بازگشت

ميثم التمار


يندُر أن تري كتاباً يتناول تأريخ النهضة الحسينية وفاجعة عاشورأ يذكر ميثم التمّار(رض) في جملة شهدأ فترة تأريخ تلك النهضة المقدّسة مع أنه (رض) من طليعة الابرار وخواص الاوليـأ الذيـن اسـتـشـهـدوا فـي تـلك الفـتـرة لولائهـم لاهـل البيت (ع) وعدائهم للحكم الامويّ، ولشهادته نفسها خصوصية تجعلها في العليأ من روائع تأريخ وقائع الاستشهاد في سبيل اللّه تعالي وفي القمة من نوادره.

هـو مـيـثـم بـن يـحـيـي ـأو عبداللّه التمّار الاسديّ الكوفي، وهو من حواريّ أميرالمؤمنين والحسن والحـسـيـن صـلوات اللّه عـليهم، والروايات في مدحه وجلالته وعظم شأنه وعلمه بالمغيّبات كـثـيـرة لاتـحـتـاج إلي البـيـان، ولو كان بين


العصمة والعدالة مرتبة وواسطة لاطلقناها عليه. [1] .

كـان مـيـثـم (رض) لمـنـزلتـه الخـاصـة عـنـد اللّه تـبـارك وتـعـالي وعـنـد أهـل البـيـت (ع) قـد رزق علم المنايا والبلايا، وقد شاعت عنه إخباراته بمغيّبات كثيرة، ومنها أنـه أخـبـر حـبـيـب بـن مـظـاهـر بـاسـتـشـهـاده فـي نـصـرة الحـسـيـن (ع) وأنـه يـُجـال بـرأسـه فـي الكـوفة كما أخبر المختار بأنه ينجو من سجن ابن زياد، ويخرج ثائراً مـطـالبـاً بـدم الحـسـيـن (ع) فـيـقـتـل ابـن زيـاد ويـطـأ بـقـدمـيـه عـلي وجـنـتـيـه، [2] بـل أخـبـر ابـن زيـاد نـفـسـه بـأنـه يـقـتـله وبـالطـريـقـة التـي يـقـتـله بـهـا وأنـّه أوّل من يُلجم في الاسلام. [3] .

روي «أنّ مـيثم التمّار كان عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين (ع) منها فأعتقه، فقال له: ما اسمك؟

فقال: سالم.

فقال: أخبرني رسول اللّه (ص) أنّ اسمك الذي سمّاك به أبواك في العجم ميثم.

قال: صدق اللّه ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين، والله إنه لاسمي!

قال: فارجع إلي اسمك الذي سمّاك به رسول اللّه (ص) ودع سالماً، فرجع إلي ميثم واكتني بأبي سالم.

فـقـال له عـليّ(ع) ذات يـوم: إنـك تـُؤخـذ بـعـدي فـتُصلب وتُطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثـالث ابـتـدر مـنـخراك وفمك دماً يخضّب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، فتُصلب علي باب


عـمـرو بـن حـُريـث عـاشـر عـشرة، أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهّرة، وامضِ حتي أريك النخلة التي تُصلب علي جذعها.

فـأراه إيـّاهـا. وكـان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بوركتِ من نخلة، لك خُلِقتُ ولي غُذِيتِ، ولم يزل يتعاهدها حتي قُطعت، وحتي عرف الموضع الذي يُصلب عليها [4] بالكوفة.

قال: وكان يلقي عمرو بن حُريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحسن جواري!

فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟

وهو لايعلم ما يريد.

وحجّ في السنة التي قُتل فيها، فدخل علي أمّ سلمة رضي اللّه عنها.

فقالت: من أنت؟

قال: أنا ميثم.

قـالت: واللّه لربـّمـا سـمـعـت رسـول اللّه (ص) يـذكـرك ويـوصـي بـك عـليـّاً فـي جـوف الليل.

فسألها عن الحسين (ع)، فقالت: هو في حايط له.

قـال: أخـبـريـه أنـّنـي قـد أحـبـبـت السـلام عليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شأ اللّه تعالي. [5] .


فدعت أمّ سلمة بطيب وطيّبت لحيته، وقالت له: أما إنّها ستُخضّب بدم!

فـقـدم الكـوفـة، فـأخـذه عـبـيـد اللّه بـن زيـاد لعـنـه الله، فأُدخل عليه

فقيل له: هذا كان من آثر الناس عند عليّ!

قال: ويحكم، هذا الا عجميّ!

قيل له: نعم!

قال له عبيد اللّه: أين ربّك!؟

قال: لبالمرصاد لكلّ ظالم، وأنت أحد الظلمة!

قـال: إنـّك عـلي عـجـمـتـك لتـبـلغ الذي تـريـد! مـا أخـبـرك صـاحـبـك أنـي فاعل بك؟

قال: أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، أنا أقصرهم خشبة، وأقربهم إلي المطهّرة.

قال: لنخالفنّه.


قـال: كـيـف تـخـالفـه!؟ فـوالله مـا أخـبـرنـي إلاّ عـن النـبـيّ(ص) عـن جبرئيل عن الله تعالي، فكيف تخالف هؤلأ!؟ ولقد عرفت الموضع الذي أُصلب عليه أين هو من الكوفة، وأنا أوّل خلق اللّه أُلجم في الاسلام!

فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة، قال له ميثم: إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين (ع) فتقتل هذا الذي يقتلنا.

فلمّا دعا عبيد اللّه بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلي عبيد الله يأمره بتخلية سبيله فخلاّ عنه، [6] وأمر بميثم أن يصُلب، فأُخرج.

فقال له رجل لقيه: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم!؟

فتبسّم وقال وهو يومي إلي النخلة: لها خُلقتُ، ولي غُذيتْ!

فـلمـّا رفـع عـلي الخـشـبـة اجـتـمـع النـّاس حـوله عـلي بـاب عـمـرو بـن حـُريـث، قـال عـمرو: قد كان واللّه يقول إنّي مجاورك! فلمّا صُلب أمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشّه وتـجـمـيـره، فـجـعـل مـيـثـم يـحـدّث بـفـضـائل بـنـي هـاشـم، فـقـيـل لابـن زيـاد: قـد فـضـحـكـم هـذا العـبـد! فـقـال: ألجـمـوه. وكـان أوّل خـلق الله أُلجـم فـي الاسـلام، وكـان قـتـل مـيـثـم رحـمـة الله قـبـل قـدوم الحـسـيـن بـن عـلي (ع) بـعـشـرة أيـّام، فـلمّا كان اليوم الثالث من صلبه طُعن ميثم بالحربة، فكبّر، ثمّ انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دماً». [7] .



پاورقي

[1] راجـع: مـسـتـدرکـات عـلم رجـال الحـديـث، 8: 44؛ وانـظـر: تـنـقـيـح المـقال، 3: 262؛ فقد قال المامقاني أيضاً: «بل لو کانت بين العصمة والعدالة مرتبة واسطة لاطلقناها عليه».

[2] راجع: بحار الانوار، 45: 353.

[3] کما سيأتي في نفس رواية الارشاد الاتية.

[4] هکذا في الاصل، والصحيح (عليه).

[5] فـي قـول الشـيـخ المـفـيـد(ره): «وحـجّ فـي السـنـة التـي قـُتـِل فـيـهـا»، وفـي قـوله: «فـسـألهـا عـن الحـسـيـن (ع)، فـقـالت: هـو فـي حـايـط له. قـال: أخـبـريـه أنـنـي قـد أحـبـبـت السـلام عـليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين...» مدعاة للاستغراب والتأمّل!

تـُري کـيـف يـکـون قد حجّ في تلک السنة ولم يکن قد رأي أو التقي الامام (ع) في مکّة المکرّمة طيلة المدّة الطويلة التي کان الامام (ع) فيها بمکة!؟

الراجـح أنّ مـراد الشـيـخ المـفـيـد(ره) مـن قـوله «وحـجّ» أصل زيارة بيت اللّه الحرام، وإن کانت هذه الزيارة عمرة، ولدينا في رواية أخري تصريح من ابـنـه وهـو حـمـزة بـن مـيـثـم (يـصـف أحـداث نـفـس هـذه الزيـارة) يـقـول فيه: «خرج أبي الي العمرة..» (بحار الانوار، 42:129). فهذه الزيارة کانت عمرة، والراجـح أيـضـاً أنّ وصـوله الي المـديـنـة المـنـوّرة کـان قـبـل شـهـر رجـب سـنـة سـتـيـن أو فـيـه، فـيـمـا قـبل وصول نبأ موت معاوية إلي المدينة، أيّ قـبل مطالبة السلطة الاموية الامام الحسين (ع) بالبيعة ليزيد، ذلک لانّ الظاهر من تأريخ ما بعد ذلک الي خروج الامام (ع) من المدينة هو أنّ الامام (ع) لم يخرج الي حائط له خارج المدينة.

[6] إن المـتـأمـل فـي دلالة هـذا يـسـتـنـتـج أنّ المـخـتـار کـان طـليـقـاً قـبـل وصـول الامـام (ع) الي العـراق ـ لانّ مـيـثـم قـُتـل قـبـل وصـول الامـام (ع) الي العـراق ـ وهـذا خـلاف المـشـهـور، وعـليـه يـمـکـن القول: لعلّ المختار(ره) کان تحت رقابة شديدة أو إقامة جبرية منعته من الالتحاق بالامام (ع)، والله العالم.

[7] الارشاد: 171.