بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) ـ سـبـق ان قـلنـا [1] أنّ ابـن أعـثـم الكوفي كان قد تفرّد برواية نصّ هذه المحاورة المـفـصـّلة فـي كـتـابـه الفـتـوح، ونـقـلهـا عـنـه الخـوارزمـي فـي كـتـابـه مـقـتـل الحـسـيـن (ع)، والمـلفـت للا نـتـبـاه أنّ هذا النص قد احتوي علي عبارات متعارضة، وأخري لاتـنـسـجـم مـع نـظـرة أهـل البـيـت (ع) الي بـعـض أصـحـاب رسـول الله (ص) سـواء فـي حـيـاتـه (ص) أو بـعـد رحـلتـه، ومـثـال عـلي المـتـعـارضـات قوله (ع) لابن عمر «إتّق اللّه أبا عبدالرحمن ولاتدعنّ نصرتي» وقـوله بـعـد ذلك «فـإن كـان الخـروج مـعـي مـمـّا يـصـعـب عـليـك ويـثـقـل فـأنـت فـي أوسـع العـُذر!». ومـثال علي الاخري قوله: «فوالذي بعث جدّي محمداً(ص) بـشـيراً ونذيراً لو أنّ أباك!»، وقوله «واذكرني في صلاتك!» وقوله «ولكن لا تتركنّ لي الدعاء في دبر كُلّ صلاة!».

والظـنّ قـويُّ أنّ العـبـارة التـي تـرخـّص لابـن عمر في عدم نصرة الامام (ع) وتجعله في أوسع العـذر! والعـبـارة التـي تـثـني علي بعض الصحابة بمالم يفعله (والوثائق التأريخية تؤكد خـلاف ذلك!)، والعـبـارة التـي تـدّعـي عناية الامام (ع) بصلاة ابن عمر أو بدعائه ـ علي فرض صحة رواية هذه المحاورة أصلاً ـ قد


أُدخـلت عـلي أصـل النـصّ وأُقـحـمـت عـليـه إقـحـامـاً مـن قبل بعض الرواة أو النسّاخ من أجل تحسين صورة البعض علي لسان الامام (ع)!!

2) ـ اعـتـرف ابـن عـمـر بـأنّ نـصـرة الامـام الحـسـيـن (ع) والانـضـمـام إليـه واجـب شـرعـيّ حـيـن قـال إنـه سـمـع رسـول الله (ص) يـقـول: «حـسـيـنٌ مـقـتـول! ولئن قتلوه وخذلوه ولن ينصروه ليخذلهم الله يوم القيامة!».

ويـتـأكـد لابـن عـمـر هـذا الواجـب الشـرعـيّ المـقـدّس حـيـن يـسـمـع مـن ابن عباس أيضاً أنه سمع رسول الله (ص) يقول:

«مـالي وليـزيـد!؟ لابـارك الله فـي يـزيـد! وإنـه ليـقـتـل ولدي وولد ابـنـتـي الحـسـيـن (ع)! والذي نـفـسـي بـيـده لايُقتل ولدي بين ظهرانيّ قوم فلا يمنعونه إلاّ خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم!».

ويـُلقـي الامـام (ع) الحـجـّة صـريـحـة بـالغـة تـامـة عـلي ابـن عـمـر حـيـث يقول له:

«إتّقِ الله أبا عبدالرحمن ولا تدعنّ نصرتي!».

ومع كلّ هذا نري عبدالله بن عمر يقعد ويتخلّف عن نصرة الامام الحسين (ع) عامداً بلا عُذر! ولايكتفي بـذلك بـل يـلحُّ بـإصـرار عـلي الامـام (ع) ليـتـرك القـيـام، ويـرجـع الي المـديـنـة، ويدخل في صلح القوم!، ويصبر علي يزيد!

3) ـ ونـلاحـظ ابـن عـمـر أيـضـاً يـحـاول ـ وكأنّه ناطق رسميّ أمويّ! ـ أن يوهم الامام (ع) بأنّ المـتـاركة بينه وبين يزيد أمرٌ ممكن، وأنّه لابأس علي الامام (ع) إنْ ترك القيام حتي وإن لم يـبـايـع! فـيـقـول له: «وإن أحـبـبـت أن لا تـبـايـع فـأنـت مـتـروك حـتـّي تـري بـرأيك!»، ويـقـول: «وإن لم تـحـب أن تـبـايـع فـلا تـبـايـع أبـداً واقـعـد فـي منزل!».

تُري هل كان ابن عمر مؤمناً حقّاً بإمكان هذه المتاركة!؟


كـيـف يـكـون مـؤمـنـاً بـهـا وقـد روي هـو نـفـسـه أنـه سـمـع رسـول الله (ص) يـقـول: «حـسين مقتول!...» ويسمع ابن عباس ‍ أيضاً يروي عنه (ص) بأنّ يزيد قاتل الحسين (ع)!؟

وإذا لم يـكـن مـؤمـنـاً بـإمـكـان هذه المتاركة! فلماذا كان يصرّ علي دعوي إمكانها وكأنّه ينطق عن لسان الحكم الامويّ!؟

هـل كـان ابن عمر يريد ـ بلسان المشورة والنصيحة ـ أ ن يوقع الامام (ع) في شِباك صيد يزيد بعد نزع فتيل الثورة قبل اندلاعها!؟

وهل يستبعد المتأمّل ان يصدر هذا من ابن عمر!؟

لعلّ التأمّل في أ بعاد الملاحظة التالية يكشف لنا عن الجواب!

4) ـ أكـّد ابـن عـمـر فـي هـذه المـحـاورة اعـتـرافـه بـعـداوة الامـويـيـن لاهـل البـيـت (ع) وبـظـلمـهم إيّاهم! وبأنّ الامويين وعلي رأسهم يزيد هم «القوم الظالمون»! وأنـهـم «لاخـلاق لهـم» عـنـد الله! وأكـّد عـلي خـوفـه مـن أن يميل الناس إليهم طمعاً في ما عندهم من الذهب والفضة «الصفراء والبيضاء»!

لكـنـنـا نـجد أنّ ابن عمر هذا كان ممن تسلّم هذه الصفراء والبيضاء من معاوية رشوة أيّام تمهيده ليزيد بولاية العهد من بعده! حيث أرسل إليه معاوية مائة ألف درهم فقبلها! [2] .

ونجد ابن عمر قد بادر الي بيعة يزيد! مع أنّ الامام (ع) كان قد طلب إليه في


هذه المحاورة ـ عـلي الاقـلّ! ـ ألاّ يـعـجـل بـالبـيـعـة ليـزيـد حـتـّي يـعـلم مـا تـؤول إليـه الامـور! هـذا مـع اعـتـراف ابـن عـمـر بـأنّ يـزيـد رجل ظالم ولاخلاق له عند الله! ثمّ نجد ابن عمر وقد انتفضت الامّة في المدينة علي يزيد وخلعته لفسقه وفجوره يصرُّ علي التمسّك ببيعة يزيد مدّعياً أنها كانت بيعة للّه ولرسوله!! وينهي أهله عن التنكّر لهذه البيعة معلناً براءته ممّن تنكّر لها منهم!

يـقـول التـأريـخ: لمـّا خـلع أهـل المدينة بيعة يزيد «جمع ابن عمر بنيه وأهله ثمَّ تشهد، ثمّ قـال: أمـّا بـعـدُ، فـإنـّا قـد بـايـعـنـا هـذا الرجـل عـلي بـيـعـة الله ورسـوله! وإنـّي سـمـعـت رسـول الله يـقـول: إنّ الغـادر يـُنـصـب له لواء يـوم القـيـامـة، يـقـال هـذا غـدر فـلان، فـإنّ مـن أعـظـم الغـدر ـ إلاّ أن يـكـون الشـرك بـالله ـ أن يـبـايـع رجـل رجـلاً علي بيعة الله ورسوله ثمّ ينكث بيعته! فلا يخلعنّ أحدٌ منكم يزيد! ولايسرفنّ أحد مـنـكـم فـي هـذا الامـر فـيـكـون الفـيـصـل بـيـنـي وبـيـنـه ـ رواه مـسـلم، وقال الترمذي: صحيح.» [3] .

فهل يُعقل أن تكون البيعة لرجل ظالم فاسق لاخلاق له عند الله تعالي بيعة لله ولرسوله!؟

أو ليسَ مما أجمعت الامّة عليه أنّ العدالة من شروط الامامة!؟ [4] .

ومن هو الغادر الذي يُنصب له لواء يوم القيامة! الذي بايع الفاسق مع علمه بفسقه منذ البدء ـ كـمـا فـعـل ابـن عمر! ـ أم أهل المدينة الذين انتفضوا علي يزيد بعد أن تيقّنوا من فسقه وخلعوا بيعته!؟

ثـمّ لمـاذا لايـري ابـن عـمـر كـُلاًّ مـن طـلحة والزبير ومن معهما غادرين تُنصب لهم ألوية غدر يوم القـيـامة! حيث نكثوا بيعتهم لرمز العدالة أمير المؤمنين عليّ(ع)!؟ أم


يتوقّف ابن عمر في هذا الامر فيبتدع مغالطة أخري من مغالطاته الكبيرة الكثيرة!؟

لقـد كـان عـبـدالله بـن عـمـر لسـانـاً مـن الالسـنـة التـي خـدمـت الحـكـم الامـويّ، بـل كـان بـوقـاً أمـويـّاً حـرص عـلي عـزف النـغـمة النشاز في أنشودة المعارضة! وسعي إلي تـحـطـيـم المـعـارضـة مـن داخـلهـا، ولا يـُعـباء بما صوّره به بعض المؤرخين من أنه كان رمزاً من رمـوزهـا، لانّ المـتـأمـّل المـتـدبـّر لايـجـد لابـن عـمـر هـذا أيّ حـضورٍ في أيّ موقف معارضٍ جادّ! بل يراه غائباً تماماً عن كلّ ساحة صدق في المعارضة!

وإذا تـأمـّل المـحـقـق مـليـّاً وجد عبدالله بن عمر ينتمي انتماءً تاماً ـ عن إصرار وعناد ـ الي حركة النـفـاق التـي قـادهـا حـزب السـلطـة، مـنـذ البـدء ثـمّ لم يـزل يـخـدم فـيـها حتي في الايّام التي آلت قيادتها فيها الي الحزب الاموي بقيادة معاوية ثمّ يزيد! هذه هي حقيقة ابن عمر وإن تكلّف علاقات حسنة في الظاهر مع وجوه المعارضة عامّة ومع الامام الحسين (ع) خاصة.

وحـقـيـقـة ابـن عـمـر هـذه يـكـشـف عنها معاوية لابنه يزيد في وصيته إليه بلا رتوش نفاقية حيث يقول له: «.. فأمّا ابن عمر فهو معك! فالزمه ولاتدعه!» [5] .


پاورقي

[1] راجـع حـاشـيـة آخـر هـذه الروايـة فـي عـنـوان (تـحـرّک عـبـدالله بـن عـبـاس) فـي أوائل هذا الفصل،ص 231.

[2] يـقـول ابـن کـثـيـر: «وبـعـث اليـه مـعاوية بمائة ألف لمّا أراد أن يبايع ليزيد..» (البـدايـة والنـهـايـة: 8:83)، ويـقـول ابـن الاثـيـر: «عـزم مـعـاويـة عـلي البـيعة لابنه يزيد فـأرسـل الي عـبـدالله بـن عـمـر مـائة ألف درهـم فـقـبـلهـا..» (الکامل في التأريخ: 2:509).

[3] سنن الترمذي: 4:144.

[4] راجع: الجامع لاحکام القرآن: 1:187 / الشرط الحادي عشر من شروط الامامة.

[5] أمالي الصدوق:215 / المجلس الثلاثون، حديث رقم 1.