بازگشت

حبس هاني بن عروة المرادي


ولمـّا كـثـر تـردد الرجـال مـن أهـل الكـوفـة عـلي مـسـلم بـن عـقـيـل (ع) فـي بيت هاني بن عروة، أو جس في نفسه المحذور «وخاف هاني بن عروة عبيد الله علي نـفـسـه، فـانقطع عن حضور مجلسه وتمارض، فقال ابن زياد لجلسائه: مالي لا أري هانياً!؟ فقالوا: هو شاكٍ. فقال: لو علمتُ بمرضه لعدته.

ودعي محمّد بن الاشعث، وأسمأ بن خارجة، وعمرو بن الحجّاج الزبيدي وكانت رويحة بنت عمرو تحت هاني بن عروة، وهي أمّ يحيي بن هاني.

فقال لهم: ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا؟

فقالوا: ماندري، وقد قيل إنه يشتكي.

قـال: قـد بـلغـنـي أنه قد بريء وهو يجلس علي باب داره! فالقوه ومروه ألاّ يدع ما عليه من حقّنا، فإنّي لا أحبّ أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.


فأتوه حتي وقفوا عليه عشيّة وهو جالس علي بابه.

وقـالوا له: مـا يـمـنـعـك مـن لقـأ الامـيـر فـإنـه قـد ذكـرك وقال لو أعلم أنه شاك لَعُدْتُه.

فقال لهم: الشكوي تمنعني.

فـقـالوا له: قـد بـلغـه إنك تجلس كلّ عشيّة علي باب دارك، وقد استبطأك، والابطأ والجفأ لايحتمله السلطان، أقسمنا عليك لما ركبت معنا.

فـدعـي بـثـيـابـه فلبسها، ثمّ دعي ببغلة فركبها، حتي إذا دني من القصر كأنّ نفسه أحسّت ببعض الذي كان.

فـقـال لحـسـّان بـن أسـمـأ بـن خـارجـة: يـا ابـن الاخ، إنـي واللّه لهـذا الرجل لخايف، فما تري؟

فـقـال: يـا عـمّ، والله مـا أتـخـوف عـليـك شـيـئاً ولم تجعل علي نفسك سبيلا. ولم يكن حسّان يعلم في أيّ شيء بعث إليه عبيد الله.

فـجـأ هـانـي حـتـي دخـل عـلي عـبـيـد الله بـن زيـاد وعـنـده القـوم، فـلمـا طـلع قال عبيد الله: أتتك بخاينٍ [1] رجلاه!

فـلمـّا دنـي مـن ابـن زيـاد، وعـنـده شـريـح القـاضـي، [2] التـفـت نـحـوه فقال:




أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد



وقد كان أوّل ما قدم مكرماً له ملطفاً

فقال له هاني: وما ذاك أيها الامير؟

قال: إيه يا هاني بن عروة، ما هذه الامور التي تربّص في دارك لامير المؤمنين وعامّة المسلمين؟ جـئت بـمـسـلم بـن عـقـيـل فـأ دخـلتـه دارك وجـمـعـت له السـلاح والرجال في الدور حولك، وظننت أنّ ذلك يخفي عليّ؟

قال: ما فعلت ذلك، وما مسلم عندي.

قال: بلي قد فعلت.

فـلمـّا كثر ذلك بينهما وأبي هاني إلاّ مجاحدته ومناكرته، دعي ابن زياد معقلاً ذلك العين فجأ حتي وقف بين يديه

فقال: أتعرف هذا؟

قال: نعم!

وعـلم هـانـي عـند ذلك أنه كان عيناً عليهم، وأنه قد أتاه بأخبارهم، فأُسقط في يده ساعة، ثمّ راجعته نفسه.

فقال: إسمع منّي وصدّق مقالتي، فوالله لاكذبت، والله مادعوته إلي منزلي، ولاعلمت بشيء مـن أمـره حتّي جأني يسألني النزول فاستحييتُ من ردّه، ودخلني من ذلك ذمام فضيّفته وآويته، وقد كان من أمره ما بلغك، فإن شئت أن


أعطيك الان موثقاً مغلّظاً ألاّ أبغيك سوءً ولاغائلة، ولاتـيـنـّك حـتـّي اضـع يدي في يدك، وإنْ شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتي آتيك، وأنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلي حيث شأ من الارض فأخرج من ذمامه وجواره!

فقال له ابن زياد: والله لا تفارقني أبداً حتّي تأتيني به.

قال: لا والله، لا أجيئك به ابداً، أجيئك بضيفي تقتله!؟

قال: والله لتأتينّي به.

قال: لا والله لا آتيك به.

فـلمـّا كـثـر الكـلام بـيـنـهـمـا قام مسلم بن عمرو الباهلي ـوليس بالكوفة شامي ولا بصريٌ غيره فقال: أصلح اللّه الامير، خلّني وإيّاه حتي أكلّمه.

فقام فخلابه ناحية من ابن زياد، وهما منه بحيث يراهما، فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان.

فـقـال له مـسـلم: يـاهـانـي، أُنـشـدك اللّه أن تـقـتـل نـفـسـك، وأن تـدخـل البـلأ فـي عـشـيـرتـك، فـواللّه إنـّي لانـفـس بـك عـن القـتـل، إنّ هـذا الرجـل إبـن عـمّ القوم، وليسوا قاتليه ولاضائريه، فادفعه إليهم فإنّه ليس عليك بذلك مخزاة ولامنقصة، إنّما تدفعه إلي السلطان!

فـقـال هـانـي: واللّهِ إنّ عـليَّ فـي ذلك الخـزي والعار أن أدفع جاري وضيفي وأنا حيُّ صحيح، أسـمـع وأري، شـديـد السـاعـد كثير الاعوان، واللّه لو لم أكن إلاّ واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتّي أموت دونه!

فأخذ يناشده وهو يقول: واللّه لا أدفعه إليه أبداً!

فسمع ابن زياد ذلك، فقال: أدنوه مني.


فأدنوه منه، فقال: واللّه لتأتينّي به أو لاضربنّ عنقك.

فقال هاني: إذن لكثر البارقة حول دارك!

فـقـال ابـن زيـاد: والهـفـاه عليك، أبالبارقة تخوّفني!؟ ـوهو يظنّ أنّ عشيرته سيمنعونه ثمّ قال: أدنوه منّي.

فـأُدنـي مـنـه، فـاعـتـرض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخدَّه حتي كسر أنـفـه وسـالت الدمـأ عـلي وجهه ولحيته، ونثر لحم جبينه وخده علي لحيته حتي كسر القضيب، وضرب هاني يده إلي قائم سيف شرطيّ، وجاذبه الرجل ومنعه.

فـقـال عـبيداللّه: أحروريّ ساير اليوم!؟ قد حلّ لنا دمك، جرّوه! فجرّوه، فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه.

فقال: إجعلوا عليه حرساً. ففعل ذلك به». [3] .


پاورقي

[1] هـذا مـثـل مـعـروف وقـد ضـبـطـه المـحقّق السماوي هکذا: «أتتک بحائنٍ رجلاه تسعي»: الحائن الميّت، من الحَيْن بفتح الحأ وهو الموت. (إبصار العين: 143).

[2] شـريـح القـاضـي: «هـو شـريـح بـن الحـارث بـن المـنـتـجـع الکـنـدي وقـيـل: اسـم أبـيـه مـعـاويـة، وقـيـل: هانيء وقيل: شراحيل، ويکنّي أبا أميّة. استعمله عمر بن الخـطـاب عـلي القـضـأ بـالکـوفـة، فـلم يـزل قـاضـيـاً سـتـيـن سـنـة. لم يـتـعـطـل فـيـهـا إلا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير امتنع من القضأ، ثم استعفي الحجاج في العـمـل فـأعـفـاه، فـلزم مـنـزله إلي أ ن مـات، وعـمـّر عـمـراً طـويـلاً، قـيـل: إنـه عـاش مـائة و ثماني سنين، وقيل: مائة سنة، وتوفي سنة سبع وثمانين، وکان خفيف الروح مـزّاحـاً... وأقـرّ عـليُّ شـريـحـاً عـلي القـضـأ مـع مـخـالفـتـه له فـي مسائل کثيرة من الفقه مذکورة في کتب الفقهأ، وسخط علي (ع) مرّة عليه فطرده عن الکوفة ولم يعزله عن القضأ وأمره بالمقام ببانقيا، وکانت قرية قريبة من الکوفة أکثر ساکنيها اليهود، فـأقـام بـهـا مـدّة حـتـي رضـي عـنـه. وأعـاده إلي الکـوفـة وقـال أبـو عـمـرو بـن عـبـدالبـر فـي الاسـتـيـعـاب أدرک شريح الجاهلية ولا يُعَدُّ من الصحابة بل من التابعين..» (راجع البحار، 42: 175؛ وشرح النهج لابن أبي الحديد، 14:29).

«روي الاعمش، عن ابراهيم التميمي، قال: قال علي (ع) لشريح، وقد قضي قضية نَقَم عليه أمـرهـا: والله لانـفـيـنـّک إلي بـانـقـيـا شـهـريـن تـقـضـي بـيـن اليـهـود. قـال: ثـم قـُتـِل عـلي (ع) ومـضـي دهـر، فـلمـّا قـام المـخـتـاريـن أبـي عـبـيـد قـال لشـريـح: مـا قـال لک أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع) يـوم کـذا؟ قال إنه قال لي کذا. قال: فلاوالله لاتقعد حتي تخرج إلي بانقيا تقضي بين اليهود فسيّره اليها فقضي بين اليهود شهرين.» (راجع: شرح النهج لابن أبي الحديد، 4: 98).

و«... يـقـال إنـه مـن أولاد الفـرس الذيـن کـانـوا بـاليـمـن، أدرک النبي (ص) ولم يلقه علي الصـحـيـح... اسـتقضاه عمر علي الکوفة، وأقرّه علي بن أبي طالب (ع) وأقام علي القضأ بـهـا سـتـيـن سـنـة، وقـضـي بـالبـصـرة سـنـة، ويقال: قضي بالکوفة ثلاثاً وخمسين سنة، وبـالبصرة سبع سنين.. مات وهو ابن مائة وعشر سنين. وفي رواية أخري، مائة وعشرون سنة، قيل مات سنة سبع وتسعين..» (تهذيب الکمال،8: 318).

وقـال الذهـبـي: «عـزل ابن الزبير شريحاً عن القضأ، فلمّا ولي الحجاج ردّه،.. أن فقيهاً جأ الي شـريـح فـقـال: مـا الذي أحـدثـت فـي القـضـأ. قال، إنّ الناس أحدثوا، فأحدثت...» (سير اعلام النبلأ4:103)

وقـال المـام ـقـانـي: «... وقـد ذکـر المـؤرخـون أنه ممن شهد علي حجر بن عدي الکندي بالکفر والخروج عن الطاعة، وکتب زياد شهادته الي معاوية مع سائر الشهود، واراد أمير المؤمنين (ع) عـزله فـلم يـتـيـسـر له لانّ أهـل الکـوفـة قـالوا: لاتـعـزله لانـه مـنـصـوب مـن قبل عمر، وبايعناک علي أن لاتغيّر شيئاً قررّه أبو بکر وعمر... وقد أسأ الادب مع أمير المؤمنين في مقامات مثل طلبه البيّنة منه (ع) علي درع طلحة، وصياحه واسنّة عمراه عند نهيه عن صلوة التـراويـح الي غـيـر ذلک مـمـا تـغـنـي شـهـرتـه عـن النـقـل» (تـنـقـيـح المقال، 2: 83).

«وروي الطـبـري عـن أبـي مـخـنـف «أنّ النـاس قـالوا للمـخـتـار: إجـعـل شـريـحاً قاضياً، فسمع الشيعة يقولون: إنه عثماني، وإنه ممن شهد علي حُجر، وإنه لم يبلّغ عن هاني ما أرسله به، وإنّ علياً(ع) عزله عن القضأ» (تاريخ الطبري، 6:34).

روي فـي الحـليـة عـن ابـراهـيـم بـن زيـد التـمـيـمـي، عـن أبـيـه، قـال: وجـد عـلي (ع) درعـاً له عـنـد يـهـودي التـقـطـهـا، فـعـرفـهـا، فـقـال: درعـي سـقـطـت عـن جـمـل لي أورق، فـقـال اليـهـودي: درعـي وفـي يـدي! ثـم قـال اليـهـودي: بـيـنـي وبـيـنـک قـاضـي المـسـلمـيـن، فـأ تـوا شـريـحـاً (الي ان قـال) فـقـال شـريح لعلي (ع) صدقت ولکن لابد من شاهدين، فدعا قنبراً مولاه والحسن، وشهدا انـه درعـه، فـقـال شـريـح: امـا شـهـادة مـولاک فـقـد أجـزنـاها واما شهادة ابنک لک فلا نجيزها! فـقـال: ثـکـلتـک امـک! افـلا تـجـيـز شـهـادة سـيـد شـبـاب اهـل الجـنـة بـه والله لا وجـهـنـّک الي بـانـقـيـا تـقـضـي بـيـن أهـلهـا أربـعـيـن يـومـاً، ثـم قـال (ع) لليـهـودي: خـذ الدرع، فـقـال اليـهـودي: أمير المؤمنين جأ معي إلي قاضي المسلمين فـقـضـي عـليـه ورضـي! صـدقـت والله، إنـهـا لدرعـک، سـقـطـت لک عـن جـمـل، إلتـقـطـتها، أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه وأنّ محمداً رسوله فوهبها له عليُّ(ع) وأجازه بتسع مـائة، وقـُتـِلَ فـي يـوم صـفـيـن» (راجـع حـليـة الاوليـأ، 4: 139 وقـامـوس الرجال، 5: 408).

وروي الشـيـخ الصـدوق (ره): «أنّ عـليـاً(ع) کـان فـي مـسـجـد الکـوفة، فمرّ به عبداللّه بن فـضـل التـمـيـمـي ومـعـه درع طـلحـة فـقـال (ع): هـذه درع طـلحـة أُخـذت غـلولاً يـوم البـصـرة. فـقـال: إجـعـل بـيـنـي وبـيـنـک قاضيک!، فقال شريح له (ع): هات بيّنة! فأتاه بالحسن (ع) فـقـال: هـذا واحـد ولا أقـضـي بـشـاهـد حـتـي يـکـون مـعـه آخـر، فـأتـي (ع) بـقـنـبـر، فـقـال: هـذا مـمـلوک ولا أقـضـي بـشـهـادة المـمـلوک!. فـغـضـب (ع) وقـال: خـذوا الدرع! فـإنّ هـذا قـضـي بـجـَوْرٍ ثـلاث مـرّات، فـقـال شـريـح: مـن أين؟ قال: قلتُ لک: إنها درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة فقلت: هاتِ بـيـّنـة، وقـد قـال النـبـيُّ «حـيثما وجد غلول أخذت بغير بيّنة»، ثم أتيتک بالحسن فقلت: لا اقـضـي حـتي يکون معه آخر، وقد قضي النبي بشاهد ويمين، ثم أتيتک بقنبر فقلت: هذا مملوک، ومـا بـأسٌ بشهادة المملوک اذا کان عدلاً ثم قال: يا شريح إنّ إمام المسلمين يؤتمن في أمورهم علي ما هو أعظم من هذا» (من لايحضره الفقيه، 3: 63).

قـال المـجـلسـي الاوّل بـعـد نـقـل هـذه الروايـة: «فـتـحـول شـريـح عـن مـجـلسـه وقال: لا أقضي بين إثنين حتي تخبرني من أين قضيتُ بجورٍ ثلاث مرّات!؟»

قـال المـجـلسـي أمـا تـحـوّل شـريـح عـن مـجـلسـه فـيـدّلُّ عـلي کـفـره کـمـا هـو ظـاهـرٌ مـن ردّ قول المعصوم مستخفّاً. (روضة المتقين، 6:261).

[3] الارشاد: 209.