بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) ـ فـي محاوراته مع الامام (ع) كان ابن الزبير يناقض نفسه في نصائحه ومشوراته، فمرّة يـسـتـظـهـر خـلاف مـا يـسـتـبـطـن فـيـشـيـر عـلي الامـام (ع) بـالبـقـاء فـي مـكـّة!، وأخـري يـغـفـل عـن تـصـنـّعـه فـتـظهر أمنيّة قلبه في فلتات لسانه فيحثّ الامام (ع) علي الخروج الي العـراق!، وقـد يـعـارض نـفـسـه فـي المـحاورة الواحدة فيشير في أوّلها بالخروج ثم يستدرك فـيـشير بالبقاء خوفاً من أن يُتّهم بما يُكنُّ في نفسه! وقد ينسي نفسه وماحوله فيطلب من الامام (ع) أن يوليّه الامر!!

2) ـ ويلاحظ علي ابن الزبير أيضاً أنّ «حبّ الرئاسة» قد طغي علي قلبه وهيمن علي تفكيره إلي درجـة أنـسـاه عـنـدهـا حـتـي الفرق الهائل بين قعر الوهدة وذروة القمة حين تعامي عن الفرق الكـبـيـر بـيـنـه وبـيـن الامـام (ع)! فـعـدَّ نـفـسـه ـ كما الامام (ع)! ـ من ولاة الامر وأصحاب الحقّ بـالخـلافـة حـيـث يـقـول: «ونـحـن أبـنـاء المـهـاجـريـن وولاة الامـر دونـهـم!»، بل يغلب حبّ الرئاسة علي عقله الي درجة يفقد عندها توازنه فيعمي عن حقائق الاشياء وموازينها ـ فـيـمـا يـمـكـن ومـالا يـمـكـن ـ فـلايري مانعاً من أن يكون هو الخليفة حتّي مع وجود الامام (ع) حيث يخاطبه قائلاً: «فأَقم إن شئت وتولّيني أنا الامر..!!».

3) ـ ويـلاحـظ المـتـأمـّل فـي جـمـيـع هـذه المـحـاورات الادب الجـمّ والخـلق السـامـي الذي تعامل به الامام (ع) مع عبدالله بن الزبير، مع معرفته التامّة بما انطوي عليه ابن الزبير من بـغـض لاهـل البـيـت (ع)، فـكـان صـلوات الله عليه يسارّه كما يسارّ الودود المخلص في وداده، ويحاوره كما يحاور الناصح الصادق في نصحه، ومع كلّ هذا الخلق العظيم فقد حرص الامام (ع) في محاوراته مع ابن الزبير علي أمرين هما:


الاوّل: التأكيد علي حرمة استحلال البيت وانتهاك حرمته «إنّ أبي حدّثني أنّ بها كبشاً يستحلّ حـرمـتـهـا! فـمـا أحـبّ أن أكـون أنـا ذلك الكـبـش!» و«والله لئن أُقـتـل خـارجـاً مـنـهـا بـشـبـر أحـبّ إليَّ مـن أن أُقـتـل داخـلاً مـنـهـا بـشـبـر!» و«لاَن أُقـتل وبيني وبين الحرم باعٌ أحبُّ إليَّ من أن أُقتل وبيني وبينه شبر!» و«لانستحلّها ولاتُستحلّ بـنـا، ولان أُقـتـل عـلي تـل أعـفـر أحـبّ إليَّ مـن أن أُقـتـل بـهـا!»، ولايـخـفـي عـلي المـتـأمـّل أنّ الامام (ع) أراد من خلال هذا التأكيد أيضاً نهي ابن الزبير ألاّ يكون هو أيضاً ذلك الكـبـش ‍ القتيل إقامة للحجّة عليه، مع علمه (ع) بأنّ ابن الزبير هو ذلك المستحِلُّ لحرمة البيت الحرام!

الثاني: تأكيد الامام (ع) علي نفي أيّ ارتباط بينه وبين ابن الزبير، ويظهر حرص الامام (ع) عـلي ذلك كـلّمـا أحـسّ أنّ هـنـاك مـن يـراهما اثناء التحاور ويُنصت لهما، حيث يكشف الامام (ع) لاولئك المـراقـبـيـن عـن مـا يـسـرّه إليـه ابـن الزبـيـر، كـمـثـل قـوله (ع): «إنّ هـذا يـقـول لي: كن حماماً من حمام الحرم...» وقوله (ع) كاشفاً عن أمنية ابن الزبير: «ها إنّ هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أخرج الي العراق...».

4) ـ ويـلاحـظ أيـضـاً أنّ الامـام (ع) أكـّد لابـن الزبـيـر ولسـامـعـيـه الاخـريـن أنـه لامـحـالة مـقـتـول حيث قال (ع): «وأيمُ الله لو كنت في جحر هامّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتي يقضوا فيّ حـاجـتـهـم! والله ليـعتدُنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت!»، كما أشار(ع) تلميحاً إلي مكان مـصـرعـه فـي قـوله: «ولان أُقـتـل بـالطـفّ أحـبّ إليّ مـن أن أُقـتـل بالحرم!» و«يا ابن الزبير، لاَن أُدفن بشاطيء الفرات أحبّ إليّ من أن أدفن بفناء الكـعـبـة!»، ولعـلّ الامـام (ع) أراد بـذلك إلقـاء الحـجـّة عـلي ابـن الزبير وعلي من كان يسمع تحاورهما بوجوب الخروج معه


لنصرته والجهاد بين يديه.

5) ـ مـمـّا لايـخفي ـ علي من له أدني اطّلاع علي تأريخ النهضة الحسينية ـ أنّ مشورات ونصائح ابـن الزبير المتعارضة ـ وإن استمع إليها الامام (ع) بأدبه السامي العظيم ـ لم يكن لها أيّ تـأثـيـر عـلي الامـام (ع) الذي كـان عـارفـاً بـحقيقة مايستبطنه ابن الزبير من عداوة وبغضاء لال مـحـمـّد(ص)، وبـكـذب مايستظهره من نصح ومودّة لهم، ولذلك فلم يكن لرأي ابن الزبير أيّ أثر علي حركة أحداث النهضة الحسينية لامن قريب ولامن بعيد.

من هنا حقَّ للمتأمّل أن يعجب كثيراً من سخيف ما ذهب إليه ابن أبي الحديد من أنّ الامام الحسين (ع) خرج الي العراق عملاً بنصيحة ابن الزبير له بذلك، فغشه!

يقول ابن أبي الحديد: «واستشار الحسين (ع)، عبدالله بن الزبير وهما بمكّة في الخروج عنها، وقـصـد العراق ظانّاً أنه ينصحه، فغشّه، وقال له: لاتقم بمكّة، فليس بها من يبايعك، ولكن دونـك العـراق، فـإنـّهم متي راءوك لم يعدلوا بك أحداً، فخرج الي العراق حتي كان من أمره ما كان!». [1] .

وأسـخـف مـن قـول ابن أبي الحديد قول محمّد الغزالي في الدفاع عن ابن الزبير واستبعاده أن يـكـون ابـن الزبـيـر قـد أشـار عـلي الامـام (ع) بـالخروج الي العراق ليستريح منه، قائلاً: «فـعـبـد الله بـن الزبـيـر أتـقـي للّه وأعـرق فـي الاسـلام مـن أن يـقـتـرف مثل هذه الدنيّة!». [2] .



پاورقي

[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16:102.

[2] حياة الامام الحسين بن عليّ(ع): 2:311.