بازگشت

حركة الامة في الكوفة


كـان الكـوفـيون يكاتبون الامام الحسين (ع) ـ بعد استشهاد الامام الحسن (ع) ـ باذلين له الطاعة ويـدعـونـه الي القـيام والنهضة ضد معاوية، فقد روي البلاذري أنّه:

«لمّا توفي الحسن بن عـليّ اجتمعت الشيعة، ومعهم بنو جعدة بن هبيرة بن أبي


وهب المخزومي، [1] وأمُّ جعدة أمّ هاني بنت أبي طالب، في دار سليمان بن صرد، وكتبوا إلي الحسين كتاباً بالتعزية، وقالوا فـي كـتـابـهـم: إنّ الله قـد جـعل فيك أعظم الخلف ممن مضي، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، المنتظرة لامرك. وكتب إليه بنو جعدة يخبرونه بحسن رأي


أهل الكوفة فيه، وحبّهم لقدومه، وتطلّعهم إليه، وأن قد لقوا من أنصاره وإخوانه من يـُرضي هديه ويُطمأنّ إلي قوله، ويُعرف نجدته وبأسه، فأفضَوا إليهم ماهم عليه من شـنـآن ابـن أبـي سـفيان والبراءة منه، ويسألونه الكتاب إليهم برأيه...»، [2] وكذلك نقل الشيخ المفيد(ره) عن الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السير أنّهم قالوا: «لمّا مات الحسن (ع) تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلي الحسين (ع) في خلع معاوية، والبيعة له...» [3] وكـان الامـام الحسين (ع) في كلّ ذلك يمتنع عليهم، ويذكر لهم أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لايجوز له نقضه حتي تمضي المدّة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك.

لكـنّ الثـابـت ـ مـن قـرائن تـأريـخـيـة عـديـدة ـ أنّ نـبـاء مـوت مـعـاويـة وصل الي أهل الكوفة بعد وصول الامام الحسين (ع) إلي مكّة المكرّمة أو وهو في الطريق إليها، ومعني هذا: أنه لم تصل الي الامام (ع) وهو في المدينة ـ في غضون أيّام إعلانه رفض البيعة ليـزيـد إلي حـيـن خروجه عنها ـ أيّة رسالة من أهل الكوفة تُنبيء عن علمهم بموت معاوية، وعن دعوتهم الامام (ع) إليهم، ولا من أهل مكّة أيضاً، ولا من سواهما. [4] .



پاورقي

[1] جـعـدة بـن هـبـيرة المخزومي: هو ابن أخت أمير المؤمنين عليّ(ع)، وأمّه أمُّ هاني بنت أبي طـالب (ع)، وُلد جـعـدة فـي عـهـد النـبـيّ(ص)، فـهـو مـن الصـحـابـة، ونـزل الکـوفـة، وکـان فـارسـاً شـجـاعـاً، شـريـفـاً فـقـيـهـاً، وکـان واليـاً عـلي خـراسـان مـن قـبـل أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع). وقـال له عـتـبـة بـن أبـي سـفيان: إنّما لک هذه الشدّة في الحرب من قـبـل خـالک ـ يـعـنـي عـليـّاً(ع) ـ فـقـال له جـعـدة: لو کـان لک خال مثل خالي لنسيتَ أباک!

وله روايـة عـن أمـّه حـول قـصـة الهـجـرة ومـبـيـت أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع) فـي فـراش الرسول (ص)، ويروي بعض قضايا يوم شهادة عليّ(ع).

قـال عـتـبـة بـن أبـي سـفـيـان فـي يـوم مـن أيـام صـفـيـن: إنـّي لاقٍ بـالغـداة جـعـدة بـن هـبـيرة! فـقـال له مـعاوية: بخ بخ! قومه بنو مخزوم، وأمّه أمّ هاني بنت أبي طالب، وأبوه هبيرة بن أبـي وهـب، کـفؤکريم... (راجع: شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 18:308 ومستدرکات علم الرجال 2:130).

وکان لجعدة في قريش شرف عظيم، وکان له لسان، وکان من أحبّ الناس إلي عليّ(ع). (راجع: وقعة صفين: 463).

ويبدو من ظاهر خبر الاجتماع في دار سليمان بن صرد أنّ جعدة أيّام النهضة الحسينية لم يکن في الاحياء، بدليل الاشارة الي أبنائه فقط «ومعهم بنو جعدة بن هبيرة...».

أمـّا أبـناؤه، فيحيي (وله رواية عن الحسين (ع) وهو من رواة الغدير)، وعبدالله (وهو الذي فتح القـهـنـدر وکـثـيـراً مـن خـراسـان)، وقـيـل إنّ له ولداً آخـر اسـمـه عـمـر. (راجـع: مـسـتـدرکـات علم الرجال 2:131 و8:193 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18:308).

ولم نعثر علي خبر تأريخي يحدّثنا عن بني جعدة وما حلّ بهم في الفترة ما بين انعقاد هذا الاجتماع فـي دار سـليـمـان بـن صـرد إلي يـوم عـاشـوراء يـوم مقتل الامام (ع)، وبهذا تبقي أسئلة کثيرة تتدافع في صدر المتتبّع حولهم بلاجواب.

[2] أنساب الاشراف 3:151 ـ 152 حديث 13.

[3] الارشاد: 200.

[4] هـنـاک ثـلاث روايـات يـوحـي ظـاهـرهـا بـأنّ الامـام (ع) کـانـت قـد وصـلت إليـه رسـائل فـي المـديـنـة فـي الايـام التـي أعـلن فـيـهـا عـن رفـضـه البـيـعـة ليـزيـد بـعـد وصـول نـباء موت معاوية، الاولي: رواية ابن عساکر للقاء عبدالله بن مطيع العدويّ مع الامام (ع) فـي الطـريـق من المدينة الي مکّة، حيث ذکر ابن عساکر في جملة اعتراضية أنّ الامام (ع) ذکر للعدويّ فيها أنه کتب إليه شيعته بها «أي مکّة!» (راجع: تاريخ ابن عساکر «ترجمة الامام الحـسـين (ع») / تحقيق المحمودي: 222 حديث رقم 203 / مجمع إحياء الثقافة الاسلامية ـ قم)، والثانية: رواية ابن عبد ربّه الاندلسي في (العقد الفريد 4:352 / دار إحياء التراث العربي)، وهـي روايـة خـلط فـيـها الراوي بين اللقاء الاوّل لعبدالله بن مطيع العدويّ مع الامام (ع) في الطريق من المدينة الي مکة، وبين لقائهما الثاني بعد خروجه (ع) من مکّة إلي العراق! مما يوهم القـاريء أنّ الامـام (ع) قـبـل وصـوله الي مـکـّة کـان قـد أخـبـر العـدويّ عـن رسـائل کـثـيـرة وصـلت إليـه من أهل الکوفة!، والثالثة: هي الرواية التي حکاها صاحب کتاب (أسـرار الشهادة: 367) عن بعض الثقات الادباء الشعراء من تلامذته العرب ـ حسب قوله! ـ وأنّ هـذا الثـقـة قـد ظـفـر بـهـا فـي مـجـمـوعـة تـنـسـب إلي فـاضـل أديـب مـقـريء! فـنـقـلهـا عـنـه! وفـيـهـا يـقـول الراوي: «خـرجـت بـکـتـاب مـن أهـل الکـوفـة الي الحـسـيـن (ع)، وهـو يـومـئذٍ بـالمـديـنـة، فـأتـيـتـه فـقـراءه وعـرف مـعـناه، فـقـال أنـظرني إلي ثلاثة ايّام، فبقيت في المدينة، ثمّ تبعته الي أن صار عزمه بالتوجّه الي العـراق...»، ولقـد نـوقـشـت هـذه الروايـات الثـلاث نـقـاشـاً تـحـقـيـقـيـاً فـي الجـزء الاوّل من هذه الدراسة (الرکب الحسيني من المدينة الي المدينة) أثبت عدم جدارتها للاعتماد علي ما ورد فـيـهـا بـهـذا الصـدد، فـراجـع الجـزء الاوّل 423 ـ 426 / عـنـوان: هل وصلت إلي الامام (ع) رسائل قُبيل رحيله عن المدينة!؟.