بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) ـ هذه المحاورة كاشفة عن منزلة حسنة جداً لعمر بن عبدالرحمن المخزومي عند الامام (ع) حيث أثني عـليـه ثـنـاء رائعـاً في قوله (ع): «قُلْ، فو الله ما أظنّك بسيء الرأي، ولا هو للقبيح من الامـروالفعل!»، وفي تعبير آخر: «ما أنت ممّن يُستغشّ ولايُتّهم، فقلْ»، [1] وفي تعبير آخـر: «قـُلْ، فـوالله مـا أسـتـغـشـّك، ومـا أظـنـّك بـشـيء مـن الهـوي!»، [2] وقـال له فـي خـتـام هـذه المـحاورة «فأنت عندي أحمدُ مشير وأنصح ناصح!»، وفي تعبير آخر: «ولم تنطق عن هوي!»، [3] وجميع ذلك كاشف عن متانة هذا المخزومي وصدقه وحبّه للامام الحسين (ع).

ولم يـرد لعـمـر بـن عـبـدالرحـمـن المـخـزومـي هـذا ذكـر فـي كـتـبـنـا الرجـاليـة، لكـنـّه مـعـدود مـن رجـال الصحاح الستّة، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وحدّث عن عمّار بن ياسر، وأمّ سلمة، وعـائشـة، وأبـي هـريـرة، ومـروان... وقـد اسـتـصـغـر يـوم الجـمـل فـرُدَّ، وعـن ابـن سـعـد: أنـه ولد فـي خـلافـة عـمـر، ومـات سـنـة الفـقـهـاء، وقـيـل سنة خمس


وتسعين، [4] وكان يُقال له راهب قريش لكثرة صلاته، وكان مكفوفاً، وهو من سادات قريش. [5] .

2) ـ إنّ المـشـورة التي قدّمها عمر بن عبدالرحمن المخزومي تشبه تماماً في مبناها مشورة لابن عبّاس (رض) [6] وأخـري لعـمـرو بـن لوذان فـي هـذا الصـدد، [7] ويتلخّص مبني هذا المـشـورات الثـلاث فـي أنّ الصـحـيـح أن يـتـحـرّك أهـل الكـوفـة عـمـليـاً قـبـل توجّه الامام (ع) إليهم، فيثوروا علي السلطة في الكوفة، وينفوا عـمـّال يـزيد وأتباعه، ويسيطروا علي الاوضاع فيها، وعندها يتوجّه الامام (ع) إليهم، وهذا هو الرأي الصواب عندهم! ولكن علي أساس منطق الفتح القريب والنصر الظاهري وتسلّم الحكم، ومـن هـنـا نـجـد الامـام (ع) لايـُخـطـّي هـذه المـشـورات، بل نراه يثني علي أصحابها، ومع هذا يخالفها ولايعمل بها، لانه كان يتحرّك علي أساس منطق آخـر هـو مـنـطـق (الفـتـح بـالشـهـادة)! الفـتـح المـبـيـن العـمـيـق الشامل الدائم الذي يحفظ الاسلام المحمديّ الخالص نقيّاً من كلّ الشوائب الي قيام الساعة.

3) ـ ربـّمـا يُقال: إنّ ما ورد في متن هذا الخبر من قول المخزومي: «لمّا تهيّاء الحسين (ع) للمسير الي العراق..» لايدلّ بالضرورة علي أنّ هذا اللقاء قد تمَّ في مكّة، لانّ هناك روايات لبعض اللقـاءات مع الامام (ع) حملت مثل هذه الاشارات مع أ نَّ المؤكّد أنها تمّت في المدينة، كلقائه (ع) مع أم سلمة (رض)، فهل ثمّ دليل آخر علي أنّ لقاءه (ع) مع المخزوميّ تمّ في مكّة؟


فـنـقـول: لم ينتشر خبر عزم الامام (ع) علي السفر الي العراق إلاّ في أواخر أيّام مكثه في مكّة المكرمة، وحينما كان الامام (ع) في المدينة المنوّرة لم يكن قد أطّلع أحدٌ علي نيّته في التوجّه الي العراق سوي خاصة الخاصة كمثل محمّد بن الحنفية (رض) وأمّ سلمة (رض)، وأمّا غير هؤلاء الخـواصّ فـإنّ الامـام (ع) غـالبـاً مـا كـان يـشير إليهم أنه متوجّه الي مكّة في أ يامه تلك ثمّ يـسـتخير الله في أمره، وعليه فإنّ أمثال عمر المخزوميّ هذا لم يكونوا علي علم بنيّة الامام (ع) في التوجّه الي العراق منذ البدء.

هـذا فـضـلاً عـن أنّ لهـذا الخـبـر تـتـمـة ـ فـي روايـة الطـبـري ـ عـلي لسـان المـخـزومـي أنـه «قـال: فانصرفت من عنده، فدخلت علي الحارث بن خالد بن العاص [8] ـ والي مكّة ـ فسألني: هل لقيتَ حسيناً؟ فقلت له: نعم.

فـقـال: فـمـا قـال لك، ومـا قـلت له؟ قـال: فـقـلت له: قـلتُ كـذا وكـذا، وقـال كـذا وكـذا. فـقال: نصحته وربّ المروة الشهباء! أما وربّ البنيّة إنّ الرأي لما رأيته، قـَبـِلَه أو تـركـه..»، [9] وفـي هـذا دلالة كـافـيـة عـلي أنّ هـذا اللقـاء كـان قـد حصل في مكّة المكرّمة.


پاورقي

[1] تاريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين (ع) / تحقيق المحمودي): 202 رقم 254.

[2] الکامل في التأريخ: 2:545.

[3] الفصول المهمة / لابن الصبّاغ: 185.

[4] راجع: سير أعلام النبلاء: 4: 418.

[5] راجع: تهذيب التهذيب: 2: 30.

[6] تأريخ الطبري: 3: 295.

[7] الارشاد: 248.

[8] لم يـذکـره الرجـاليـون، والقـول بـأنـّه کـان والي مـکـّة آنـذاک قول نادر وضعيف، إذ إنّ المشهور الاقوي أنّ والي مکّة آنذاک هو عمرو بن سعيد الاشدق.

[9] تأريخ الطبري: 3:294 ومروج الذهب: 3:70.