بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) ـ هـذان النـصـّان لم يـرد أيّ ذكر لهما في التواريخ الشيعية، فهما سنيّا المنبع، وإذا كان المـتأمّل لايجد بأساً في قبول النصّ الاوّل مع ما فيه من بعض الهنات، فإنه يقف ذاهلاً متحيّراً فـي دهـشـتـه إزاء النـصّ الثـانـي لانـه يـشبه تماماً في محتواه ـ من حيث الجسارة وسوء الادب في مـخـاطـبـة الامـام (ع) ـ خـطـابـات قـتـلة الامام (ع) الذين تالّبوا وتاَّزروا علي قتله في كربلاء! أمـثـال شـمر وعزرة بن قيس وغيرهم من مسوخ هذه الامة! الذين اتهموا الامام (ع) بالخروج علي (إمامهم!) يزيد.


ولذا فـالمـتأمّل المنصف العارف لايتردد في ـ بل يقطع ـ أنّ النصّ الثاني من مكذوبات مرتزقة الاعـلام الامـويّ أعـداء أهـل البـيـت (ع) ليـزيـّنـوا للسـذّج مـن هـذه الامـّة أنّ جـمـعاً من صحابة رسـول الله (ص) ذوي المـكـانـة المـرمـوقـة قـد أنكروا علي الامام الحسين (ع) خروجه وقيامه، واتـهـمـوه بـشـقّ عصا الطاعة وتفريق كلمة الامة! فهذا نصّ مفتري علي أبي سعيد الخدري (ره)، ومرّ بنا من قبل هذا نصٌ مفتريً آخر علي جابر بن عبدالله الانصاري (ره)، والامثلة كثيرة!

2) ـ ولكي يطمئنّ القاريء تماماً إلي أنّ هذا النصّ مكذوب علي أبي سعيد ومفتريً عليه، يحسن هـنـا أن نـقـدّم صـورة مـبـاركـة مـوجـزة عـن هـذا الصـحـابـي الجليل العارف بحقّ أهل البيت (ع)، المتأدّب في محضر من شهد منهم:

إنـّه سـعـد بـن مـالك بـن سـنـان الخـزرجـي، مـن مـشـاهـيـر أصـحـاب رسـول اللّه (ص) ونـجـبـاء الانـصـار وعـلمـائهـم، شـهـد مـع رسول الله (ص) إثنتي عشرة غزوة أوّلها الخندق، وتوفي عام 64 أو 74. [1] .

وولاؤه لامـيـر المـؤمـنـيـن عـليّ(ع) معروف، فهو من السابقين الذين رجعوا اليه، ورواياته في فـضـائل عـليّ(ع) كـثـيـرة، وكـذلك روايـاتـه عـن النـبـيّ(ص) فـي فضائل وأسماء الائمة الاثني عشر(ع). [2] .

كما ورد عن الامام الصادق (ع) في مدحه أنّه «رُزق هذا الامر، وكان مستقيماً». [3] .


كـمـا ذكـره الامـام الرضـا(ع) ضـمـن مـن لم يتغيّروا ولم يبدّلوا، [4] فهو من الذين تجب ولايتهم، والمستفاد من هذا وثاقته وجلالته.

هذا وقد مدحه علماء الرجال والتراجم:

فـقـد قـال فـيـه الشـيـخ عبّاس القميّ(ره): «كان من السابقين الذين رجعوا إلي أمير المؤمنين، وكان من اصحاب رسول الله (ص)، وكان مستقيماً.». [5] .

وذكـر السـيـّد الخـوئي (ره) إطـراء الرجـاليين وثناءهم عليه ولم يذكر أي قدح فيه أو ذمّ له! [6] .

وقـد دافـع التستري عنه حينما عدّه المسعودي فيمن تخلّف عن بيعة أمير المؤمنين (ع) قائلاً: «إلاّ أنـه بـعـد اتـفـاق أخـبـارنـا عـلي اسـتـقـامـتـه وقـوله بـإمـامـة أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع) وجـب القـول إمّا باستبصاره بعدُ، أو باشتباه المسعودي وأنه رأي تخلّف سعد بن مالك ـ أي سعد بن أبي وقّاص ـ فتوّهمه الخدري! ـ فكلُّ منهما سعد بن مالك.». [7] .

2) ـ قـد يـنـقـدح فـي ذهـن المـتـأمـّل سـؤال حـول سـرّ عـدم إلتـحـاق أبـي سـعـيـد بـالامـام (ع) مـع مـاله مـن مـعـرفـة بـحـقـّ أهل البيت (ع) وولائه لهم؟

وهل يمكن القول: إنّ ذلك لايضرُّ بحسنه واستقامته!؟

قال النمازي: «ولانعلمُ علّة عدم حضوره لنصرة الحسين (ع)، فلايضرُّ ذلك


في حسنه واستقامته». [8] .

وقـال المـامـقـانـي: «إنّ بـعـض الاواخـر قـد اسـتـشـكـل فـي حـسـن عـاقـبـة الرجـل بـكـونـه لم يـشـهـد مـع الحـسـيـن (ع) طـفّ كـربـلاء، مـع أنـّه مـمـن سـمـع رسـول الله (ص) يـقـول: الحـسـن والحـسـيـن سـيـّدا شـبـاب أهـل الجـنـّة. وهـذا إشـكـال واهٍ ضعيف، إذ لم يُحرز علمُه بخروجه (ع) الي كربلاء! ولا عُلِمَ عدم عـذره لو كـان عـالمـاً، وليـس كـلّ مـتـخـلف عـنـه (ع) هـالكـاً، نـعـم لايـنـال تـلك الدرجـات الرفـيـعـة المـعـدّة لاصـحـابـه، وقـد نـبـّهنا علي ذلك في فوائد المقدّمة.». [9] .


پاورقي

[1] راجع: سير أعلام النبلاء 3:171 وسفينة البحار 4:161.

[2] انـظـر: بـحـار الانـوار 39: 289 و40:9 و27:201 و36:290 والکـافي 3:125 حديث رقم 1 کتاب الجنائز، وکفاية الاثر: 28 ـ 34.

[3] رجال الکشّي: 38 رقم 78 وبحار الانوار: 81:237 رقم 18.

[4] عيون أخبار الرضا(ع) 2:125 باب 35حديث رقم 1.

[5] سفينة البحار 4:160.

[6] معجم رجال الحديث 8:47.

[7] قاموس الرجال 5:16.

[8] مستدرکات علم رجال الحديث 4:22.

[9] تنقيح المقال 2:11.