بازگشت

اشارة


إنّ ظاهر جواب الامام عليه السلام لابي هرّة الازدي هنا، وكذلك جوابه عليه السلام للفرزدق حينما سأله: (ما أعجلك عن الحجّ؟) حيث قال عليه السلام: (لو لم أعجل لاُخذتُ!) يوحي بأنّ الامام عليه السلام كان همّه الاكبر النجاة بنفسه!! فقد صبر علي أخذ ماله وشتم عرضه علي ما في جوابه عليه السلام لابي هرّة الازدي وحين أرادوا قتله هرب لينجو بنفسه! هذه هي حدود مظلوميته لاأكثر! وكأنّه ليس هناك رفض بيعة ليزيد! ولاطلب إصلاح في أمّة جده (ص)! ولاأمر بمعروف ولانهي عن منكر! ولاقيام ونهضة!

إنّ الاقتصار علي مثل هذه النصوص يؤدّي إلي هذا الاستنتاج الخاطيء الذي وقع فيه بعض من كتب في تأريخ النهضة الحسينية، وهو: أنّ علّة خروج الامام عليه السلام من المدينة المنوّرة ومن مكّة المكرّمة هو خوفه علي نفسه من الاختطاف أو القتل، وأنّ هذا هو سرّ أسرار النهضة الحسينية!!

كذلك الحال إذا اقتصر نظر الباحث مثلاً علي النصوص المتعلّقة برسائل أهل الكوفة إلي الامام عليه السلام، خصوصاً النصوص الواردة عنه عليه السلام في ذلك، لانّ نتيجة مثل هذا النظر ستكون اعتبار رسائل أهل الكوفة هي سبب قيام الامام عليه السلام! وهذا من أشهر الاشتباهات الحاصلة في مجري النظر إلي قيام الامام الحسين عليه السلام.

وكذلك الحال إذا اقتصر نظر الباحث علي النصوص التي تحدّث فيها الامام عليه السلام عن (الاستخارة)، [1] ذلك لانّ ظاهر هذه النصوص يوحي بأنّ الامام عليه السلام لم تكن لديه خطّة علي الارض ‍ في مسار النهضة منذ البدء! ولاعلم له بما هو قادم عليه في مستقبل أيّامه من مصير! بل كانت توجّه حركته بوصلة الاستخارة! الامر الذي يعارض وينافي كثيراً من النصوص الاخري الورادة عنه عليه السلام، فضلاً عن


منافاته للاعتقاد الصحيح بعلم الامام عليه السلام!

وهكذا الحال، إذا اقتصر نظر الباحث علي النصوص المتعلّقة بالرؤيا التي رأي فيها الامام عليه السلام جدّه (ص)، أو النصوص التي توحي بأنّه عليه السلام كان يأمل النصر والنجاح وتسلّم زمام الامور...

كلّ تلك النتائج القاصرة أو الخاطئة إنّما تنشاء نتيجة الاخذ الجزئي المفكّك، أمّا أخذ جميع النصوص المتعلّقة بهذه النهضة المقدّسة كمجموعة واحدة أخذاً كليّاً موحّداً فهو أحد عناصر عصمة الاستنتاج من القصور والخطاء، كذلك فإنّ معرفة نوع المخاطَب الذي يكلّمه الامام عليه السلام، وردّ متشابه قوله عليه السلام إلي محكمه، هما العنصران الاخران لهذه العصمة في التدبر الاستنتاج.


پاورقي

[1] راجع: بعض هذه النصوص في الجزء الاول: 151.