبداللّه بن يقطر (رض): أمّا قول الدينوري: ثمّ أخبره الرسول بقتل قيس بن مسهّر الصيداوي رسوله الذي وجّهه من بطن الرمّة، فهو مخالف للمشهور الذي عليه جلُّ علماء السِير من أنّ الذي وصل إلي الامام عليه السلام في زُبالة هو خبر مقتل عبداللّه بن يقطر أخيه من الرضاعة، يقول الطبري: (كان الحسين لايمرُّ بأهل ماءٍ إلاّ اتبعوه! حتّي انتهي إلي زُبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة، مقتل عبداللّه بن يقطر، [2] وكان سرّحه إلي مسلم بن عقيل من الطريق وهو لايدري أنّه قد أصيب، فتلقّاه خيل الحصين بن نمير بالقادسية، فسرّح به إلي عبيداللّه بن زياد، فقال: إصعد فوق القصر فالعن الكذّاب ابن الكذّاب ثمّ انزل حتي أري فيك رأيي! قال: فصعد، فلمّا أشرف علي النّاس قال: أيها النّاس، إنّي رسول الحسين بن فاطمة، بن بنت رسول اللّه (ص) لتنصروه وتوازروه علي ابن مرجانة، ابن سميّة الدعيّ! فأمر به عبيداللّه فأُلقي من فوق القصر إلي الارض، فكُسرت عظامه وبقي


به رمق، فأتاه رجل يُقال له: عبدالملك بن عمير اللخمي فذبحه! فلمّا عيب ذلك عليه قال: إنّما أردتُ أن أُريحه! قال هشام: حدّثنا أبوبكر بن عيّاش عمّن أخبره قال: واللّه ماهو عبدالملك بن عمير الذي قام إليه فذبحه، ولكنه قام إليه رجل جَعْدٌ طُوال يشبه عبدالملك بن عمير قال: فأتي ذلك الخبر حسيناً وهو بزُبالة، فأخرج للناس كتاباً فقراءه عليهم:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعدُ فإنّه قد أتانا خبرٌ فظيع! قُتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة وعبداللّه بن يقطر! وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام!

قال: فتفرّق الناس عنه تفرّقاً فأخذوا يميناً وشمالاً! حتّي بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة! [3] وإنّما فعل ذلك لانّه ظنّ أنّما اتبعه الاعراب لانّهم ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله! فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون علامَ يقدمون! وقد علم أنّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه إلاّ من يريد مواساته والموت معه!..). [4] .

4) تؤكّد مجموعة من المتون التأريخية علي أنّ أهل الاطماع والارتياب تفرّقوا عن الامام عليه السلام في زُبالة، بعدما شاع فيهم خبر مقتل مسلم عليه السلام وهاني بن عروة (رض) وعبداللّه بن يقطر (رض)، وبعدما خطب فيهم الامام عليه السلام أو قراء كتاباً عليهم فأعلمهم بانقلاب الامر وخذلان الشيعة في الكوفة، ثمَّ إذن لهم بالانصراف بلاذمام! كما مرَّ بنا في رواية الطبري أو كما نقل الخوارزميّ في المقتل حيث قال: (وكان قد تبع الحسين خلقٌ كثير من المياه التي يمرُّ بها لانهم


كانوا يظنّون استقامة الامور له عليه السلام، فلمّا صار بزُبالة قام فيهم خطيباً فقال:

ألاإنّ أهل الكوفة وثبوا علي مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، فقتلوهما وقتلوا أخي من الرضاعة، فمن أحبّ منكم أن ينصرف فلينصرف من غير حرج، وليس عليه منّا ذمام!

فتفرّق الناس وأخذوا يميناً وشمالاً، حتي بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من مكّة، وإنّما أراد أن لايصحبه إنسان إلاّ علي بصيرة!)، [5] أو (فكَرِهَ أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون علامَ يقدمون! وقد علم أنّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه إلاّ من يريد مواساته والموت معه!..). [6] .

ونقول: تلك هي سُنّة القادة الربانييّن في قيامهم، إنهم يريدون العدّة وكثرة الانصار، ولكنْ ليس أيّ ناصر وكيفما كان!، بل الناصر (الرِبيُّ): [7] الشديد التمسّك بإطاعة الامر الالهي، الذي يُقدم علي تنفيذ الامر الالهي ناظراً إلي التكليف لاإلي النتيجة!، قد نزع قلبه من كلّ عوالق الدنيا وما فيها وأخلصه لطاعة اللّه تبارك وتعالي، فكانت مرضاة (الربّ) عزّ وجلَّ هي الهمُّ الشاغل قلبه لاسواها.

هذه العدّة من (الربيّين) [8] هي العدّة التي يطلبها ويسعي إلي تكثيرها القائد الربّانيّ في قيامه ونهضته!


ومن سُنّة القادة الربّانيين أيضاً أنهم يستثمرون كُلَّ مناسبة لامتحان (المجموع) الذي يصحبهم، وذلك لتخليص ‍ عدّتهم الربّانية من كلّ ما يعلق بها من أهل الطمع والارتياب، حتّي تصفو هذه العدّة من الاضافات الكاذبة! فتبقي الصفوة الخالصة (القوة الحقيقية) التي يخطّط القائد الربانيّ علي أساسها نوع المواجهة وأسلوب القتال يوم الملحمة!

وهذه مسألة مهمّة وأساسية في التخطيط الحربي، بل حتّي في التخطيط لكل مواجهة سياسية، ذلك لانّ التخطيط في كلّ مواجهة علي أساس (القوة الظاهرية) لاعلي أساس (القوّة الحقيقية) سيضع القوّة العسكرية أو الحركة السياسية أمام حدث هو أكبر من حجمها الحقيقي، فإذا تعرّضت هذه القوّة أو الحركة لضربة قاصمة أو إنكسار كبير مثلاً فإنّ هذه الضربة أو هذا الانكسار سيقعان علي رأس (القوّة الحقيقة) فقط! لانّ الاضافات غير الحقيقية التي أحاطت بالقوّة الحقيقية وشكّلت معها القوّة الظاهرية ستتفرّق وتتلاشي عنها ساعة الشدّة كما هي عادة وطبيعة الاشياء، تاركة القوّة الحقيقية وحدها عرضة لضربة أو انكسار هما أكبر من استطاعتها وتحمّلها!! ولذا قد تتحطّم القوّة الحقيقية أو تزول تماماً قبل تحقيق الهدف المنشود من وراء وجودها!

هذا في إطار الاثر علي الارض! أمّا في إطار الاثر في السماء، فإنّ اختبار العدّة الظاهرية بالامتحان بعد الامتحان، وتمحيصها حتّي لايبقي منها إلاّ أهل البصائر والعزائم الراسخة، سوف يزيد من علوّ درجاتهم ومنازلهم الاخروية عند اللّه تبارك وتعالي، لانّ لهم أجراً وفوزاً وارتقاءً لنجاحهم بعد كلّ امتحان وتمحيص! واللّه يختص برحمته من يشاء، واللّه واسع عليم!



پاورقي

[1] تأريخ الطبري، 3:290؛ وانظر: الارشاد: 198؛ ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:305.

[2] مرّت بنا في الفصل السابق تفاصيل قصة مقتل عبداللّه بن يقطر(رض)، وفي هذا الفصل ايضاً، فراجع.

[3] لعل مراد الراوي مدينة مکّة، لانّ من المسلّم به أنّ هناک من التحق بالامام عليه السلام في مکة ثم لازمه حتي استشهد بين يديه في کربلاء.

[4] تاريخ الطبري، 3:303؛ وانظر: الارشاد: 205.

[5] مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:328.

[6] تاريخ الطبري، 3:290.

[7] الربيُّ: وهو کالربّاني: من اختصّ بربّه تعالي فلم يشتغل بغيره. (تفسير الميزان، 4:41).

[8] وقد أشار إليهم القرآن الکريم في قوله تعالي: (وکأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون کثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استکانوا واللّه يحبُّ الصابرين.)، (سورة آل عمران: 146).