بازگشت

تحرك عبدالله بن جعفر


لم يحدّثنا التأريخ عن شيء من تحرّك عبدالله بن جعفر(رض) [1] طيلة أيّام


النهضة الحسينية إلاّ في ثلاث قضايا:

الاولي: ـ كتابته الرسالة التي بعث بها من المدينة الي الامام (ع) في مكّة بعد انتشار الخبر في أهـل المدينة بأنّ الامام الحسين (ع) يريد الخروج الي العراق (علي ما في رواية الفتوح)، أو بعثها إليه من مكّة بعد خروجه (ع) منها (علي ما في رواية الطبري).

والثانية: ـ وساطته بين والي مكّة والمدينة يومئذٍ عمرو بن سعيد الاشدق وبين الامام (ع) بُعَيْدَ خروجه من مكّة.


والثالثة: ـ إرساله ولديه محمّداً وعوناً لنصرة الامام (ع).

أمّا في قضية الرسالة فتقول رواية الفتوح:

«.. واتـصـل الخـبـر بـالمـدينة، وبلغهم أنّ الحسين عزم علي الخروج الي العراق، فكتب إليه عبدالله بن جعفر الطيّار:

بـسـم الله الرحـمـن الرحيم. للحسين بن علي من عبدالله بن جعفر: أمّا بعدُ، فإنّي أُنشدك الله أن تـخـرج عـن مـكـّة، فـإنـّي خـائف عليك من هذا الامر الذي قد أزمعت عليه أن يكون فيه هلاكك وأهل بيتك، فإنّك إنّ قُتلتَ أخاف أن يُطفاء نور الارض وأنت روح الهدي، وأمير المؤمنين، فـلا تـعـجـل بـالمـسير الي العراق، فإنّي آخذٌ لك الامان من يزيد وجميع بني أميّة، علي نفسك ومالك وولدك وأهل بيتك، والسلام.». [2] .

فكتب إليه الحسين (ع):

«أمـّا بـعـدُ، فـإنّ كـتـابـك ورد عـليَّ فـقـرأتـه وفـهمت ما ذكرت، وأعلمك أنّي قد رأيت جدّي رسول الله (ص) في منامي، فخبّرني بأمرٍ وأنا ماضٍ له، لي كان أو عليَّ، والله يا ابن عميّ، لو كـنـت فـي جحر هامّة من هوامّ الارض لاستخرجوني ويقتلوني! واللّه يا ابن عمّي ليعدينّ عليَّ كما عدت اليهود علي السبت. والسلام.». [3] .

أمـّا الطـبري فقد روي أنّ عبدالله بن جعفر(رض) كان قد بعث برسالته هذه الي الامام (ع) من مـكـّة بـعـد خـروجـه (ع) مـنـهـا، وقـد رواهـا عـن عـلي بـن


الحـسـيـن (ع) قـال: «لمّا خرجنا من مكّة كتب عبدالله بن جعفر بن أبي طالب إلي الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمد: أمّا بعدُ، فإني أسألك باللّه لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي توجّه له أن يكون فيه هلاكك، واستئصال أهـل بـيـتـك، إنّ هـلكـت اليـوم طـُفـيء نـور الارض، فـإنـك علم المهتدين ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإنّي في أثر الكتاب، والسلام.». [4] .


پاورقي

[1] عـبـدالله بـن جـعـفـر بن أبي طالب رضوان الله تعالي عليهم أجمعين: ولد بأرض الحـبـشـة أيـّام هـجـرة أبـيـه إليـهـا، وأمـّه أسـمـاء بـنـت عـمـيـس، وکـان عـبـدالله جـليـل القـدر عـظـيـم الشـأن، وآيـة فـي الحـلم والجـود والکـرم، وهـو مـن أصـحـاب رسـول الله (ص)، وأمـيـر المؤمنين (ع)، والحسنين (ع)، وقد شهد صفين مع أمير المؤمنين (ع)، وکـان عـلي الخـيل، وقد ورد في مدحه روايات من طريق الفريقين، وهو من رواة حديث الغدير، وقد احتجّ علي معاوية بذلک بعد شهادة عليّ(ع)، ومات عبدالله بن جعفر سنة ثمانين وأربع أو خمس، عـن تـسـعـيـن أو أزيـد، ومن أولاده: عون، ومحمد، وهما من شهداء الطّف، وزاد المجلسيّ (نقلاً عن أبـي الفرج الاصبهاني) ثالثاً: وهو عبدالله أو عبيد الله من الشهداء.. (راجع: مستدرکات علم الرجـال، 4:502 وانـظـر خـلاصـة الاقـوال للحـلي: 103 ومـنـتـهـي المقال للحائري، 4:167 ونقد الرجال للتفرشي، 3:93).

وقـال الذهبي: «عبدالله بن جعفر، السيّد العالم، کفله النبيّ ونشاء في حجره، کان کبير الشأن کـريماً جواداً يصلح للامامة... وقد دعا النبيّ له قائلاً: «أللّهم بارک له في تجارته»، وکان يوم صفين علي قريش وأسد وکنانة.» (سير أعلام النبلاء، 3:456).

وکـان عـبـدالله بـن جـعـفـر(رض) جـريـئاً فـي قـول الحـق، فـقـد روي أنّ عـمـرو بـن العـاص نـال مـن عـليّ أمـيـر المـؤمـنين (ع) في مجلس معاوية بمحضر عبدالله بن جعفر ف‍ «التمع لونه واعـتـراه أفـکـلٌ حـتـي أرعـدت خـصـائله، ثـم نـزل عـن السـريـر وحـسـر عـن ذراعـيـه وقـال: يـا مـعاوية، حتّام نتجرّع غيظک!؟ وإلي کم الصبر علي مکروه قولک وسييء أدبک وذميم أخـلاقـک!؟ هـبـلتـک الهـبـول! أمـا يـزجرک ذمام المجال عن القذع لجليسک!؟ أما والله لو عطفتک أواصـر الارحـام، أو حـامـيـت عـلي سـهـمـک فـي الاسـلام لما أرعيت بني الاماء أعراض قومک فلا يـدعـونـک تـصـويـب مـا فـرط مـن خـطـئک فـي سـفک دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين (ع) إلي التـمـادي فـي مـا قـد وضـح لک الصـواب فـي خـلافـه. فـأقـسـم عـليـه مـعـاويـة وجـعـل يـتـرضـّاه ويـسـکـّن غـضـبـه، وقال له فيما قال: أنت ابن ذي الجناحين وسيّد بني هاشم!. فـقـال: کـلاّ! بـل سـيـّد بـنـي هـاشـم الحـسـن والحـسـيـن (ع) لا ينازعهما في ذلک أحد.». (قاموس الرجال، 6:284 وانظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 6:295 ـ 297).

وروي الشـيـخ الصـدوق (ره) بـسـنـديـن عن سليم بن قيس الهلالي، عن عبدالله بن جعفر الطيّار يقول: «کنّا عند معاوية أنا والحسن والحسين، وعبدالله بن عبّاس، وعمر بن أبي سلمة، وأسامة بـن زيـد، فـجـري بـيـنـي وبـيـن مـعـاويـة کـلام، فـقـلت لمـعـاويـة: سـمـعـت رسـول الله (ص) يـقـول: أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي عليّ بن أبي طالب (ع) أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد عليُّ فالحسن ابن عليّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابنه الحسين بعدُ أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه عليّ بن الحسين الاکبر أولي بـالمـؤمـنـيـن مـن أنـفـسهم، ثمّ ابني محمد بن عليّ الباقر أولي بالمؤمنين من أنفسهم، وسـتـدرکـه يـا حـسـيـن، ثـمّ تـکـمـلة إثـنـي عـشـر إماماً تسعة من ولد الحسين رضي الله عنه...». (الخصال، 2:477، باب 12، رقم 41).

وهذه الرواية دالّة بلاريب علي إمامية عبدالله بن جعفر(رض).

يـقـول السـيـّد الخـوئي (ره): «أقـول: جـلالة عـبدالله بن جعفر الطيّار بن أبي طالب بمرتبة لاحـاجـة مـعـهـا الي الاطـراء، ومـمـّا يـدلّ علي جلالته أنّ أمير المؤمنين (ع) کان يتحفّظ عليه من القـتـل کـمـا کـان يـتـحـفـّظ عـلي الحـسـن والحـسـيـن (ع) ومـحـمـد بـن الحـنـفـيـة...» (مـعـجـم رجال الحديث، 10:138، رقم 6751).

[2] الفتوح، 5:74 وعنه الخوارزمي في المقتل بتفاوت، 1:311 ـ 312.

[3] المصدر السابق.

[4] تاريخ الطبري، 3:297 والکامل في التأريخ، 2:548 والارشاد: 219.