بازگشت

الاوزاعي... و النهي عن المسير الي العراق


روي ابن رستم الطبري في كتابه (دلائل الامامة) قائلاً:

«حـدّثـنـا يـزيـد بـن مـسـروق قـال: حـدّثـنـا عـبـدالله بـن مـكـحـول، عـن الاوزاعـي قـال: بـلغـنـي خـروج الحـسـين بن عليّ بن أبي طالب (ع) الي العراق، فـقـصـدتُ مـكـّة فـصـادفته بها، فلمّا رآني رحّب بي وقال: مرحباً بك يا أوزاعي، جئت تنهاني عن المسير،


وأبي اللّه عزّ وجلّ إلاّ ذلك، إنّ من هاهنا الي يوم الاثنين منيّتي (مبعثي)!.

فسهدتُ في عدّ الايّام، فكان كما قال!» [1] .

تـُري مـن هـو هـذا الاوزاعـيّ الذي أهمّه أمر الامام الحسين (ع) حتي قصد مكّة لينهاه عن المسير الي العـراق؟ ومـا هـو دافـعه في ذلك؟ وما معني قول الامام (ع): «إنّ من هاهنا الي يوم الاثنين منيّتي (مبعثي)!»؟

أمـّا مـن هـو هـذا الاوزاعـي؟ فـانّ هـنـاك جـمـاعـة مـن الرجـال عـُرفـوا بهذا اللقب [2] لكنّ الاحـتـمـال الا قـوي هـو أنّ المـراد بـهـذا الاوزاعـيّ: أبـوأيـّوب، مـغيث بن سمّي


الاوزاعي: الذي يـُقـال إنـه أدرك زهـاء ألفٍ مـن أصـحـاب رسـول الله (ص)، [3] وقـد روي عـن ابن الزبـيـر وابـن عـمـر، وابـن مسعود، وكعب الا حبار، وأبي هريرة، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام، وقد وثّقه ابن حبّان، وأبوداود، ويعقوب بن سفيان. [4] ولكن لم يرد له ذكر في كتبنا الرجالية علي ما حقّقنا.

أمـّا مـا هو دافعه في التحرّك حتي قصد مكّة لينهي الامام (ع) عن المسير الي العراق، فذلك ممّا لا نـسـتـطـيـع أن نـحـدّده مـن مـتـن الروايـة ـ ومـن عـدم مـعـرفـتـنـا بـتـأريـخ هـذا الرجـل وسـيرته ـ إلاّ أنّ ترحيب الامام (ع) به قد يكشف عن أنّ هذا الاوزاعي كان مشفقاً علي الامام (ع) من القتل في مسيره الي العراق، وإن كان ظاهر النصّ صريحاً في أنه كان ناهياً لا ناصحاً!

وأمـا مـا هـو المـراد مـن قوله (ع): «إنّ من هاهنا الي يوم الاثنين منيّتي (مبعثي)!»، فلا يخفي علي المـتـأمـّل أنّ فـيـه غـمـوضـاً وتـشـابـهـاً! فـهـل أراد الامـام (ع) أن يـقـول للاوزاعـي إنّ لك أن تـعـدَّ مـِن هـذه السـاعـة الي يـوم الاثـنـيـن الذي أُقـتـلُ فـيه!؟ ولذا يـقـول الاوزاعـي: فـسـهـدتُ (اي سـهـرتُ) فـي عـدّ الايـام فـكـان كـمـا قـال! وعـلي هـذا يكون الامام (ع) قد قُتل في يوم الاثنين! وهذا مالا يتّفق مع المأثور أنّ يوم عاشوراء كان يوم الجمعة أو يوم السبت. [5] .


أم أنّ الامام (ع) اراد أن يقول للاوزاعي: إننّي باقٍ في مكّة الي يوم الاثنين، وبعده (أي يوم الثلاثاء) يكون مبعثي الي العراق، أي سفري إليه!؟

ونـري أنّ هـذا هـو الاقـوي احـتـمـالاً، لانّ الامـام (ع) قـد خـرج مـن مـكـّة بـالفـعـل يـوم الثـلاثـاء بـدليـل قول الامام (ع) نفسه في رسالته الاخيرة التي بعثها الي أهـل الكـوفـة مـع قـيـس بـن مـسـهـّر الصـيـداوي (رض) حـيـث يقول فيها: «.. وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية..». [6] .

وعلي أساس هذا التقويم يكون يوم عاشوراء الجمعة إذا كان ذو الحجة تسعة وعشرين يوماً، أو السبت إذا كان ثلاثين يوماً، وهذا ما يتّفق مع المأثور بصدد يوم عاشوراء.


پاورقي

[1] دلائل الامامة: 184: رقم 102 / 3.

[2] فـمـن هؤلاء: عبدالرحمن بن عمرو بن يُحمَد: أبو عمرو الشامي، وهذا الاوزاعي وُلِد عام 88ه‍ق يعني بعد سبع وعشرين سنة من استشهاد الامام الحسين (ع)، وتوفي عام 157 ه‍، وقد سکن الاوزاع بـدمـشـق، والمـعـروف عـنـه أنـه قـال: «مـا أخـذنـا العـطاء حتي شهدنا علي عليّ(ع) بالنفاق وتـبـرّأنـا مـنـه، وأُخـذ عـلينا بذلک الطلاق والعتاق» (راجع: سير أعلام النبلاء: 7:109)، وعليه فهذا الاوزاعيّ لم يُدرک الامام الحسين (ع).

وقـد ظـنّ المـامـقـانـي أنّ لقـب الاوزاعـي مـنـحـصـر فـي عـبـدالرحـمـن هـذا، حـيـث قـال: «إنّ هـذا اللقـب مـنـحـصـر فـي عـبـدالرحـمن المعروف بالاوزاعي ولم نَر غيره قطّ» (تنقيح المقال: 3:46)، والامر ليس کذلک، إذ منهم أيضاً: مغيث بن سُمّي الاوزاعي، أبو أيّوب (راجع: الانـسـاب للسـمـعـانـي: 1:227)، وقد أوردنا ذکره في المتن لاننا نرجّح أنه هو المراد بالاوزاعي في هذه الرواية. ومنهم أيضاً: نهيک بن يريم الاوزاعي، وهو من الطبقة الرابعة، ويروي عن الاوزاعـي المـعـروف ـ عـبـدالرحـمـن بـن عـمـرو ـ (راجـع: تـهـذيـب الکمال:18:294)، وعليه فلا يمکن ان يکون هذا معاصراً للامام الحسين (ع).

ومنهم أيضاً: أبوبکر عمرو بن سعيد الاوزاعي، ولم نعثر له علي ترجمة.

وقـال السـمـعـانـي فـي (الانساب: 1:227): «هذه النسبة الي الاوزاع وهي قري متفرقة فيما أظنّ بـالشـام فـجـمـعـت وقـيـل لهـا الاوزاع، وقـيـل إنـهـا قـريـة عـلي بـاب دمـشـق يقال لها الاوزاع وهو الصحيح.». (وانظر: معجم البلدان: 1: 280).

[3] الانساب / للسمعاني: 1:227.

[4] تهذيب الکمال: 18:294.

[5] ومـن هـذا المـأثـور: ـ عـلي سـبـيـل المثال لا الحصر ـ 1ـ قول الامام الحسين (ع) لمؤمني الجنّ: «ولکن تحضرون يوم السبت وهو يوم عـاشـورا ـ فـي غـيـر هـذه الروايـة يـوم الجـمعة ـ الذي في آخره أُقتلُ...» (اللهوف: 29 /المطبعة الحيدرية ـ النجف).2ـ قـول ابـي جـعـفـر(ع): «يـخـرج القـائم (ع) يـوم السـبـت يـوم عـاشـوراء الذي قُتل فيه الحسين (ع).». (کمال الدين: 2:653 باب 57 حديث 19).

[6] تأريخ الطبري: 3:301 والارشاد: 220.