بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) ـ أكـّد ابـن عـبـاس (رض) ـ فـي أوّل مـا نـطـق بـه خـلال هـذه المـحـاورة ـ أنّ النـبـيّ(ص) كـان قـد بـلّغ الامـّة بـأنّ يـزيـد قـاتـل الحـسين (ع)، وأنّ علي الامّة أن تحمي الامام (ع) وتنصره، وقد حذّر(ص) الامّة بأنّ الامـام (ع) لايُقتل بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلاّ خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم! وقد أكّد ابـن عـمـر أيـضـاً عـلي وقـوع هـذا التـحـذيـر والانـذار النـبـوي حـيـث قـال إنـه سـمـع الرسـول (ص) يـقـول: «حـسـيـن مـقـتول، ولئن قتلوه وخذلوه، ولن ينصروه، ليـخـذلهـم الله الي يـوم القـيـامـة»، وهـذا يـعـني أنّ الامّة كان قد شاع في أوساطها خبر ملحمة مقتل الحسين (ع) وأنّ يزيد قاتله، وأنّ علي الامّة التحرك لحماية الامام (ع) ونصرته!! لكنّ الامـّة بـعـد خـمـسـيـن سـنـة مـن ارتـحـال الرسـول (ص) أعـمـتـهـا أضـاليـل حـركـة النـفـاق عـامـة وفـصـيـل الحـزب الامـوي مـنـهـا خـاصـة، فـتـنـأت عـن وصـايا رسول الله (ص) وتحذيراته، الامر الذي استشعر ابن عباس مرارته ونتائجه الخطيرة فبكي، وشاركه الامام (ع) في البكاء!

2) ـ أكـّد ابـن عـبـاس (رض) فـي هذه المحاورة علي معرفته بمقام الحسين (ع) وضرورة موالاته ونـصـرتـه، بـدليـل قـوله: «.. وأنّ نـصرك لفرض علي هذه الامّة كفريضة الصلاة والزكاة..»، وفي قوله: «.. لو ضربتُ بين يديك بسيفي هذا حتي


انخلع جميعاً من كفّي لما كنت ممّن أوفّي من حقّك عشر العشر..».

3) ـ كـما أكّد(رض) علي معرفته بكفر الامويين ونفاقهم، وأنّهم ومن أطاعهم في محاربة الامام (ع) ممّن لانصيب لهم من الخير في الاخرة.

4) ـ قد يُستفاد من قوله (رض): «كأنّك تريدني إلي نفسك، وتريد منّي أن أنصرك... الي قـوله: وهـا أنـا بـيـن يـديك مُرني بأمرك» أنّه وإن كان كبير السنّ يومذاك لكنّه كان صحيح القـُوي سـليم الجوارح وإلاّ لما عرض استعداده للنصرة والجهاد، فلم يكن مكفوف البصر مثلاً ـ كـمـا يـُسـتـفـاد ذلك مـن روايـة لقـائه بـأمّ سـلمـة (رض) بـعد سماع صراخها تنعي الحسين (ع) [1] ـ نـعـم يـمـكن القول إنّ الامام (ع) في جميع محاوراته مع ابن عباس لم يطلب منه الالتـحـاق بـه ونـصـرتـه، مما يقويّ القول بأنه كان ضعيف البصر جداً أو مكفوفاً آنذاك، ومـعـذوراً عـن الجـهـاد إلاّ أنـه (رض) عـرض للامـام (ع) استعداده للجهاد والتضحية بين يديه استشعاراً منه لوجوب نصرة الامام (ع) والذبِّ عنه وإنْ كان معذوراً.

5) ـ وقـد يـُسـتـفـاد أيضاً من أحد نصوص هذه المحاورة أنّ الامام (ع) رخّص لابن عباس (رض) بالبقاء وعدم الالتحاق بركبه، حيث قال (ع) له: «فامضِ إلي المدينة في حفظ الله وكلائه، ولايَخفَ عليَّ شيء من أخبارك».

6) ـ أخـبـر الامـام (ع) ابـن عـبـاس (رض) ـ فـي الايام الاولي من إقامته في مكّة المكرّمة ـ أنّ الامـويـيـن يـريـدون قـتـله وسفك دمه!، والامام (ع) بهذا ربّما أراد أن يُخبر عن وجود خطة وضعتها السـلطـة الامـويـة المـركزية بالفعل لقتله في المدينة أو في مكّة، أو أراد أن يُخبر عن حقيقة أنـّة (مـا لم يـبـايـع يـقـتـل)، مـؤكـّداً بـذلك عـلي عـدم صـحـة دعـوي بـعـض مـن يـقـول ـ كابن عمر مثلاً ـ إنه (ع) لابأس عليه ولاخطر إن


ترك المعارضة وصبر حتي وإن لم يبايع!

7) ـ ومع علمه (ع) بأنّه مالم يبايع يقتل! ومع إصراره علي أن لا يكون هو الذي تستباح بقتله حرمة البيت الحرام! يمكننا أن نفهم قوله (ع) لابن عباس (رض) في ختام هذه المحاورة: «فإنّي مستوطن هذا الحرم، ومقيمٌ فيه أبداً ما رأيت أهله يحبّوني وينصروني، فإذا هم خذلوني استبدلت بـهـم غـيـرهـم..» أنـه (ع) أراد أن يـطـمـئن ابـن عـبـاس ‍ (والمـحـاورة فـي أوائل الايـّام المكيّة) أنه باقٍ أيّاماً غير قليلة في مكّة، وأنّ هنالك متسعاً من الوقت، وإلاّ فإنّ الامـام (ع) قـد جـعـل اسـتـيطانه الحرم مشروطاً بحبّ أهله إيّاه ونصرتهم له! وهو(ع) يعلم أنه ليـس فـي (المـكـيـّيـن) إلا نـزر قليل جداً ممّن يحبّ أهل البيت (ع)، [2] فليس له في مكّة قاعدة شعبية تحميه وتنصره في مواجهة السلطة الاموية.


پاورقي

[1] أمالي الطوسي: 314 ـ 315، المجلس 11، الحديث 640/ 87.

[2] عـن الامـام السـجـّاد(ع) أنـه قـال: «مـا بـمکّة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا..»، (کتاب الغارات:393، وشرح النهج لابن أبي الحديد، 4: 104).