بازگشت

سفر الاشدق الي المدينة المنورة و تهديده أهلها


تـتـحـدث روايات تأريخية عديدة عن قدوم عمرو بن سعيد الاشدق الي المدينة المنورة في شهر رمـضـان سـنـة سـتـّيـن للهـجـرة، والظـاهـر أنّ سـفـر هـذا الطـاغـيـة الي المـديـنـة كـان بـعـد عزل الوليد بن عتبة عن منصب الولاية عليها في شهر رمضان نفسه، والاظهر أنّ سفر هذا الطاغية الامـويّ الي المـديـنـة كان من مكّة إليها لانّ جلّ المؤرّخين ذكروا أنه كان والياً علي مكّة عند موت معاوية وأضيفت إليه ولاية المدينة بعد عزل الوليد عنها.

و«قـدم عـمـرو بـن سـعـيـد بـن العـاص الاشـدق المـديـنـة أمـيـراً، فـخـرج إلي مـنـبـر رسـول اللّه (ص) فقعد عليه وغمض عينيه، وعليه جُبّة خزّ قرمز، ومُطرَف خزّ قرمز، وعمامة خزّ قـرمز، فجعل أهل المدينة ينظرون إلي ثيابه إعجاباً بها، ففتح عينيه فإذا الناس ينظرون إليـه، فـقـال: مـابـالكـم يـاأهـل المـديـنـة تـرفـعون إليَّ أبصاركم، كأنّكم تريدون أن تضربونا بسيوفكم! أغرّكم أنّكم فعلتم ما فعلتم فعفونا عنكم! أما إنّه لو أُثبتُم بالاولي مـا كـانت الثانية! أغرّكم أنكم قتلتم عثمان فوافقتم ثائرنا منّا رفيقاً، قد فَني غضبه، وبـَقـي حـلمـُه! إغـتـنـمـوا أنـفـسـكـم فـقـد واللّه مـلكـنـاكـم بـالشـبـاب المـقـتـبـل، البـعـيـد الامـل، الطـويـل الاجـل حـيـن فـرغ مـن الصـغـر، ودخـل فـي الكـبـر، حـليـمٌ حـديـدٌ، ليـّن شـديـد، رقـيـق كـثـيـف، رفـيـق عـنـيـفٌ، حـيـن اشـتـدّ عـَظـْمـهُ، واعـتـدل جـسـمـه، ورقي الدهرَ ببصره، واستقبله بأسره، فهو إن عضَّ نهس، وإن سطا فرس لايـقـلقـل له الحـصـي، ولا تـُقـرع له العـصـا، ولا يـَمـشـي السُّمـَهـي. قـال: فـمـا بـقـيَ (أي يـزيـد) بـعـد ذلك إلا ثـلاث سـنـيـن وثـمـانـيـة أشـهر حتي قصمه اللّه!». [1] .

«وعـرض فـي خـطـابـه لابـن الزبـيـر فـقـال: فـواللّه لنـغـزونـّه، ثـمّ لئن دخل الكعبة


لنحرقنّها عليه، علي رغم أنف من رغم..

ورعـف الطـاغـيـة عـلي المـنـبـر، فـألقـي إليـه رجـل عـمـامـة فـمـسـح بـهـا دمـَه، فقال رجل من خثعم: دم علي المنبر في عمامة! فتنة عمّت وعلا ذكرها وربّ الكعبة!». [2] .

وقـد أُثـر عـن رسـول اللّه (ص) أنـه قـال: «ليـرعـفـنّ عـلي مـنـبـري جبّار من جبابرة بني أميّة فيسيل رعافه!».». [3] .

وقـال ابـن عـبـد ربـه الانـدلسـي: «قـدم عـمـرو بـن سـعـيـد أمـيـراً عـلي المـديـنـة والمـوسـم، وعـزل الوليـد، فـلمـّا اسـتـوي عـلي المـنـبـر رعـف، فـقـال أعـرابي: مه! جاءنا بالدم!. فتلقّاه رجـل بـعـمـامـتـه، فـقـال: مـه! عـمَّ النـاسَ واللّهِ! ثـمّ قـام فـخـطـب فـناولوه عصا لها شعبتان، فقال: تشعّبَ واللّهِ..». [4] .

والمـلفـتُ للانـتـبـاه هـنـا هـو أنّ الاشـدق فـي هـذه الخـطـبـة بـعـد تـهـديـده أهـل المـديـنـة وإرعـابـهـم، [5] وتـذكـيـرهـم بـِتـِرَةِ دم عـثـمـان الذي قـتـله الصـحابة، [6] وبـعـد مـدحـه يـزيـد وثـنـائه عـليـه وتـحـذيـر أهل المدينة من بأسه، نراه لا يتطرّق بشيء إلي قضية الامام


الحسين (ع) بصورة مباشرة، وإن كـان تـهـديـده أهـل المـديـنـة كـاشـفـاً عـن خـوفـه مـن تـأيـيـده أهـل المـدينة للامام (ع) خاصة ولكل معارض عامة، ولعلّ سبب عدم تعرّضه مباشرة لقضية الامام (ع) هو معرفته بمكانة الامام (ع) وقدسيته في قلوب الامّة، فهو يخشي أن يهيج قلوب الناس عـلي السـلطـة الامـويـة بـمـا يـدفـع النـاس عـمـليـاً نـحـو الالتـفـاف حـول الامـام (ع)، ثـمّ نـري الاشـدق يـُعـلن صـراحـة عـن عـزم السـلطـة عـلي قتل ابن الزبير، ولعلّ علمه بأنّ ابن الزبير لايتمتع بمكانة ومنزلة خاصة في قلوب الناس هو الذي جـرّاءه علي تلك الصراحة، لكننا نجد هذا الجبّار الاموي لايتورّع عن سحق مشاعر الامّة في إجـلالهـا لحـرمـة الكـعـبـة حـيـن يـهدّد بإحراقها علي رغم أنف من رغم! وفي هذا مؤشر واضح علي الدرجـة الخـطـيـرة التـي بـلغـهـا مـرض الشـلل النـفـسـي والروحـي فـي كـيـان الامـّة، حـيـث تسمع مـثـل هـذا التـحـدّي لمـشـاعـرهـا فـي مـقـدّسـاتـهـا ولا تـثـور عـلي مثل هذا الجبّار العنيد!


پاورقي

[1] العقد الفريد، 4: 132.

[2] حـيـاة الامـام الحـسـيـن بـن علي (ع) 2: 316 ـ 317؛ وقد أخذ متن الخطبة عن تأريخ الاسلام للذهبي، 2: 268؛ وقصة الرعاف عن سمط النجوم العوالي، 3: 57.

[3] مجمع الزوائد، 5: 240.

[4] العقد الفريد، 4: 376.

[5] حيث ضرب عبيداللّه بن أبي رافع مائتي سوط، ثم شفع فيه أخوه. (راجع: المعارف: 145)؛ و«ذکر محمّد بن عمر أنّ عمرو بن سعيد بن العاص الاشدق قدم المدينة في رمضان سنة سـتـيـن فـدخـل عـليـه أهـل المـديـنـة، فـدخـلوا عـلي رجـل عـظـيـم الکـبـر... فأرسل الي نفر من أهل المدينة فضربهم ضرباً شديداً!» (تأريخ الطبري، 3:272).

[6] أورد الشيخ الاميني في کتابه الغدير، 9:195 ـ 163؛ قائمة بأسماء ستين صحابياً شارکوا في قتل عثمان.