بازگشت

الكوفة بانتظار الحسين


في غمرة التفافها حول مسلم بن عقيل (ع)، وعدم مبالاتها بواليها يومذاك النعمان بن بشير الذي ضـعـف قـبـال مـوجـة انـتـفـاضـة الامـّة أو كـان يـتضعّف!، كانت أعين أهالي الكوفة ترقب طريق القـوافـل القادمة من الحجاز، وقلوبهم بأيديهم بإنتظار لحظات القدوم المبارك، قدوم الامام الحـسـيـن (ع)، ليـفـرشـوا تـلك القـلوب زرابـيَّ مـبـثـوثـة عـلي تـراب طـريـق مـقـدم ابـن رسول الله (ص).


وذات يـوم أبـصـرت أعـيـن أهل الكوفة رجلاً متلثّماً، معتمّاً بعمامة سوداء، وعليه ثياب يمانية، قادماً وحده، راجلاً ممسكاً بزمام بغلته! فظنّوا أنه الامام الحسين (ع)! ـ ويالسذاجة هذا الظنّ! ـ «فـقالت إمراءة: اللّه أكبر! ابن رسول اللّه (ص) وربِّ الكعبة! فتصايح الناس، وقالوا: إنـّا مـعك أكثر من أربعين ألفاً! وازدحموا عليه حتّي أخذوا بذنب دابّته، وظنّهم أنّه الحسين (ع)..». [1] .

فـكـان لا يـمـرّ عـلي جـمـاعـة مـن النـاس إلاّ سـلّمـوا عـليـه وقـالوا: مـرحـبـاً بـك يـا ابـن رسـول اللّه! قـدمـتَ خـير مقدم!، وجعل يمرّ بالمحارس، فكلّما نظروا إليه لم يشكّوا أنّه الامام الحـسـيـن (ع)! فـيـقـولون: مـرحباً بك يا ابن رسول الله! وهو لايكلّمهم! وخرج إليه الناس من دورهم وبيوتهم! يسايرونه طريقه الي قصر الامارة، وهو لايحييهم ولايكلّمهم!

وسمع النعمان بن البشير بالصخب القادم علي الطريق، فأغلق عليه وعلي خاصته القصر! وهو لايشكّ أيضاً أنّ هذا القادم هو الحسين (ع) ومعه الخلق يضجّون! ملتفّين حوله، فلمّا انتهي إليـه قـال له النـعـمـان: أُنـشـدك اللّه إلاّ تـنـحيّت! فما أنا بمسلّم إليك آمانتي! ومالي في قتالك من أرب!.

والقـادم لايـكـلّمـه! حـتـي دنـا وتـدلّي النـعـمـان بـيـن شـرفـتـيـن قـريـبـاً جـدّاً مـنـه، فـقـال هـذا القـادم: إفتح لا فتحتَ! فقد طال ليلك! فسمعها إنسان كوفيّ خلفه، فانكفاء الي النـاس وقـد أخـذتـه الدهـشـة وهـو يـقـول: أي قوم! ابن مرجانة! والذي لا إله غيره! فاندهش النـاس، وقـالوا ـ وهـم يـتـشـبـّثون بظنّهم الساذج ـ: ويحك إنّما هو الحسين! [2] وفي روايـة ابـن نـما(ره): «.. فحسر اللثام وقال: أنا عبيدالله! فتساقط القوم، ووطيء


بعضهم بعضاً، ودخل دار الامارة...». [3] .

فـالقـادم إذن لم يـكـن الامـام (ع)، بـل كان عبيد الله بن زياد وابن مرجانة لعنهم الله، الوالي الذي أرسـلتـه السـلطـة الامـويـة المـركـزيـة فـي الشـام بـمشورة من سرجون النصرانيّ إلي الكوفة، للسيطرة علي طواري ء حركة الامّة فيها، لماله من معرفة بخصائص النفسية الكوفية، وخبرة إدارية شيطانية، وقدرة علي الظُلم والغشم.


پاورقي

[1] مثير الاحزان: 30.

[2] راجع: تأريخ الطبري 3:218.

[3] مثير الاحزان: 30.