بازگشت

عبدالله بن عمر... و المشورة المريبة


تـمـيـّز عـبـدالله بـن عـمـر [1] عـن جـمـيـع وجـهـاء الامـّة وأعـلامـهـا مـن الرجـال الذيـن


التـقوا مع الامام الحسين (ع) في مكّة المكرّمة وعرضوا عليه نصائحهم ومشوراتهم بـمـوقـفـه الرافـض لاصـل القـيـام والنـهـضـة! وبـدعـوتـه الامـام (ع) الي الدخـول فـي مـا دخـل فـيـه النـاس! وإلي مـبـايـعـة يـزيـد! والصـبر عليه كما صبر لمعاوية من قبل!

وكـان هـذا النـهـي عـن القـيـام والخـروج، والدعـوة الي مـبـايـعـة يـزيـد، والدخول في ما دخل فيه الناس، خطّاً ثابتاً لابن عمر في لقاءاته الثلاثة [2] مع الامام الحسين (ع) منذ ابتداء قيامه المبارك.

ولم يسجّل لنا التأريخ في الايام المكيّة من عمر النهضة الحسينية شيئاً عن موقف ابن عمر من قيام الامـام (ع) سـوي آرائه ومـشـوراتـه التـي أبداها في المحاورة الثلاثية بينه وبين الامام (ع) وبين ابن عباس (رض).

وقد نقلنا هذه المحاورة في حديثنا عن تحرّك ابن عبّاس (رض) مركّزين


علي نصوص التحاور بين الامام (ع) وبين ابن عباس (رض)، وننقلها هنا مركزّين علي نصوص التحاور بين الامام (ع) وبين عبدالله بن عمر..

تـقـول الروايـة التـأريـخـيـة: «وأقـام الحـسـيـن (ع) بـمـكـّة بـاقـي شـهـر شـعـبـان ورمـضـان وشـوّال وذي القـعـدة، وبـمـكـّة يـومـئذٍ عبدالله بن عبّاس وعبدالله بن عمر بن الخطّاب، فأقبلا جميعاً حتي دخلا علي الحسين (ع) وقد عزما علي أن ينصرفا الي المدينة...

فـقـال له ابـن عـمـر: أبا عبدالله، رحمك الله إتّق الله الذي إليه معادك! فقد عرفت من عداوة أهـل هـذا البـيـت لكـم وظـلمـهـم إيـّاكـم، وقـد ولي النـاس هـذا الرجـل يـزيـد بـن مـعـاويـة! ولسـت آمـن أن يـمـيـل النـاس إليـه لمكان هذه الصفراء والبيضاء فـيـقـتـلونـك ويـهـلك فـيـك بـشـرٌ كـثـيـر، فـإنـي قـد سـمـعـت رسـول الله (ص) وهـو يـقـول: «حـسـين مقتول، ولئن قتلوه وخذلوه ولن ينصروه ليخذلهم الله الي يـوم القـيـامـة»، وأنـا أشـيـر عـليـك أن تـدخـل فـي صـلح مـا دخـل فـيـه النـاس، واصـبـر كـمـا صـبـرت لمـعـاويـة مـن قبل، فلعلّ الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين!

فقال له الحسين (ع):

أبـا عـبـدالرحـمـن! أنـا أُبـايـع يـزيـد وأدخـل فـي صـلحـه وقـد قال النبيّ(ص) فيه وفي أبيه ما قال!؟

وهـنـا يـتـدخـّل ابـن عـبـّاس فـي الحـوار ليـصـدّق قـول الامـام (ع)، ويـروي عـن رسـول الله (ص) أنـه قـال: «مـالي وليـزيـد! لابـارك الله فـي يـزيـد! وإنـه ليـقـتـل ولدي وولد ابـنـتـي الحـسـيـن (ع)، والذي نـفـسـي بـيـده لايـُقـتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلاّ خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم»، ثم يبكي ابـن عـبـّاس، ويـبـكـي مـعـه الامـام (ع) ويـسـأله أليـس يـعـلم أنـّه ابـن بـنـت رسـول الله (ص)؟ فـيـشـهـد ابن عبّاس بذلك ويؤكّد


أنّ نصرة الامام (ع) فرض علي هذه الامّة كالصلاة والزكاة!

ثـمّ يـسـأله الامـام (ع) عن رأيه في الامويين الذين أخرجوه عن حرم جدّه (ص) وأرادوا سفك دمه بلا جُرم كان قد اجترحه، فيجيبه ابن عبّاس بأنّ هؤلاء قوم كفروا بالله ورسوله، وعلي مثلهم تـنـزل البـطـشـة الكـبـري، ثـمّ يـشـهـد ابـن عـبـّاس أنّ مـن طـمـع فـي مـحـاربـة الامـام (ع) والرسول (ص) فماله من خلاق! وهنا يقول الامام (ع) «أللّهمّ اشهد!»، فيُدرك ابن عباس (رض) أنّ الامام (ع) قصده وابن عمر بطلب النصرة! فيبادر ابن عباس ويظهر استعداده لنصرة الامام (ع) والجهاد بين يديه، ويقول انه لا يوفّي بذلك عشر العشر من حقّه (ع)!

وهـنـا يـُحـرج ابـن عـمـر لانـّه مـقـصـود أيـضـاً بـالخـطـاب! فـيـتـدخـل ليـحـرف مـسـيـر الحـوار عـن الاتـجـاه الذي أراده الامـام (ع) فيقول لابن عباس: مهلاً، ذرنا من هذا يا ابن عبّاس!

ثـمّ أقـبـل ابـن عمر علي الحسين (ع) فقال: أبا عبدالله، مهلاً عمّا قد عزمت عليه، وارجع من هنا الي المـديـنـة، وادخـل فـي صـلح القـوم! ولاتـغـب عـن وطـنـك وحـرم جـدّك رسـول الله (ص)، ولاتـجـعـل لهـؤلاء الذيـن لاخلاق لهم علي نفسك حجّة وسبيلا، وإن أحببت أن لاتـبـايـع فـأنـت مـتروك حتي تري برأيك، فإنّ يزيد بن معاوية عسي أن لايعيش إلاّ قليلاً فيكفيك اللّه أمره!

فقال الحسين (ع):

أُفٍّ لهـذا الكـلام أبـداً مادامت السموات والارض!، أسألك بالله يا عبدالله! أنا عندك علي خطاء من أمري هذا؟ فإن كنتُ عندك علي خطاء فردّني فإني أخضع وأسمع وأطيع!

فـقـال ابـن عمر: أللّهمّ لا، ولم يكن الله تعالي يجعل ابن بنت رسوله علي خطاء،


وليس مثلك من طهارته وصفوته من الرسول (ص) علي مثل يزيد بن معاوية باسم الخلافة، ولكن أخشي أن يـضـرب وجـهـك هـذا الحـسـن الجـمـيـل بـالسيوف، وتري من هذه الامّة ما لاتحب، فارجع معنا الي المـديـنـة، وإن لم تـحـب أن تـبـايـع فـلا تـبـايـع أبـداً واقـعـد فـي منزل!

فقال الحسين (ع):

هـيـهات يا ابن عمر! إنّ القوم لايتركوني، إن أصابوني وإن لم يُصيبوني، فلا يزالون حتي أُبـايـع وأنـا كاره، أو يقتلوني! أما تعلم يا عبدالله أنّ من هوان هذه الدنيا علي الله تعالي أنـه أُتـي بـرأس يـحـيـي بـن زكـريـا(ع) الي بـغـيـّة مـن بـغـايـا بـنـي إسـرائيـل والرأس يـنـطـق بـالحـجـّة عـليـهـم؟ أمـا تـعـلم أبـا عـبـدالرحـمـن أنّ بـنـي إسـرائيـل كـانـوا يـقـتـلون مـا بـيـن طـلوع الفـجـر الي طـلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسـواقـهـم يـبـيـعـون ويـشـتـرون كـلهـم كـأنـّهـم لم يـصـنـعـوا شـيـئاً، فـلم يـعـجـّل الله عـليهم، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر! إتّقِ الله أبا عبدالرحمن ولا تدعنّ نـصـرتـي! واذكـرنـي فـي صـلاتـك! يـا ابـن عـمـر، فـإن كـان الخـروج مـعـي مـمـّا يـصـعب عليك ويـثقل فأنت في أوسع العذر، ولكن لا تتركنّ لي الدُعاء في دبر كلّ صلاة، واجلس عن القوم، ولاتعجل بالبيعة لهم حتي تعلم الي ماتؤول الامور!

ثـمّ أقـبـل الامـام (ع) عـلي ابـن عـبـّاس (رض) فـأثـنـي عـليه، ورخّصه بالمضيّ الي المدينة وأوصـاه بـمـواصـلتـه بـأخـبـاره، وأظـهـر(ع) أنـه مـسـتـوطـن الحـرم مـا رأي أهله يحبّونه وينصرونه، وأنه يستعصم بالكلمة التي قالها إبراهيم (ع) يوم أُلقي في النار (حسبي الله ونعم الوكيل) فكانت النار عليه برداً وسلاماً.


فـبـكـي ابـن عبّاس (رض) وابن عمر بكاءً شديداً، وشاركهما الامام (ع) بكاءهما ساعة ثمّ ودّعهما وصارا الي المدينة. [3] .


پاورقي

[1] عـبـدالله بـن عـمـر بـن الخـطـّاب العـدويّ القـرشـيّ: وأمـّه زيـنـب بنت مظعون الجمحيّة، وقيل إنه ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي، ومات وله سبع وثمانون سنة، (راجع: الاصابة في مـعـرفـة الصـحـابـة: 2:338 رقـم 4834)، وروي عـن أمـيـر المـؤمـنـيـن عـليّ(ع) أنـه قـال فـيـه: «.. لقـد کان صغيراً وهو سيّء الخلق، وهو في کبره أسواء خُلقاً!» (راجع: شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 4:9 و 10)، وکان شبقاً في شهوته الجنسية، فکان له وطيء علي کـلّ إفـطـار، وکـان يـفـخـر بـذلک (راجع: سير أعلام النبلاء: 3:223)، وکان أبوه يعرف هذا التـهالک علي الجنس فيه، حتي قال له ـ حين أستأذنه في الجهاد ـ أي بُنيّ إنّي أخاف عليک الزنـا! (راجع: الغدير: 10:37 عن سيرة عمر بن الخطّاب لابن الجوزي: 115 أو 138)، وکان يـأکـل الدجـاج والفـراخ والخـبـيـص، ويـلبـس المطرف الخزّ ثمنه خمسمائة درهم (راجع: سير أعلام النبلاء: 3: 239 و 212).

وکـان ابـن عـمـر يـُکـثـر الروايـة عن رسول الله (ص) ويُکثر في الفُتيا، ويُخطيء في کليهما أخـطـاءً فـاحشة تکشف عن بلادة ذهنه وقلّة عقله وفقهه، وقد کشفت عائشة عن کثير من اشتباهاته في الروايـة والفـتـيا (راجع: الغدير: 10: 37 ـ 58 / أخبار ابن عمر ونوادره)، ومن طريف ما يُروي فـي هـذا مـا أخـرجـه الطـبـرانـي مـن طـريـق مـوسـي بـن طـلحـة قال: بلغ عائشة أنّ ابن عمر يقول: إنّ موت الفجأة سخط علي المؤمنين! فقالت: يغفر الله لابن عمر! إنّما قال رسول الله (ص): موت الفجأة تخفيف علي المؤمنين وسخط علي الکافرين. (الغـديـر: 10:42 عـن الاجـابـة للزرکـشـي: 119)، وروي ابـن عـمـر عـن رسـول الله (ص): إنّ المـيـّت يـُعـذّب بـبـکـاء أهله عليه! فقضت عائشة عليه بأنه لم يأخذ الحـديـث عـلي وجـهـه: مـرَّ رسـول الله عـلي يـهـوديـة يـبـکـي عـليـهـا أهـلهـا، فقال (ص): إنهم يبکون عليها وإنها تُعذَّب في قبرها.

وظـنّ ابـن عـمـر العـذاب مـعلولاً للبکاء! وظنّ الحکم عامّاً علي کلّ ميّت! (راجع: الغدير:10:43 عن کتاب الانصاف لشاه صاحب).

ويـکـفـي ابـن عـمـر جـهلاً أنه ما کان يحسن طلاق زوجته، وقد عجر واستحمق (کما في صحيح مسلم 3:273 ح 7 کـتـاب الطـلاق) ولم يـکُ يعلم أنّه لايقع إلاّ في طهر لم يواقعها فيه! وفي لفظ مـسـلم أنـّه طـلّق امـرأتـه ثلاثاً وهي حائض (مسلم:3:273) ولذلک لم يره أبوه أهلاً للخلافة بـعـدمـا کـبـر وبـلغ مـنـتـهـي الکـهـولة! إذ قـال عـمـر ردّاً عـلي رجل اقترح عليه أن يستخلف عبدالله بن عمر: قاتلک الله! واللّه ما أردت اللّه بها! أستخلف مـن لم يـحـسـن أن يـطـلّق امـرأتـه!؟ (راجـع: تـأريـخ الطـبـري 4:228 والکـامـل لابـن الاثـيـر: 2:219) وکـان ابـن عـمـر يـقـول: لا اُقـاتـل في الفتنة وأصلّي وراء من غلب! (راجع: الطبقات الکبري: 4:149)، فهو يري شرعيّة الغالب بالقوّة وإن کان فاسقاً فاجراً عدوّاً لله ولرسوله کيزيد والحجّاج وأمثالهما! ومن المؤسـف أنّ الفـقـه السـنـّي ـ الذي يعتبر ابن عمر فقيه الامّة! ـ قد تبنّي هذه النظرة الخاطئة وکان ولايزال متأثّراً بها الي يومنا هذا.

وقـال ابـن حـجـر فـي (فـتـح البـاري: 13:47): «کـان رأي ابـن عـمـر تـرک القـتـال فـي الفـتـنـة ولو ظهر أنّ إحدي الطائفتين محقّة والاخري مبطلة!» وهذا مخالف لصريح القـرآن فـي وجـوب قـتـال الفـئة التي تبغي! وقال ابن کثير في (تأريخه: 9:8 / حوادث سنة 74): «کـان ـ أي ابـن عـمـر ـ فـي مـدّة الفتنة لايأتي أميراً إلاّ صلّي خلفه! واءدّي إليه زکاة ماله!» فهو مع الامير دائماً وإن کان ظالماً فاجراً!

لکنّ ابن عمر لم يلتزم بما ادّعي الالتزام به من تلک المتبنيّات في موقفه من الامير الحقّ عليّ(ع)، إذ لم يـرَ شـرعـيـتـه حـتـي بـعـد انـتـصـاره فـي مـوقـعـة الجـمل! ولم يبايعه وقعد عنه! ولمّا «دخل عبدالله بن عمر، وسعد بن أبي وقّاص، والمغيرة بن شـعـبة مع أُناس معهم، وکانوا قد تخلّفوا عن عليّ، فدخلوا عليه فسألوه أن يعطيهم عطاءهم ـ وقـد کـانـوا تـخـلّفـوا عـن عـليّ حـيـن خـرج الي صـفـيـّن والجـمـل ـ فـقـال لهـم عـليّ: مـا خـلّفـکـم عني!؟ قالوا: قُتل عثمان، ولاندري أحلُّ دمه أم لا؟ وقد کان أحدث أحـداثـاً ثـمّ اسـتـتـبـتـمـوه فـتـاب، ثـمّ دخـلتـم فـي قـتـله حـيـن قُتل، فلسنا ندري أصبتم أم أخطأتم؟ مع أنّا عارفون بفضلک يا أمير المؤمنين وسابقتک وهـجـرتـک! فـقـال عـليّ: ألسـتـم تـعـلمـون أنّ اللّه عزّ وجلّ قد أمرکم أن تأمروا بالمعروف وتـنـهـوا عـن المـنـکر فقال: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما عـلي الاخـري فـقـاتـلوا التـي تـبـغـي حـتـّي تـفـيء الي أمـر الله؟ قـال سـعـد: يـا عـليّ، اعـطـنـي سـيـفـاً يـعـرف الکـافـر مـن المـؤمـن! أخـاف أن أقـتـل مـؤمـناً فأدخل النار!. فقال لهم عليّ: ألستم تعلمون أنَّ عثمان کان إماماً بايعتموه علي السـمـع والطـاعـة، فـعـلام خـذلتموه إن کان محسناً!؟ وکيف لم تقاتلوه إذ کان مسيئاً!؟ فإن کان عثمان أصاب بما صنع فقد ظلمتم إذ لم تنصروا إمامکم، وإن کان مسيئاً فقد ظلمتم إذ لم تعينوا مـن أمـر بـالمـعروف ونهي عن المنکر، وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين عدّونا بما أمرکم الله بـه، فـإنـه قـال: فـقـاتلوا التي تبغي حتي تفيء الي أمر اللّه. فردّهم ولم يعطهم شيئاً.» (وقعة صفين: 551).

ومـن المـضـحـک قـول ابن عبدالبرّ في ابن عمر: «وکان رضي الله عنه لورعه قد أُشکلت عليه حـروب عـليّ رضي الله عنه وقعد عنه!» (الاستيعاب 3:81) فإنّ ابن عمر الورع التقيّ هذا کان قـد رفـض أن يـعـطـي أمـير المؤمنين عليّاً(ع) حتي کفيلاً علي شرطهِ ومدّعاه، إذ لمّا «أمر أمير المـؤمـنـيـن بـإحـضـار عـبـدالله بـن عـمـر فـقـال له: بـايـع. قال: لا أبايع حتي يبايع جميع الناس!!

فـقـال له (ع): فـاعـطـنـي حـمـيـلاً حـتـي تـبـرح! قـال: ولا أعـطـيـک حـمـيـلاً! فـقـال الاشـتـر: يـا أمـيـر المـؤمـنـيـن، أَمـِنَ هـذا سـوطـک وسـيـفـک فـدعـنـي أضـرب عـنـقـه! فـقـال: لسـت أريـد ذلک مـنـه عـلي کـره، خـلّو سـبـيـله. فـلمـّا انـصـرف قـال أمـيـر المـؤمـنين: لقد کان صغيراً وهو سيي ء الخلق، وهو في کبره أسواء خلقاً!» (شرح نـهـج البـلاغـة لابـن ابـي الحـديد: 4:9)، ويتمادي ابن عمر في تمرّده وتطاوله حين يأمن سطوة أهـل الحـق، إذ «لمّا بايع الناس ‍ عليّاً، وتخلّف عبدالله بن عمر، وکلّمه في البيعة، أتاه في اليوم الثاني فقال: إنّي لک ناصح! إنّ بيعتک لم يرضَ بها کلُّهم، فلو نظرت لدينک ورددت الامـر شـوري بـيـن المـسلمين! فقال عليّ: ويحک! وهل کان عن طلب مني!؟ ألم يبلغک صنيعهم!؟ قم عـنـّي يـا أحـمق! ما أنت وهذا الکلام!؟» (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4:10). ويُروي أنّ ابن عمر أظهر في أواخر عمره ندمه علي عدم نصرته لامير المؤمنين عليّ(ع) في حروبه!! فـکـان يـقـول: مـا أجـدنـي آسـي عـلي شـيء فـاتـنـي مـن الدنـيـا إلاّ أنـّي لم أُقـاتـل مـع عـليٍّ الفـئة البـاغـيـة!! وفـي لفـظ آخـر: مـا آسـي عـلي شـيء إلاّ تـرکـي قـتـال الفـئة البـاغية مع عليّ رضي الله عنه!! (راجع: الطبقات الکبري: 4:187 والاستيعاب: 3:83 وأُسد الغابة: 3:342 والرياض النضرة: 3:201).

ولو صحّ هذا الندم فلابدّ أنّ حصوله کان لمّا حضرت ابن عمر الوفاة حيث يندم المجرمون ولات سـاعـة مـندم، ذلک لانّه کان يصلّي أواخر عمره خلف الحجّاج في مکّة، وخطباء الحجّاج لعنه الله ولعـنـهـم کـانـوا يـسبّون عليّاً(ع) ويلعنونه! بل کان ابن عمر يصلّي أيضاً خلف نجدة بن عامر الخارجيّ! (راجع: الطبقات الکبري: 4:149 والمحلّي: 4:213).

وقد أذلّ الله ابن عمر وأذاقه وبال أمره ـ بإمتناعه عن مبايعة عليّ(ع) ـ إذ لمّا أراد أن يبايع لطـاغـيـة زمـانه علي يد ممثله الحجاج مدَّ إليه هذا المتجبّر رجله بدلاً من يده احتقاراً له، ثمّ سلّطه الله عـليـه فـقـتله وصلّي عليه! (راجع: الاستيعاب: 3:82 وأُسد الغابة: 3:230 وانساب الاشراف 10 :447 و 452).

[2] روي التـاريـخ ثـلاثـة لقـاءات لعـبد الله بن عمر مع الامام (ع) منذ رفض الامام (ع) البـيـعـة ليـزيد، اللقاء الاوّل في الابواء بين المدينة ومکّة، بين ابن عمر وابن عبّاس (أو ابن عـيـّاش) مـن جـهـة وبـين ابن الزبير والامام (ع) من جهة (راجع: تأريخ ابن عساکر / ترجمة الامام الحـسـيـن (ع) / تـحـقـيـق المـحـمـودي: 200 رقـم 254)، وقـد مـرَّ فـي الجـزء الاول مـن هـذه الدراسـة أنّ هـذا اللقاء لم يقع لانّ الامام (ع) وابن الزبير لم يجتمعا في الطريق بـيـن المـديـنة ومکّة. أمّا اللقاء الثاني فهو في مکّة، وأمّا الثالث فهو بعد خروجه من مکّة کما في (تاريخ ابن عساکر / ترجمة الامام الحسين (ع) / تحقيق المحمودي: 192 ـ 193 رقم 246).

[3] راجع: الفتوح: 5:26 ـ 27 ومقتل الحسين (ع) / للخوارزمي: 1: 278 ـ 281، وقد روي بعضها السيد ابن طاووس (ره) في اللهوف: 102.