بازگشت

يزيد بن مسعود النهشلي و الموقف المحمود


ما إنْ وصلت إلي يد يزيد بن


مسعود النـهشليّ نسخته من رسالة الامام الحسين (ع) فقراءها حتي جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، فلمّا حضروا قال: يا بني تميم، كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم؟

فـقـالوا: بـخٍّ بـخٍّ! أنـتَ والله فـقرة الظهر، ورأس الفخر، حللتَ في الشرف وسطاً، وتقدّمتَ فيه فرطاً!

قال: فإني قد جمعتكم لامرٍ أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه.

فقالوا: واللّه إنّا نمنحك النصيحة، ونجهد لك الرأي، فقلْ نسمع.

فقال: إنّ معاوية قد مات، فأهون به واللّه هالكاً ومفقوداً، أ لا وإنّه قد انكسر باب الجور والاثـم، وتـضـعـضـعـت أركـان الظـلم، وقـد كـان أحدث بيعة عقد بها أمراً وظنّ أنه قد أحكمه، وهـيـهـات والذي أراد!، اجـتـهـد والله فـفـشـل، وشـاور فـخـذل، وقـد قـام إبـنـه يزيد، شارب الخمور، ورأس الفجور، يدّعي الخلافة علي المسلمين، ويتأمّر عليهم بغير رضيً منهم، مع قِصر حلم، وقلّة علم، لايعرف من الحقّ موطيء قدمه.

فـأُقـسـم بـاللّه قـسـمـاً مـبـروراً، لجـهـادُه عـلي الدّيـن أفـضـل مـن جـهـاد المـشـركـيـن، وهـذا الحـسـيـن بـن عـليّ، ابـن بـنـت رسـول الله (ص) ذو الشـرف الاصـيـل، والرأي الاثيل، له فضل لايوصف، وعلم لاينزف، وهو أولي بهذا الامر، لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته، يـعطف علي الصغير ويحنو علي الكبير، فأكرم به راعي رعيّة وإمام قوم وجبت للّه به الحجّة، وبـلغـت بـه المـوعـظـة، فـلا تـعـشـوا عـن نـور الحـقّ، ولا تـسـكـّعـوا فـي وهـدة البـاطـل، فـقـد كـان صـخـر بـن قـيـس انـخـذل بـكـم يـوم الجـمـل، فـاغـسـلوهـا بـخـروجكم إلي ابن رسول الله (ص) ونصرته، واللّهِ لا يقصّر أحدٌ عن نصرته إلاّ أورثه اللّه الذلّ في ولده، والقلّة في عشيرته، وها أنا قد لبست للحرب


لامتها، وأدّرعت لها بدرعها، من لم يُقتل يمتْ، ومن يهرب لم يفتْ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب.

فتكلّمت بنو حنظلة فقالوا: يا أبا خالد، نحن نبل كنانتك، وفرسان عشيرتك، إن رميتَ بنا أصبت، وإن غـزوتَ بـنـا فـتـحت، لا تخوض واللّه غمرة إلاّ خُضناها، ولاتلقي واللّه شدَّة إلاّ لقيناها، ننصرك واللّهِ باسيافنا، ونقيك بأبداننا فانهض لما شئت.

وتـكـلّمت بنو سعد بن زيد فقالوا: يا أبا خالد، إنّ أبغض الاشياء إلينا خلافك والخروج عن رأيـك، وقـد كـان صـخـر بـن قـيـس [1] أمـرنـا بـتـرك القتال، فحمدنا أمرنا وبقي عزّنا فينا! فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا.

وتكلّمت بنو عامر بن تميم فقالوا: يا ابا خالد، نحن بنو أبيك وحلفاؤك، لانرضي إن غضبتَ، ولا نقطن إن ظعنت، والامر إليك، فادعنا نجبك، ومُرنا نطعك، والامر إليك إذ شئت.

فـقـال: واللّه يـا بـنـي سـعـد لئن فـعـلتـمـوهـا لايـرفـع اللّه السـيـف عـنـكـم أبـداً، ولايزال سيفكم فيكم!

ثـمّ كـتـب إلي الحـسـيـن (ع): بـسـم الله الرحـمـن الرحـيـم. أمـّا بـعـدُ: فـقـد وصـل إليَّ كـتـابـك، وفـهـمـت مـا نـدبـتني إليه ودعوتني له، من الاخذ بحظّي من طاعتك والفوز بـنـصـيـبـي مـن نـصـرتـك، وإنَّ اللّه لايـُخـلي الارض مـن عامل عليها بخير، أو دليل علي سبيل النجاة، وأنتم حجّة الله علي خلقه، ووديعته في أرضه، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها وانتم فرعها، فاقدم سُعدتَ بأ سعد طائر، فقد ذلّلتُ لك أعـنـاق


بـنـي تـمـيـم، وتـركـتـهـم أشـدّ تـتـابـعـاً لك مـن الابـل الظـمـاء يـوم خـمـسـهـا لورود الماء، وقد ذللّت لك رقاب بني سعد، وغسلت لك درن صدورها بماء سحابة مُزنٍ حين استهلّ برقها فلمع.

فلمّا قراء الحسين (ع) الكتاب قال:

«آمنك اللّه يوم الخوف، وأعزّك، وأرواك يوم العطش الاكبر.». [2] .

وفـي روايـة ابـن نـمـا(ره) قـال: «فلمّا تجهّز المشار إليه للخروج إلي الحسين صلوات الله وسـلامـه عـليـه بـلغـه قـتـله قـبـل أن يـسـيـر، فـجـزع لذلك جزعاً عظيماً لما فاته من نصرته.». [3] .


پاورقي

[1] والمراد به الاحنف بن قيس / راجع: سير أعلام النبلاء 4:85 واُسد الغابة 1:55.

[2] اللهوف: 110، ومثير الاحزان: 27 ـ 29.

[3] مثير الاحزان: 29.