بازگشت

وجهاء الامة... مشورات و نصائح


طـيـلة المـدّة التي أقام الامام (ع) فيها بمكّة المكرّمة كان (ع)، قد التقي مجموعة منوّعة المشارب والميول والافكار من وجهاء مرموقين ومعروفين في أوساط الامّة الاسلامية، وقد عرض هؤلاء علي الامـام (ع) مشوراتهم ونصائحهم واعتراضاتهم، كلّ منهم علي هدي مشربه وميله وطريقة تفكيره، ولئن اخـتلفت تلك المشورات والنصائح والاعتراضات في بعض تفاصيلها، فقد اشتركت جميعها فـي مـنـطـلق التـفـكير والنظرة الي القضية، إذ إنّ جميعها كان يري الفوز والنصر في تسلّم الحـكـم والسـلامـة والعـافـيـة والامـان الدنـيـوي، ويـري الخـسـارة والانـكـسـار فـي القـتـل والتـشرّد والبلاء والتعرّض للاضطهاد، فمن هذا المنطق انبعثت جميع تلك الاعتراضات والمشورات والنصائح.

وكـم هـو الفـرق كـبـيـر والبـون شـاسـع بـيـن هـذا المـنـطـق وبـيـن مـنـطـق العـمـق الذي كـان قـد جـعـل أسـاس حـسـابـاتـه مـصـيـر الاسـلام والامـة الاسـلامـيـة، ولم يـغـفـل فـي نـظـرتـه إلي متّجه حركة الاحداث عن «أنّ معاوية بن أبي سفيان (الذي انتهت إليه قـيـادة حركة النفاق آنذاك) قد أضلّ جُلّ هذه الامّة إضلالاً بعنوان الدين نفسه! حيث عتّم علي ذكر أهـل البـيـت (ع) وعـلي ذكـر فـضـائلهـم تـعـتـيـمـاً تـامـاً، وافتعل من خلال وُضّاع


الاحاديث ـ افتراءً علي النبيّ(ص) قداسة مكذوبة [1] له ولبعض مـَن مـضـي مـِن الصـحـابـة الذيـن قـادوا حـركة النفاق أو ساروا في ركابها، وتاَّزروا علي غصب أهل البيت (ع) حقّهم الذي فرضه الله لهم، وخدّر معاوية بن أبي سفيان الامّة المسلمة عن القيام والنـهوض ‍ ضدّ الظلم من خلال تأسيس فرق دينية تقدّم للناس تفسيرات دينية تخدم سلطة الامـويـيـن وتبرّر أعمالهم، كما في مذهب الجبر ومذهب الارجاء، وأعانه علي ذلك مابذله من جهدٍ كبير في تمزيق الامّة قبلياً وطبقياً، وفي اضطهاد الشيعة اضطهاداً كبيراً.

ومـع طـول مـدّة حـكـمه انخدع جُلّ هذه الامّة بالتضليل الديني الامويّ، واعتقدوا أنّ حكم معاوية حكم شرعي، وأنه امتداد للخلافة الاسلامية بعد رسول الله (ص)، وأنّ معاوية إمام هذه الامّة، وأنّ من ينوب عنه في مكانه إمام هذه الامّة وامتداد لائمتها الشرعيين!! ومن المؤسف حقّاً أنّ جُلّ هذه الامّة خـضـع خـضـوعـاً أعـمـي لهـذا التـظـليـل وانـقـاد له، فـلم يـعـد يـبـصـر غـيـره، بـل لم يـعـد يـصـدّق أنّ الحـقـيـقـة شـيء آخـر غـيـر هـذا!!... ولقـد كـان أضـمـن السـبـل لتـحـطـيـم هـذا الا طـار الديـنـي هو أن يثور عليه رجلٌ ذو مركز دينيّ مسلّم به عند الامّة الاسلامية، فثورة مثل هذا الرجل كفيلة بأن تمزّق الرداء الديني الذي يتظاهر به الحكّام الامويون، وأن تـكـشـف هـذا الحـكـم عـلي حـقـيـقـته، وجاهليته، وبُعده الكبير عن مفاهيم الاسلام، ولم يكن هذا الرجـل الاّ الحـسـيـن (ع)، فـقد كان له في قلوب الاكثرية القاطعة من المسلمين رصيد كبير من الحبّ والا جـلال والتـعـظـيـم... ولو لم تكن واقعة كربلاء لكان


الامويون قد واصلوا حكم الناس بإسـم الدين، حتي يترسّخ في أذهان الناس بمرور الايام والسنين أنه ليس هناك إسلام غير الاسلام الذي يتحدّث به الامويون ويؤخذ عنهم!! وعلي الاسلام السلام!.

لو لم تـكـن واقـعـة عاشوراء لما كان بالامكان فصل الاسلام والاموية عن بعضهما البعض، ممّا يـعـنـي أنّ زوال الامـويـّة يـومـاً مـا كـان سـيـعـني زوال الاسلام أيضاً! ولكانت جميع الانتفاضات والثـورات التي قامت علي الظلم الامويّ تقوم حين تقوم علي الاسلام نفسه! لكنّ الفتح الحسيني فـي عـاشـوراء هـو الذي جـعـل كـلّ هـذه الانتفاضات والثورات التي قامت بعد عاشوراء إنّما تقوم باسم الاسلام علي الاموية!.». [2] .


پاورقي

[1] قـال ابـن تـيـمـيـة:.. طـائفـة وضـعـوا لمـعـاويـة فضائل ورووا أحاديث عن النبيّ في ذلک کلّها کذب.

وقـال الشـوکـانـي: إتـفـق الحـفـّاظ عـلي أنـه لم يـصـح فـي فضل معاوية حديث. (انظر: الفوائدالمجموعة: 403 ـ 408).

[2] راجع الجزء الاوّل، عنوان: (آفاق الفتح الحسيني): 172 ـ 176.