بازگشت

تحرك محمد بن الحنفية


يـشترك محمد بن الحنفية [1] مع عبدالله بن عبّاس رضي الله عنهما في


الموقف من قيام الامام الحسين (ع) بنفس المحورين الرئيسين اللذين هما:

1ـ تأييد قيام الامام (ع).

2ـ الاعـتـراض عـلي خـروج الامـام (ع) الي الكـوفـة، وتـرجـيـح اليـمن كقاعدة لانطلاق الثورة الحسينية الي جميع البلاد الاسلامية.

كـمـا يـشـتـركان أيضاً في أنّ نظرتهما التي انبعثت منها اقتراحاتهما ومشوراتهما كانت ترتكز عـلي حـسـابـات النـصـر الظـاهـري وشـرائطـه ولوازمـه، وتـتـجـلّي هـذه الحـقـيـقـة للمتأمّل إذا نظر في محاورات الامام (ع) مع كلّ منهما.

وكـان مـحمّد بن الحنفية (رض) قد قدّم رأيه بين يدي الامام (ع) في المدينة المنوّرة قائلاً: «يا أخي، أنت أحبّ الناس ‍ إليَّ، وأعزّهم عليَّ، ولستُ أدّخر النصيحة لاحدٍ من الخلق إلاّ لك، وأنت أحـقّ بـهـا، تنحَّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الامصار ما استطعت، ثمّ ابعث رسلك الي الناس فـادعـهـم الي نـفسك، فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله علي ذلك، وإن اجتمع الناس عـلي غـيرك لن يُنقص الله بذلك دينك ولاعقلك، ولاتذهب بذلك مروّتك ولافضلك، إنّي أخاف عـليـك أن تـدخل مصراً من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخري عليك، فـيـقـتـتـلون فـتـكـون لاوّل الاسـنـّة غرضاً، فإذا خير هذه الامّة كلّها نفساً وأباً وأمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً!!». [2] .

وقـال له أيـضـاً: «إنـزل مـكـّة، فـإن اطـمـأنـّت بـك الدار بـهـا فـسـبـيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد الي بلد، حتي تنظر الي مـايـصـيـر أمـر النـاس اليـه، فـإنـّك أصـوب مـاتـكـون رأيـاً حـيـن تستقبل الامر استقبالاً.». [3] .


وفـي روايـة الفـتـوح: «أُخرجْ إلي مكّة، فإن اطمأنّت بك الدار فذاك الذي تحبّ وأُحبّ، وإن تـكـن الا خـري خـرجـت الي بلاد اليمن، فإنّهم أنصار جدّك وأخيك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقـّهـم قـلوبـاً، وأوسـع الناس بلاداً، وأرجحهم عقولاً، فإن اطمأنّت بك أرض اليمن وإلالحـقـت بـالرمـال وشـعـوف الجـبـال، وصـرت مـن بـلد الي بـلد، لتـنـظـر مـا يـؤول إليه أمر الناس، ويحكم بينك وبين القوم الفاسقين.». [4] .

ثـم تـحـرّك مـحـمـد بـن الحـنـفـيـة (رض) مـن المـديـنـة إلي مـكـّة للقـاء الامـام الحـسـيـن (ع) قبل خروجه الي العراق، [5] ويحدّثنا التأريخ عن لقاء تمّ بينهما في مكّة في الليلة الاخـيـرة التـي خـرج الامـام (ع) فـي صـبـيـحـتـهـا عـن مـكـّة، يـقول السيّد ابن طاووس (ره): «رويتُ من كتاب أصلٍ لاحمد بن الحسين بن عمر بن بريدة الثقة، وعـلي الاصـل أنـه كـان لمـحـمـّد بـن داود القـمـّي، بـالاسـنـاد عـن أبـي عـبـدالله (ع) قال:

سـار مـحـمـّد بـن الحـنـفـيـة الي الحـسـين (ع) في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكّة، فـقـال: يـا أخـي، إنّ أهـل الكوفة من قد عرفتَ غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضي، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعزّ من في الحرم وأمنعه.

فقال (ع): يا أخي، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون


الذي يُستباح به حرمة هذا البيت.

فـقـال له ابـن الحـنـفـيـة: فـإن خـفـت ذلك فَسِرْ الي اليمن أو بعض نواحي البّر، فإنّك أمنع الناس به ولايقدر عليك أحد!

فقال (ع): أنظرُ فيما قلتَ.

ولمـّا كـان السـحـر ارتـحل الحسين (ع)، فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها، فقال له: يا أخي، ألم تعدني النظر فيما سألتك!؟

قال (ع): بلي.

قال: فما حداك علي الخروج عاجلاً!؟

فـقـال (ع): أتـانـي رسـول الله (ص) بـعـد مـافـارقـتـك، فقال: ياحسين، أُخرج فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلا!

فـقـال له ابـن الحـنـفـيـة: إنـّا لله وإنـا اليـه راجعون، فما معني حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج علي مثل هذه الحال!؟

فقال (ع) له: قد قال لي: إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا!

وسلّم عليه ومضي.». [6] .


پاورقي

[1] هـو محمّد بن علي بن أبي طالب (ع)، کنيته أبوالقاسم، وقد اشتهر بلقب أمّه خولة الحـنـفـيـة: (ابـن الحـنـفـية)، وقيل إنها من سبي اليمامة (الذين سُبوا لولايتهم لعليّ(ع) بذريعة امـتـنـاعـهـم عـن أداء الزکـاة)، فـأرادوا بـيـعها، فصارت إلي عليّ(ع) فتزوّجها. (راجع: تنقيح المـقـال 3:114؛ والخـرايـج والجـرائح، 2:589؛ وقـامـوس الرجـال، 9:246؛ والبـحـار، 42:84، رقم 14؛ وانظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 1:243) وقيل إنها کانت أمة لبني حنيفة ولم تکن من أنفسهم (راجع: المعارف: 211).

وکـان أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع) يـقـذفه في لهوات حروبه ولايسمح في ذلک بالحسنين (ع)، وکان يـقـول: هـو ولدي وهـمـا إبـنا رسول الله (ص)، وتوفي محمد بن الحنفية سنة ثمانين أو إحدي وثـمـانـيـن (راجـع: تـنـقـيـح المـقـال، 3:111 ـ 112)، أو سـنـة أربـع وثـمـانـيـن (عـلي مـا في کمال الدين وتمام النعمة، 1:36). والملفت للانتباه أننا لم نجد في ما أُثر عن الامام علي (ع) ـ حـسـب تـتـبعنا ـ أنّه لقّب ولده محمداً ب‍ (ابن الحنفية)، کما أنّ الامام الحسين (ع) لم يذکره بهذا اللقـب إلا في موضعين: الاوّل ـ في وصيته إليه، وفيها: «إلي أخيه المعروف بابن الحنفية» (الفـتـوح، 5: 23 والبحار، 44:329)، والثاني ـ في ذکره (ع) لحادثة کان فيها محمد، حيث يـقـول (ع): «وأخـي مـحمّد بن الحنفية» (البحار 62:193)، کما ورد لقبه هذا علي لسان سلمان الفارسي أيضاً (البحار، 27:33) لکنّ هذا اللقب ترکّز علي لسان الاصحاب والشيعة، نعم أکـثـر مـن اسـتـعـمـل هـذا اللقـب مـن الائمـة (ع) في ذکر محمد بن الحنفية هو الامام الباقر(ع) ثمّ الصادق (ع).

ولعلّ السرّ في تلقيبه بهذا اللقب منذ حياة أمير المؤمنين (ع) حتي صار معروفاً به في زمن الامـام الحسين (ع)، هو معرفة أهل بيت العصمة (ع) بأنّ أُناساً من هذه الامّة سوف يدّعون المهدوية والغـيـبـة لابـن الحـنفية وأنه هو المهديّ الموعود سيّما وأنّ إسمه محمّد وکنيته أبوالقاسم علي مـاسـمـّاه رسـول الله (ص)، ولذا کـان تـأکيدهم (ع) (خصوصاً الباقر والصادق (ع) اللذين اقترن زمانهما بتلک الدعوي) من أجل دفع هذه الشبهة، لانّ المهديّ(ع) من ولد فاطمة (س) ـ کما هـو الثـابـت المـشـهـور فـي الروايـات المـأثـورة عـن رسـول الله (ص) وأهـل البـيـت (ع) ـ، ومـحـمّد هذا وإن اشترک مع المهديّ(ع) بالاسم إلاّ أنه ليس من ولد فاطمة (س).

[2] الارشاد: 201 ـ 202.

[3] المصدر السابق.

[4] الفتوح، 5:20 ـ 21.

[5] تقول بعض المصادر التأريخية إنّ تحرّک محمد بن الحنفية من المدينة الي مکّة للقاء الامـام الحـسـيـن (ع) کـان عـلي أثر الرسالة التي بعث بها الامام (ع) الي المدينة، والتي خفَّ إليه علي أثرها جماعة من بني هاشم وتبعهم محمد بن الحنفية (راجع: البداية والنهاية، 8:167 وتـاريـخ ابـن عـسـاکـر (تـرجـمـة الامـام الحـسـين (ع)، تحقيق المحمودي): 204، رقم 256)؛ وان حـاول بـعـض المـعـاصـريـن انـکـار ذلک. وأنـه لم يـتم لابن الحنفية اي لقاء مع الحسين في غير المدينة.

[6] اللهوف: 127.