بازگشت

قلق الوالي من تواجد الامام في مكة


ذعـر عـمـرو بـن سـعـيـد بـن العـاص (الاشـدق) [1] والي مـكـة آنـذاك مـن دخـول الامـام


الحسين (ع) مكّة المكرّمة ومن تواجده فيها، ومن تقاطر الوفود عليه والتفاف الناس حـوله، فـلم يـُطـق الوالي صـبـراً، ولم يـجـد بـُدّاً مـن أن يسأل الامام (ع) عن سرّ قدومه إلي مكّة، «فقال له عمرو بن سعيد: ما إقدامك!؟

فقال: عائذاً باللّه وبهذا البيت!». [2] .

وفـي جـواب الامـام (ع) دلالة قـاطعة علي أنّ السلطة الاموية كانت قد أرادت بالامام (ع) سوءً في المدينة المنوّرة، كأن تفرض عليه الاقامة الجبرية مثلاً أو تغتاله أو تُلقي عليه القبض فـتـدفـع بـه الي يـزيـد، ولذا فـقـد خـرج مـنـهـا خـائفـاً يـتـرقـب، وقـد أشـرنـا مـن قـبـل إلي أنّ خـوفـه عـلي نـفـسـه وإن كـان سـبـبـاً فـي خـروجـه مـنـهـا إلا أنـه يـقـع فـي طـول السـبـب الاهـم وهـو خـوفه علي ثورته من أن تؤسر في حدود المدينة أو تخمد في مهدها قـبـل انـدلاعـهـا فـلا تـصلُ إشعاعاتها المباركة الي حيث أراد(ع)، هذا فضلاً عن حرصه (ع) ألا تهتك حرمة حرم الرسول (ص) بقتله.



پاورقي

[1] عُرف هذا الجبّار الامويّ بنصبه وبغضه الشديد لامير المؤمنين عليّ(ع) وکثرة شتمه إيـّاه، ولُقـّب بـالاشـدق لانـه أصـابـه اعـوجـاج في حلقه لاغراقه في الشتم! (راجع: معجم الشعراء: 231).

لقـد کـان عمرو بن سعيد الاشدق شديد التعصّب لامويته، شديد البغض لبني هاشم عامة ولاهـل البـيـت (ع) خـاصـة، وکان فظاً غليظاً، جباراً متکبّراً، لايبالي ولايستحي من قلب الحقائق وادّعاء مـاليـس أهـلاً له، ومـن خـطـبـه التـي کـشـف مـنـهـا عـن اعـتـزازه بـجـاهـليـتـه وأمـويـتـه وبغضه لاهـل البـيـت (ع)، وفـظـاظـتـه وغـلظـتـه وتـجـبـّره مـارواه لنـا ابـن عـبـدربـه الانـدلسـي عن العتبي قـال:«استعمل سعيد بن العاص وهو والٍ علي المدينة، ابنه عمرو بن سعيد والياً علي مکّة، فلمّا قـدم لم يـلقـه قـرشـيُّ ولا أمـوي إلا أن يـکـون الحـارث بـن نـوفـل. فـلمـا لقـيـه قـال: لم يـاحـار! مـا الذي مـنـع قـومـک أن يـلقـونـي کـمـا لقـيـتـنـي!؟ قـال: مـا مـنـعـهـم من ذلک إلاّ ما استقبلتني به! واللّه ما کنيتني ولا أتممتَ إسمي! وإنّما أنهاک عن التـکـبـّر عـلي أکـفـائک، فـإنّ ذلک لايـرفـعـک عـليـهـم ولا يـضـعـهـم لک. قـال: واللّه مـا أسـاءت المـوعظة ولا أتهمک علي النصيحة، وإنّ الذي رأيت مني لخُلق!! فلمّا دخـل مـکـة قـام عـلي المـنـبـر فـحـمـد اللّه وأثـنـي عـليـه ثـم قـال: أمـا بـعـد، مـَعـشر أهل مکّة، فإنّا سکنّاها حقبةً، وخرجنا عنها رغبةً، وکذلک کنّا إذا رُفعت لنا لهـوة ــعـطية بعد لهوة أخذنا أسناها ونزلنا أعلاها، ثم شَدَخ أمرٌ بين أمرين فقتلنا وقُتلنا، فـواللّهِ مـانـزعنا ولا نُزع عنا، حتي شرب الدم دماً وأکل اللحم لحماً، وقرع العظم عظماً، فَوَلي رسـول اللّه بـرسـالة اللّه إيّاه، واختياره له. ثم ولي أبوبکر لسابقته وفضله، ثم ولي عـمـر، ثـم أُجـيـلت قـداح نـُزعـن مـن شـُعـب حول نبعة ففاز بحظها أصلبها وأعنفها، فکنا بعض قداحها، ثمّ شَدَخ أمرٌ بين أمرين، فقتلنا وقُتلنا، فواللّهِ مانزعنا ولا نُزع عنا حتي شرب الدم دمـاً، وأکـل اللحـم لحـماً وقرَعَ العظم عظماً، وعاد الحرام حلالاً، وأسکت کلُّ ذي حسٍ عن ضرب مُهند، عـَرْکـاً عـَرْکـاً، وعـسـفـاً عسفاً ووخزاً ونهساً، حتي طابوا عن حقّنا نفساً، واللّهِ ما أعطوه عن هوادة، ولارضوا فيه بالقضاء، أصبحوا يقولون حَقُنا غُلبنا عليه! فجزَينا هذا بهذا وهذا في هذا!

يـاأهـل مـکـّة، أنـفـسـکـم أنفسکم، وسفهاءکم سفهاءکم، فإنّ معي سوطاً نکالاً، وسيفاً وبالاً، وکلّ مصبوبٍ علي أهله. ثم نزل». (العقد الفريد، 4: 134).

وکـان هذا الاشدق من جملة أولئک الذين أظهروا ولأهم ليزيد في حياة أبيه معاوية وهذا بلاشک مـن جـمـلة الاسـبـاب التـي أبـقـت هـذا الاشـدق واليـاً عـلي مـکـّة حـتـي بـعـد مـوت مـعـاويـة بـل اضـاف إليـه يـزيـد الولايـة عـلي المـديـنـة بـعـد عـزل الوليـد بـن عـتـبـة، تـقـول روايـة تـأريخيّة: «لما عقد معاوية ليزيد البيعة قام الناس يـخـطـبـون، فـقـال لعـمـرو بـن سـعـيـد قـم يـاأبـا اُمـيـّة. فـقام فحمد اللّه وأثني عليه، ثم قـال: أمـّا بـعـدُ، فـإنّ يـزيـد بـن مـعـاويـة أمـلٌ تـأمـلونـه وأجـل تـأمـنـونـه، إن اسـتـضـفـتـم إلي حلمه وَسعکم، وإن احتجتم الي رأيه أرشدکم، وإن افـتـقرتم إلي ذات يده أغناکم جَذَع قارح، سُوبق فَسَبق، ومُوجد فَمَجد، وقورع فقرع، فهو خلف أميرالمؤمنين ولاخَلَف منه.

فقال له معاوية: أوسعت أبا أميّة فاجلس.» (العقد الفريد، 4: 132).

[2] تذکرة الخواص: 214.