بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) ـ توحي هذه الرواية ـ كما أوحت ذلك من قبل أيضاً رسالة عبدالله بن جعفر الي الامام (ع) التي رواهـا صـاحـب الفـتوح ـ بأنّ عبدالله بن جعفر كان يعتقد أنّ الامام (ع) إنّما خرج لفقده الامان عـلي حـيـاتـه لا لامـرٍ آخـر وراء ذلك، فـهـو هـنـا يـقـول للاشـدق: أكـتـب للحـسـيـن كـتـابـاً تجعل له فيه الامان، وتمنّيه فيه البرّ والصلة... لعلَّه يطمئن الي ذلك فيرجع!

كما توحي أيضاً بأنه كان يري إمكان تحقق المتاركة بين السلطة الاموية وبين الامام (ع) في حـال عـدم مـبايعته ليزيد! الامر الذي لم يكن يراه محمّد بن الحنفية وعبدالله بن عباس رضي الله عنهما كما هو المستفاد من محاوراتهما مع الامام (ع).

ونحن نستبعد جدّاً أن يكون عبدالله بن جعفر(رض) ذا اعتقاد كهذا! وهو ابن عمّ الامام (ع)، القريب مـنـه الحـمـيـم العلاقة به، والمعتقد بإمامته وعصمته، العارف بنظرته الي الامور، البصير بمشربه.

ونـعـتـقـد أنّ قـلّة الوثـائق التـأريـخـيـة المـتـعـلّقـة بـأخـبـار وتفاصيل موقف ابن


جعفر(رض) من قيام الامام (ع) ساعدت كثيراً علي مظلوميته!

والنـزر القـليـل جـدّاً مـن الروايـات التـأريـخـيـة المـتـوفـّرة فـي هـذا الصدد قد شوّه الصورة النـاصـعـة لهـذا الهـاشـمـي العـظـيـم الذي وردت روايـات فـيـه أنـه أشـبـه رسول الله (ص) خلقاً وخُلقاً. [1] .

2) ـ وتـدّعـي هـذه الروايـة أيـضـاً أنّ رسـالة الاشـدق الي الامـام (ع) كـان قد كتبها عبدالله بن جـعـفـر(رض)، وهـذا مـن مـظـلومـيـتـه التـأريـخـيـة أيـضـاً، ذلك لان المـتـأمـّل فـي مـتـن هـذه الرسـالة يـري فـيـهـا كـثـيـراً مـن سـوء الادب فـي مـخـاطـبـة الامـام (ع)، كمثل: «أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لما يُرشدك.. وإني أُعيذك بالله من الشـقـاق!»، وهـذا مستبعد صدروه من رجل مؤمن بإمامة الامام الحسين (ع)، ويراه: «نور الارض» و«أمير المؤمنين» و«روح الهدي». [2] .

ومـن الجـديـر بـالذكـر هـنـا: أنّ ابن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح [3] قد ذكر هذه الرسـالة التـي بـعـثـهـا الاشدق الي الامام (ع)، ولكنّه ذكر أن عمرو بن سعيد الاشدق هو الذي كتبها وليس عبدالله بن جعفر(رض)، كما ذكر أنّ حاملها الي الامام (ع) كان يحيي بن سعيد وحده، أي لم يكن عبدالله بن جعفر(رض) معه!

كـمـا أنّ الشـيـخ المفيد(ره) روي نفس قصة هذه الرسالة ـ كما رواها الطبري ـ لكنّه لم يذكر أنّ عـبـدالله بـن جـعـفـر(رض) هـو الذي كـتـبـهـا [4] بـل قـال: «فـكـتـب إليـه


عـمـرو بـن سـعـيـد كـتـابـاً...»، [5] فتأمّل!

وأمّا قصة التحاق ابنيه عون ومحمّد [6] بالامام (ع)...

فـإنّ ظـاهـر القرائن التأريخية يفيد أنهما كانا مع أبيهما، ثمّ التحقا بالامام (ع) وانظمّا إلي الركـب الحـسـيـنـي بـعـد خـروجـه مـن مـكـّة بـعـلمٍ مـن أبـيـهـمـا وبـإذنـه، يـقـول الشـيخ المفيد(ره): «فلمّا أيس منه عبدالله بن جعفر(ره) أمر ابنيه عوناً ومحمّداً بلزومه والمسير معه والجهاد دونه، ورجع مع يحيي بن سعيد الي مكّة.». [7] .

وقـد كـان إبـنـاه مـحـمـد وعـون حـامـلي رسـالة أبـيـهـمـا الي الامـام (ع) قـبل ذلك علي ما في رواية الطبري والمفيد، [8] وإن كان سياق القصة علي ما في رواية الفتوح أنه بعثهما برسالته من المدينة الي الامام (ع) في مكّة، [9] وهذا ما ذهب اليه ابـن الصـبـّاغ أيـضـاً فـي الفـصـول المـهـمـة حيث قال: «ثمّ إنّه وردت علي الحسين (ع) كتب من أهـل المدينة من عند عبدالله بن جعفر علي يدي ابنيه عون ومحمّد، ومن سعيد بن العاص ومعه جماعة من أعيان المدينة...». [10] .

وإرسـال عـبـدالله بـن جـعـفـر(رض) ولديـه عوناً ومحمّداً ليجاهدا دون


الامام (ع) وليستشهدا بين يـديـه دليـل تـام عـلي تـأيـيـده النـهـضـة الحـسـيـنـيـة، وهـنـا يـلمـح المـتـأمـّل أنّ عـبـدالله بـن جـعـفـر يـشـتـرك مـع ابـن الحـنـفـيـة وابـن عـبـاس فـي أصل تأييد قيام الامام (ع) وفي أصل معارضة خروجه الي العراق..

ومـن الروايـات الكـاشـفـة عـن تـأيـيده (رض) لقيام الامام (ع)، ما رواه الشيخ المفيد(ره) قائلاً: «ودخـل بـعـض مـوالي عـبـدالله بـن جـعـفر بن أبي طالب (ع) فنعي إليه ابنيه، فاسترجع، قـال أبـو السـلاسـل (أبـو اللسـلاس) [11] مـولي عبدالله: هذا مالقينا من الحسين بن عليّ!

فـحـذفـه عـبـدالله بـن جـعـفـر بـنـعـله، ثـم قـال: يـا ابـن اللخـنـاء، أللحـسـيـن (ع) تـقـول هـذا!؟ والله لو شـهـدتـه لاحـبـبـت أن لا أفـارقـه حـتـي أُقـتـل مـعـه! والله إنـه لمـمّا يسخّي نفسي عنهما ويعزّي عن المصاب بهما أنهما أُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له، صابرين معه.

ثـمّ أقـبل علي جلسائه فقال: الحمدُ للّه، عزَّ عليَّ مصرع الحسين، إن لا أكن آسيت حسيناً بيدي فقد آساه ولداي.». [12] .

وجـديـر بـالذكـر هـنـا أن نضيف أنّ أبا الفرج الاصبهاني روي أنّ لعبدالله بن جعفر(رض) ولداً آخـر أسـمـه عـبـيـدالله، وأمـّه الخـوصـاء بـنـت حـفـصـة بـن ثـقـيـف، قُتل أيضاً في كربلاء بين يدي الامام الحسين (ع)، وهو أخو محمد بن عبدالله بن جعفر(رض) لامّه وأبيه. [13] .



پاورقي

[1] انظر: سير أعلام النبلاء، 3:456.

[2] کـمـا ورد ذلک فـي رسـالة عـبـدالله بن جعفر الي الامام (ع) علي ما في رواية الفتوح، 5:75 وکذلک تأريخ الطبري، 3:296.

[3] الفـتـوح، 5:75 وعـنـه الخـوارزمـي في المقتل، 1:312 / لکنّه ذکر أنه کتبها إليه من المدينة.

[4] وهکذا في الکامل لابن الاثير، 2:548 وفي البداية والنهاية، 8:169.

[5] الارشاد: 219.

[6] عـون وأمـّه زيـنـب بنت عليّ(ع)، ومحمّد وأمّه الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة... بن بکر بن وائل (راجع: إبصار العين: 75 ـ 77).

[7] الارشاد: 219.

[8] تأريخ الطبري، 3:297 والارشاد: 219.

[9] الفتوح، 5:75 والخوارزمي في المقتل، 1:311.

[10] الفصول المهمة: 187 ونور الابصار: 258 / أمّا ابن عبد ربّه فعلي عادته في قلب الحـقـائق، قـال فـي کـتابه: «أرسل عبدالله بن جعفر ابنيه عوناً ومحمّداً ليردّا حسيناً! فأبي حسين أن يرجع! وخرج إبنا عبدالله بن جعفر معه!» (العقد الفريد: 4:377).

[11] کما ضبطها المحقّق السماوي (راجع: ابصار العين: 76).

[12] الارشاد: 247، والکامل في التأريخ: 2:579 والطبري: 3:342.

[13] راجع: مقاتل الطالبيين: 61 وعنه البحار، 45:34.