بازگشت

تحرك عبدالله بن عباس


سجّل لنا التأريخ أكثر من محاورة تمّت بين الامام (ع) وبين عبدالله بن عبّاس، وقد كشفت هذه المـحـاورات في مجموعها عن أنّ ابن عبّاس (رض) كان قد تحرّك في حدود السعي لمنع الامام (ع) مـن الخـروج الي العـراق ـ لامـن القـيام والثورة علي الحكم الامويّ ـ، وكانت حجّته في اعتراضه عـلي خـروج الامـام (ع) إلي الكـوفـة أنّ عـلي أهـل الكـوفـة ـ قـبل أن يتوجّه إليهم الامام (ع) ـ أن يتحرّكوا عملياً لتهيئة الامور وتمهيدها للامام (ع)، كأن يـطـردوا أمـيـرهـم الامويّ أو يقتلوه، وينفوا جميع أعدائهم من الامويين وعملائهم وجواسيسهم في الكوفة، ويضبطوا إدارة بلادهم، وآنئذٍ يكون من الرشاد والسداد أن يتوجّه إليهم الامام (ع)، وإلاّ فـإنّ خـروج الامـام (ع) إليـهـم ـ وهـم لم يـحرّكوا ساكناً بعدُ ـ مخاطرة لاتكون نتيجتها إلاّ القتل والبلوي، ومما قاله ابن عبّاس للامام (ع) في صدد هذه النقطة:

«أخبرني رحمك الله، أتسير الي قوم قد قتلوا أميرهم، وضبطوا بلادهم، ونفوا عدوّهم!؟ فإن كـانـوا قـد فـعـلوا ذلك فـَسِرْ إليهم، وإن كانوا إنّما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم، وعـمـّاله تـجـبـي بـلادهـم، فـإنـّمـا دعـوك الي الحـرب والقـتـال، ولاآمـن عـليـك أن يـغـرّوك ويـكـذّبـوك ويخالفوك ويخذلوك، وأن يُستنفروا إليك فيكونوا أشدّ الناس ‍ عليك!.». [1] .


وقال له ايضاً: «.. فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا ـ فاكتب إليهم فلينفوا عدوّهم ثمّ أقـدم عـليـهـم، فـإن أبـيـت إلاّ أن تـخـرج فَسِرْ إلي اليمن فإنّ بها حصوناً وشعاباً، وهي أرض عـريـضـة طـويـلة، وتـبـثّ دعاتك، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحبّ في عافية.». [2] .

هـذه أهـمّ نقطة أثارها عبد الله بن عبّاس في مجموع محاوراته مع الامام (ع)، وهي كاشفة عن محورٍ أسـاس في تفكير ابن عبّاس يتلخّص في تأييده لقيام الامام (ع) واعتراضه فقط علي الخروج الي العـراق قـبـل تـحـرّك أهـله وقيامهم، وهذا فارق كبير من مجموع الفوارق بين موقف ابن عباس وموقف عبدالله بن عمر الذي كان يعترض علي أصل القيام ضد الحاكم الاموي الجائر.

لكنّ هذه النقطة بالذات كاشفة أيضاً عن انتماء ابن عباس الي مجموعة الناصحين والمشفقين الذين نظروا الي القضية بمنظار النصر الظاهري الذي لم تكن متطلّباته لتخفي علي الامام (ع) لو كان قد تحرّك بالفعل للوصول الي ذلك النصر.

والان فلنأتِ الي نصوص محاورات ابن عباس مع الامام (ع):


پاورقي

[1] تاريخ الطبري، 3: 294.

[2] تاريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين (ع): 204، رقم 255.