بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) ـ من هو هذا الواقدي في سند هذه الرواية؟ ومن هو زرارة هذا؟

أمـّا الواقـدي، فـإن كـان هـو مـحـمـّد بـن عـمر بن واقد، أبو عبدالله الاسلمي المدني


الواقدي، فولادته سنة عشرين بعد المائة، فهو لم يدرك عصر الحسين (ع)! [1] .

وإن كان هو واقد بن عبدالله التميمي الحنظلي، فقد توفي أيام عمر بن الخطاب، [2] فهو لم يدرك أيضاً أيّام النهضة الحسينية عام ستين للهجرة!

وأمـّا زرارة، فـهـو مـهـمـل سـواء كـان ابـن خـلج او حـلح (كـمـا فـي دلائل الامامة)أو صالح!

وعن النمازي في مستدركات علم الرجال: أنّ ابن خلج من أصحاب الحسين (ع) ورأي معجزته وإخـبـاره إيـّاه بـشـهـادتـه وشـهـادة أصـحابه، وأمّا ابن صالح فقد تشرّف بلقاء الحسين (ع) قبل خروجه الي العراق بثلاثة أيام! [3] .

لكنّ النمازي (ره) لم يأتِ بأكثر مما في رواية الطبري، ولم يخرج زرارة هذا عن الجهالة والاهمال!

وربما كان في السند حذف وإرسال، وكان اللذان التقيا بالامام (ع) هما غير الواقدي وزرارة، وقد حُذف إسماهما، والله العالم.

2) ـ فـي مـتـن هـذه الروايـة صـورة مـن صـور الارادة والقـدرة التـكـويـنية التي يتمتع بها الامام المـعـصـوم (ع)، وهـذا مـن صـلب اعـتـقـاداتـنـا، فـالامـام (ع) إذا أشـار الي جبل لزال من مكانه، كما في الحديث الوارد عن الامام الصادق (ع)، [4] وأنّ الكون ـ


أعمّ من العالم العلويّ والسفلي ـ تحت تصرف الامام (ع) تفضّلاً من الله تبارك وتعالي، والائمّة (ع) مـخـتلف الملائكة، تتنزّل عليهم وتطوف بهم، وأمّا في نهضة الامام أبي عبدالله الحسين (ع) فـقـد نـزلت إليـه أفـواج مـن المـلائكـة في طريقه من المدينة الي مكّة وعرضت عليه استعدادها لنصرته والقتال بين يديه! [5] .

أمّا ماهو مراده صلوات الله عليه في قوله: «لولا تقارب الاشياء وحبوط الاجر»؟ فلعلّ من مراده (ع) فـي «تـقـارب الاشـيـاء»: أ نـه لو تـوسّل في تحقيق أهدافه بالخوارق والمعاجز دون الاسـبـاب الطبيعية لتحقّق له ذلك عاجلاً وعلي أحسن وجه ـ والله غالب علي أمره ـ لكنّ ذلك خلاف للارادة الالهـيـة فـي امـتـحـان الخـلق وابـتـلائهـم فـي مـجـاري الاسـبـاب والاقـتـضـاءات والعلل الطبيعية العادية، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي من حيَّ عن بيّنة، ولتكون الحجّة البالغة للّه عـلي خـلقـه، هـذا فـضـلاً عـن أنّ الاعـمال والانجازات العظيمة التي يمكن للناس جميعاً أن يـتـأسـّوا بـهـا هـي الاعـمـال والبـطـولات التي تتمّ في إطار السنن الطبيعية والمجاري العادية المـألوفـة لا الخـوارق والمعاجز ـ التي لا يُلجاءُ إليها إلاّ إذا دعت الضرورة إليها ـ ذلك لانّ اسـتـخدام المعاجز وخوارق العادة ليس ميسوراً لجميع الناس، وامتحان الخلق ـ في إطار التأسيّ بالقادة الربانيين ـ إنّما يصح إذا كان الاختبار والتكليف بما يستطيعونه لابما يعجزون عنه.

ويؤيد هذا قوله (ع) لمؤمني الجنّ الذين عرضوا عليه نصرتهم قائلين:

«يـا مـولانـا، نـحـن شـيـعـتـك وأنـصـارك، فـمـرنـا بـمـا تـشـاء، فـلو أمـرتـنـا بقتل كلّ عدوّ


لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك!». [6] .

فجزاهّم خيراً وقال لهم فيما قال:

«.. فـإذا أقـمـتُ فـي مـكـاني فبمَ يُمتحن هذا الخلق المتعوس وبماذا يُختبرون!؟ ومن ذا يكون ساكن حـفـرتـي؟ وقـد اخـتـارهـا الله تـعـالي لي يـوم دحـا الارض، وجـعـلهـا مـعـقـلاً لشـيـعتنا ومُحبّينا، تـقـبل أعمالهم وصلواتهم، ويجاب دعاؤهم، وتسكن شيعتنا فتكون لهم أماناً في الدنيا وفي الاخرة..».

أمـّا مـراده (ع) مـن «حبوط الاجر» فلا شكّ أنّ الاجر مرتبط بالنيّة ودرجة المشقّة ومستوي أثر العـمـل، ولاشـكّ أن العـمـل الذي يـتـمّ بـالخـوارق والمـعـاجـز ليـس كالعمل المتحقق في إطار السنن الطبيعية من حيث درجة المشقّة فيه! كما أنّ الاثر والفتح المترتب عـلي شـهـادتـه (ع) هـو أعـظـم أثـر وفـتـح مـتصوَّر من حيث النتائج والبركات المترتبة عليه بـالنـسـبـة الي الاسـلام والامة الاسلامية، والانسان المسلم خاصة، والانسانيّة عامة! ولعلّ هذا من أسـرار قـول الرسـول (ص) له (ع): «يـا حـسـيـن أُخـرج! فـإنّ الله قـد شـاء أن يـراك قتيلاً!» [7] و«وإنّ لك في الجنّة درجات لاتنالها إلاّ بالشهادة!». [8] .



پاورقي

[1] سير أعلام النبلاء 9:454.

[2] مستدرکات علم الرجال 8:98.

[3] مـسـتـدرکـات عـلم الرجـال 3:425 وراجـع: تـهـذيـب الکمال 6:297 و19:363.

[4] عـن الحـسـن بـن عـطـيـة، قـال: کـان ابـو عـبـدالله (ع) واقـفـاً عـلي الصـفـا، فـقـال له عـبـّاد البـصـري: حـديـث يـروي عـنـک؟ قـال: ومـا هـو؟ قـال: قـلتَ حـرمـة المـؤمـن اعـظـم مـن حـرمـة هـذه البـنـيـة قـال: قـد قـلت ذلک، إنَّ المـؤمن من لو قـال لهـذه الجـبـال: أقـبـلي، أقـبـلت. قـال: فـنـظـرت الي الجبال قد اقبلت! فقال لها: علي رسلک إنّي لم أ ردک. (الاختصاص: 325).

[5] راجع: اللهوف: 129 / الهامش؛ وعنه البحار 44:330.

[6] و(2) اللهوف: 129 / الهامش.

[7] اللهـوف: 128 / ونـذکّر أنّ هذا الاستظهار إنّما هو بحسب فهمنا القاصر، ومن الاکيد أنّ ثمّة معاني ومقاصد فيه هي فوق منال أفهامنا القاصرة.

[8] أمـالي الصـدوق: 130 المـجـلس 30، حـديـث رقـم 1 / وقال العلاّمة المجلسي (ره) في (البحار 45:74): قوله (ع): «لولا تقارب الاشياء» أي قرب الاجـال، أو إنـاطة الاشياء بالاسباب بحسب المصالح، أو أنّه يصير سبباً لتقارب الفرج وغـلبـة أهـل الحـقّ ولمـّا يـأتِ أوانـه. وفـي بـعـض النـسـخ لولا تـفـاوت الاشـيـاء، أي فـي الفضل والثواب. انتهي.