بازگشت

الرواية 2


وهـي روايـة مـحـمـّد بـن أبـي طـالب فـي كـتـابـه (تـسـليـة المـجالس) فـتـفـصـّل القـصـة هـكـذا: أنّه بينما كان عبيداللّه يتكلّم مع أصحابه في شأن عيادة هاني: «إذ دخـل عـليـه رجـل مـن أصـحـابـه يـُقـال له مـالك بـن يـربـوع التـمـيـمـي، فـقـال: أصـلح اللّه الامـيـر، إنـي كـنـت خـارج الكـوفـة أجول علي فرسي، إذ نظرتُ إلي رجل خرج من الكوفة مسرعاً إلي البادية، فأنكرته، ثمّ إنـي لحـقـتـه، وسـألتـه عـن حـاله فـذكـر أنـه مـن أهل المدينة! ثمّ نزلت عن فرسي ففتشته فأصبت معه هذا الكتاب.

فـأخـذه ابـن زيـاد فـفـضـّه فإذا فيه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم: إلي الحسين بن علي: أمّا بـعـدُ: فـإنـّي أُخـبـرك أنـّه بـايـعـك مـن أهـل الكـوفـة نـيـفـاً عـلي عـشـريـن ألف رجل،


فإذا أتاك كتابي فالعجل العجل، فإنّ الناس كلّهم معك، وليس لهم في يزيد هوي..».

فقال ابن زياد: أين هذا الرجل الذي أصبت معه الكتاب؟

قال: هو بالباب.

فقال: إئتوني به.

فلمّا وقف بين يديه قال: ما اسمُك؟

قال: عبداللّه بن يقطين.

قال: من دفع إليك هذا الكتاب؟

قال: دفعته إليَّ امرأة لا أعرفها!

فـضـحـك ابـن زيـاد وقـال: إخـتـر أحـد اثـنـيـن، إمـّا أن تـخـبـرنـي مـن دفـع إليـك الكتاب أو القتل!

فقال: أمّا الكتاب فإنّي لا أخبرك، وأمّا القتل فإنّي لا أكرهه لانّي لا أعلم قتيلاً عند الله أعظم أجراً ممّن يقتله مثلك!

قال فأمر به فضربت عنقه». [1] .

فـهـذا الشـهـيـد(رض) فـي هـاتـيـن الروايـتـيـن ــوخـلافـاً للمـشـهـور هـو رسـول مـن مسلم (ع) إلي الامام الحسين (ع)، [2] وهو في رواية (تسلية المجالس) ابن يقطين


وليس ابن يقطر أو بقطر.

وهـنـا قـد يـنـقـدح فـي الذهـن احـتمال أنّ عبدالله بن يقطر هو غير عبدالله بن يقطين هذا، بقرينة: اخـتـلاف إسم الاب أوّلاً. وثانياً اختلاف اسم الرجل الذي ألقي القبض علي ابن يقطر وهو حسب المـشـهـور الحـصـيـن بـن نـمـيـر (او ابـن تـمـيـم) عـن اسـم الرجـل الذي ألقـي القـبـض علي ابن يقطين هذا وهو مالك بن يربوع التميمي. وثالثاً أنّ الاوّل أُلقـيَ عـليـه القـبـض خـارج الكـوفـة. ورابـعـاً أنّ الاوّل كما هو مشهور قُتل برميه من فوق القصر، بينما الثاني ضُربت عنقه.

ويـمـكـن أن يـُردّ عـلي هـذه المـرتـكـزات التـي يـقـوم عـليـهـا هـذا الاحتمال:

أولاً: أنّ هـنـاك ظـنـّاً قـويـاً فـي أن يـكـون اسـم يقطين تصحيفاً لاسم يقطر خصوصاً في الكتب المخطوطة قديماً، ويقوّي هذا الظنّ أنّ اسم يقطين لم يرد إلاّ في كتاب تسلية المجالس، كما أن إسم الاب في رواية ابن شهراشوب المشابهة لهذة الرواية هو يقطر [3] وليس يقطين، هـذا فـضـلاً عـن أنّ روايـة كـتـاب تـسـليـة المـجـالس نـفـسـهـا تـذكـر أنّ عـبـدالله هـذا رجـل مـن أهـل المـديـنـة، والتـأريـخ لم يـذكـر لنـا رجـلاً مـن شـهـدأ النـهـضـة الحـسـيـنـيـة مـن أهل المدينة بهذا الاسم (من غير بني هاشم) سوي عبدالله بن يقطر.

وثانياً: أنّه لايمنع من وحدة الشخص أنّ الاوّل ألقي القبض عليه الحصين بن


نمير (أو تميم) وأنّ الثـانـي ألقـي القـبـض ‍ عـليـه مالك بن يربوع التميمي، إذ قد يكون مالك بن يربوع أحد مأموري الحصين، فتصحّ عندئذٍ نسبة إلقأ القبض ‍ إلي كليهما.

وثـالثـاً: أنّ قـول مـالك بـن يـربـوع كـمـا فـي روايـة تـسلية المجالس: «كنت خارج الكوفة أجـول عـلي فـرسـي إذ نظرت الي رجل خرج من الكوفة مسرعاً يريد البادية..» قد يعني أنه نـظـر الي رجل أقبل من ناحية الكوفة مسرعاً يريد البادية، ولاينافي ذلك أنه نظر إليه في القـادسـيـة أو قـريـباً منها (من ناحية الكوفة) حيث تنتشر قوّات الرصد الاموي علي اتساع تلك المنطقة.

ورابـعاً: أنه لا منافاة في الاخبار عن قتله بأنه ضُربت عنقه في حين أنّ ابن يقطر(رض) رُمي بـه من فوق القصر فتكسّرت عظامه وبقي به رمق ثم ذبحه اللخمي كما هو مشهور، ذلك لانّ هذا التـفـاوت فـي التـعـبـيـر عـن القتل غير مستغرب في الاستعمال العرفي، وهو ليس في مستوي دقّة التعبير الفقهي أو الرياضي كما نعلم، ثمّ إنّ رواية ابن شهرآشوب ذكرت فقط أنّ ابن زياد أمر بقتله، ولم تتعرّض لطريقة القتل.


پاورقي

[1] تسلية المجالس، 2:182.

[2] وقـال بـهـذا أيـضـاً ابـن قـتـيبة وابن مسکويه، أي: أنّ الذي أرسله الحسين قيس بن مـسـهـّر.. وأنّ عـبـداللّه بـن يـقـطـر بـعـثـه الحـسـيـن (ع) مـع مـسـلم، فـلمـّا رأي مـسـلم الخـذلان قـبـل أن يـتـمّ عـليـه مـا تـمَّ بـعـث عـبداللّه الي الحسين يخبره بالامر الذي انتهي، فقبض عليه الحصين وصار ما صار من الامر عليه. (راجع: إبصار العين: 94).

[3] ويـسـتـفاد من کلام السيد الخوئي أنه يري عبدالله بن يقطر شخصاً واحداً في روايات القـصـة المـشـهـورة وفـي روايـة ابـن شـهـراشـوب الشـاذة عـن المـشـهـور، حـيـث يـقـول: «وقـد ذکـر قـصـة قـتـله غـيـر واحـد مـن الاعـلام، إلاّ أنّ ابـن شـهراشوب ذکر أنه کان رسـول مـسـلم الي الحـسـيـن (ع) وأنّ مـالک بـن يـربـوع أخـذ الکـتـاب مـنـه.» (مـعـجـم رجال الحديث، 10: 384).