بازگشت

اشارة


لايـخـفـي عـلي المـتـأمـّل فـي مـحـتـوي الرسـائل التـي بـعـث بـهـا أهـل الكـوفـة إلي الامام (ع)، وفي تعبير ابن كثير «ومعهما كتاب فيه السلام والتهنئة بموت معاوية» أنّ جوّاً نفسياً طافحاً بالابتهاج والفرحة عمَّ الشيعة في الكوفة لموت معاوية، الذي كـان قـد أذاقـهم الويلات في جميع جوانب حياتهم، وجثم علي صدورهم سنين عجافٍ طويلة مريرة يخنق أنفاسهم ويحصيها عليهم، ويرصد الشاردة والواردة من حركاتهم، ويجرّعهم مرارة الفقر وعذاب مكابدة حروبه في الداخل والخارج، وكان يُضاعف في فظاعة هذا الكابوس، وفي شوقهم إلي يـوم الخـلاص مـنـه، أنـّهم كانوا كلّما كاتبوا الامام (ع) يدعونه إلي القيام والنهضة ردّ عـليـهـم يـوصيهم ـ لحكمته البالغة ـ بالتزام الصبر ومواصلة الانتظار مادام معاوية حيّاً، فلمّا مـات مـعـاويـة شـعـر أهـل الكـوفـة وكـأنـهـم أُطـلقـوا مـن عـقـال، وأفـاقـوا وقـد تـحـرّرت ألسـنـتـهـم وأيـديـهـم بـعـد أن زال عـنهم ذلك الكابوس المطبق، فتباشروا فرحاً وتبادلوا التهاني والسرور بموت الطاغية، وأعينهم كقلوبهم تنظر بلهفة إلي ماذا سيفعل الامام (ع) منتظرة إشارته.

لكـنّ الصـادقـيـن مـنهم قليل، إذ كان الشلل النفسي ومرض إزدواج الشخصية وحبّ الدنيا وكراهية المـوت قـد تـفـشـي فـي حـياة هذه الامة، وكان بدء نشوئه في السقيفة وتعاظم فيما بعدها، حتي نـُكـِسَ جـُلُّ النـاس عـلي رؤوسـهـم، فـصـارت قـلوبـهـم مع الامام (ع) وسيوفهم عليه، فكان انـقـلابـهـم وتـخـاذلهـم عـن مـواصـلة النـهـضـة مـع مـسـلم بـن عـقـيـل (ع)، ذلك الانـقـلاب الذي يـحـارفـيـه المـتـأمـل المـتـدبـّر ويذهل من سهولة وسرعة وقوعه! ثمَّ كانت نكسة هذه الامّة الكبري بقتلها الامام (ع) في عاشوراء.